سكون بنك اليابان يتحول ضجيجا في الأسواق
حين اختتم بنك اليابان اجتماعاً لمجلس الإدارة حول السياسة دام يومين الشهر الماضي، انتهى إلى قرار خالٍ فيما يبدو من أي طابع درامي: ترك نسبة الفائدة على ما هي عليه، عند مستوى 0.25 في المائة. لكن عدم تحركه سبب هياجاً في الأسواق المالية لثلاثة أسباب متداخلة.
الأول، أن الأسواق سواء كانت على صواب أم على خطأ، خلصت إلى نتيجةٍ مفادها أن بنك اليابان كان ينوي رفع نسبة الفائدة إلى 0.5 في المائة. وقبل أيام قليلة من اجتماع كانون الثاني(يناير)، توصلت الأسواق الآجلة إلى أن هناك فرصة لزيادة بنسبة 80 في المائة. وحينما لم يتحرك المصرف، اعتقد المشاركون في السوق أن مجلس الإدارة لا بد أنه وقع تحت ضغطٍ كبيرٍ من السياسيين الذين يرغبون في بقاء نسب الفائدة منخفضة.
ثانياً، ووفقاً لبعض الاقتصاديين، المعايير التي يستند إليها البنك في اتخاذ قراراته أصبحت مبهمة بصورة أكبر. ووضع بنك اليابان إطار عملٍ مبتكرٍ يتيح له رفع الأسعار على ضوء توقعاته بشأن التضخم في المستقبل، ما يعفيه من قيود البيانات القديمة. لكن في تفسير اللغة التي صاحبت القرار الذي صدر في كانون الثاني (يناير) بعدم رفع نسبة الفائدة، كشف الكثير من الاقتصاديين عن تحولٍ إلى موقفٍ أكثر تقليدية.
وحسب ميكيهيرو ماتسوكا، الاقتصادي في "دويتشه بانك": "الطريقة التي فسروا بها السبب وراء عدم زيادة سعر الفائدة لم تكن متفقةً مع ما قالوه في كانون الأول (ديسمبر)". وأضاف: "نحن قلقون من وجود تغيير في منطق رفع السعر وهذا يجب تفسيره".
ثالثاً، وهذا يتصل بما سبق، كان مجلس الإدارة منقسماً بشدة في كانون الثاني (يناير)، إذ صوت بأغلبية ستة أصواتٍ مقابل ثلاثةٍ لصالح ترك الأسعار على ما هي عليه، ما دعم انطباعا لدى بعض المراقبين بأن معايير اتخاذ القرار مبهمة ويتم تفسيرها بناءً على أسس أيديولوجية بدلاً من الأسس التجريبية.
ويقول جون ريتشاردز، وهو خبير استراتيجي رفيع المستوى في "رويال بنك أوف اسكتلند" في طوكيو: "أعتقد أن بنك اليابان فقد صدقية كبيرةً في الأوساط الدولية. ما يود الناس أن يروه هو أن يدير البنك حواراً منطقياً نوعاً ما مع الأسواق، وليس حواراً تهيمن عليه الحكومة في اللحظة الأخيرة".
ولا يوجد أي دليل قوي على أن البنك رزح تحت ضغطٍ مباشرٍ من الحكومة، على الرغم من أن هيديناو ناكاجاوا، الأمين العام القوي للحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، أوضح أن أي ارتفاع في سعر الفائدة لن يكون موضع ترحيب. ومع ذلك كان هناك دليل ظرفي عبر التسريبات والتسريبات المضادة لوسائل الإعلام المحلية يشير إلى أن بعض أعضاء مجلس الإدارة غيروا طريقة العمل في اللحظة الأخيرة.
ونفى توشيهيكو فوكوي، محافظ بنك اليابان، بشكل قاطع خضوع البنك لأي ضغطٍ من الحكومة وقال بعد الاجتماع: "كما هو الحال دائماً، قرار اليوم مبني على تقييمنا الدقيق للاقتصاد والأسعار. لا مجال لعوامل أخرى غير أوضاع الاقتصاد والسعر كي تؤثر في السياسة النقدية".
ومع ذلك يشعر بعض أصدقاء البنك بالحيرة. ويقول أحد الأشخاص المقربين جداً من مجلس الإدارة: "لا أنكر وجود ضغط سياسي قوي جداً". وأقر بأن البنك كان عالقاً بين موقفه الذي يستشرف المستقبل والرغبة في بيانات منشورة تبرر تحركه.
وقال: "ذلك مؤسف، لكن طالما أنهم يشرحون ذلك بطريقةٍ تتطلع إلى المستقبل، فلن يفهم ذلك العديد من الأشخاص. وأنا قلق من فقدان الصدقية والسمعة". ويقوم العديد من أصدقاء البنك بحثه على استعادة المبادرة هذا الشهر، من خلال رفع سعر الفائدة. يمكن أن يساعد في مثل هذا المسعى ارتفاع معدلات النمو في الربع الرابع التي من المقرر أن تظهر من الآن وحتى الاجتماع المقبل. وفي ضوء المقارنة مع الربع الثالث الضعيف جداً، يتوقع كثيرون أن ينمو الاقتصاد بنسبة سنوية مقدارها 3 في المائة، أو حتى 4 في المائة.
ووفقا لريتشاردز: "إذا حصل ذلك، وإذا قفز الاستهلاك، كما نعتقد، يمكن لفوكوي أن يقول للسياسيين: أخذتكم بعين الاعتبار، وانتظرت حتى أكدت البيانات الأمور". وأضاف: "ومن ثم يمكنه المضي قدماً ويشدد، ويستعيد بعض الصدقية مع مجتمع السندات العالمي".
ويرى اقتصاديون آخرون أن هذا كله حسن وجيد، لكن مبرر التشديد يبقى ضعيفا حتى وإن كان نمو الربع الرابع قوياً. ولا يزال التضخم في أسعار المستهلك، باستثناء الطاقة والطعام الطازج، متراجعاً. وحتى إذا اشتمل على الطاقة يظل الرقم الرئيسي ضئيلا عند 0.2 في المائة.
وعلاوةً على ذلك، ولأسباب فنية تتعلق بأسعار الطاقة، يمكن أن ينزلق مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي إلى منطقة سلبية في الأشهر القليلة المقبلة. وسيؤدي ذلك إلى ترك بنك اليابان في موقفٍ حرجٍ بعد أن رفع سعر الفائدة ليس مرة، بل مرتين، وسط انكماشٍ واضح.
وحينها سيكون البنك أثبت استقلاليته، لكن بأي ثمن؟