دول الخليج مصدر رئيس للطاقة وصمام أمان ضد الكساد العالمي
ثمة أسباب مقنعة لقيام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الاقتصاد ميكائيل جلوس سويا بتلك الجولة الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط.
فما من منطقة في العالم يقف فيها الاقتصاد في مهب رياح النزاعات السياسية كما في هذه المنطقة. ورغم هذا، فإن الدول المصدرة للنفط في مجلس التعاون الخليجي تشكل أسرع المناطق نموا على الإطلاق . ففي العام الماضي ازداد الناتج المحلي الإجمالي للدول الست في مجلس التعاون الخليجي: السعودية والكويت و البحرين وقطر والإمارات وعمان بنسبة تزيد على 10 في المائة. يضاف إلى ذلك أنها أكبر ممول لعجز ميزان الحساب الجاري الأمريكي، وهي تساهم بالتالي مساهمة كبرى في المحافظة على استقرار النظام المالي العالمي.
إن لألمانيا مصلحة مضاعفة في المنطقة فهي أولا تريد الشركات الألمانية أن تكون طرفا في هذا النمو ويذكر في هذا المقام أن صادرات ألمانيا لدول الخليج الست قد تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية لتبلغ ما مجموعه 13 مليار يورو. ويؤشر الاتجاه العام إلى استمرار تصاعد وتيرة نمو هذه الصادرات. وثانيا فإن ألمانيا ليست دولة مصدرة فقط، وإنما هي أيضا دولة تعتمد على وارداتها من الطاقة. ومنذ أن أقدمت روسيا من قبل على إغلاق صنابير الغاز الطبيعي المتجه نحو الغرب أصبح موضوع أمن الطاقة هاجسا يفرض نفسه على جدول أولويات الأجندة الألمانية.
إن ثلثي جميع موارد النفط و40 في المائة من الاحتياطي النفطي في العالم موجودة فقط في خمس من دول الخليج، الذي يعتبر منطقة جذب للنزاعات ففي العراق تشتعل حاليا نيران حرب داخلية كما أن إيران تفرض عليها الولايات المتحدة حصارا اقتصاديا بسبب برنامجها النووي .إن ألمانيا معنية باستقرار المنطقة وهي تعتبر في الوقت نفسه شريكا مقبولا في شبه الجزيرة العربية. وفي الحقيقة إن الحكومة الألمانية تمارس مسؤوليات متزايدة وتلعب دورا نشطا للغاية في منطقة الشرق الأوسط، ذلك لأن منطقة الخليج ستظل في المستقبل المنظور أحد مفاتيح السلام والرخاء في العالم. فمن الناحية السياسية يتوق الخليجيون إلى مزيد من النشاط متعدد الأطراف من قبل الألمان والأوروبيين.
أما من الناحية الاقتصادية فإن منطقة الخليج ستظل على الأقل في المدى المنظور مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية. ففي عام 2006 سجل ميزان الحساب الجاري لدول مجلس التعاون الخليجي الست فائضا قدره 200 مليار دولار وهو ما يزيد على فائض ميزان الحساب الجاري للصين. وكما كان الحال في سنوات السبعينيات تلجأ الخزينة الأمريكية لدول النفط العربية التي يطلب منها شراء سندات دين لتمويل عجز ميزان الحساب الجاري الأميركي الذي ارتفع إلى 900 مليار دولار.
ولذلك فإنه على الرغم من بعض التصريحات التي تصدر هنا وهناك فليس ثمة ما يشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي عازمة حقا على فك ارتباط عملاتها بالدولار، حتى ولو كان باستطاعتها أن تحصل على فوائد أعلى، ذلك لأن انسحاب هذه البلدان من الدولار سيؤدي إلى تراجع قيمة الدولار مما يؤدي إلى الإضرار باستثماراتها بالدولار، ولعل هو هذا سبب استمرار التزامها بالدولار. وتشير حسابات صندوق النقد الدولي إلى أن جميع الدول المصدرة للنفط قامت عام 2006 بتمويل 46 في المائة من عجز ميزان الحساب الجاري للولايات المتحدة أي بما يزيد لأول مرة على مساهمة الاقتصادات الآسيوية الصاعدة . كما أن إعادة تدوير دولاراتها النفطية يحول دون نشوء اختلال في توازن النظام المالي الدولي ووقوع الاقتصاد العالمي في هاوية الكساد.
وشملت جولة ميركل في الخليج زيارة السعودية، الإمارات، والكويت وهذه الدول الثلاثة هي أغنى الدول المنتجة للنفط : وتحتفظ مؤسسة النقد العربي السعودي في الخارج بحقيبة استثمارية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار، وفي الإمارات تحتفظ أبو ظبي للاستثمار بأرصدة تقدر بنحو 500 مليار دولار، وفي الكويت أعلنت سلطة الكويت للاستثمار أن ما تملكه من أرصدة يبلغ 166 مليار دولار. وإضافة إلى ما تتوافر عليه السلطات الاستثمارية في قطر ودبي والبنوك المركزية الباقية يصل مجموع ما تملكه حكومات مجلس التعاون الخليجي مجتمعة من استثمارات في الخارج إلى ألف مليار دولار على أقل تقدير. يضاف إلى ذلك الاستثمارات الخاصة في الخارج التي يقوم بها سكان دول الخليج ومن أبرزهم الأمير الوليد بن طلال.
وتريد ألمانيا أن تستفيد من هذه السيولة الفائضة من الدولارات النفطية في اتجاهين: زيادة رأسمالها وزيادة صادراتها. ومن المعروف أن جزءا كبيرا من فائض ميزان الحساب الجاري لدول مجلس التعاون الخليجي البالغ 200 مليار دولار قد تدفق نحو أمريكا الشمالية وأوروبا، وقد استخدم جزء ليس بالقليل من هذا الفائض كاستثمارات مباشرة في شركات مشهورة . فقد حصلت دبي على رزمة من الأسهم في شركة دايملر-كرايزلر، وأبو ظبي في فيراري ، وقطر بصورة غير مباشرة في الشركة الأوروبية للصناعات الفضائية .
ويقدر مركز الخليج للبحوث في دبي أن نصف عوائد الصادرات النفطية، يبقى داخل دول مجلس التعاون الخليجي حيث سيجري خلال السنوات الخمس المقبلة إقامة مشاريع بقيمة 700 مليار دولار، وسيكون للشركات الألمانية نصيب من ذلك ولهذا فإن من مصلحة ألمانيا أن يسود منطقة الخليج الاستقرار والازدهار.