نادي الغاز
نادي الغاز
تصاعد الحديث في الآونة الأخيرة حول احتمال إنشاء منظمة تعنى بالغاز مثل منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، التي ظلت نموذجا لنجاح منظمة من العالم الثالث في فرض حضورها على الساحة العالمية.
ومع أن الفكرة قديمة ويعاد طرحها من حين إلى آخر، إلا أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تحركات مكثفة لفتت الأنظار، خاصة تلك التي جمعت مسؤولين روسا، إيرانيين، وجزائريين، وهم أصحاب أكبر الاحتياطيات في ميدان الغاز. على أن التحرك الذي كان أكثر إثارة للانتباه هو ذلك اللقاء الذي جمع مرشد الثورة الإيرانية علي خامئني وإيجور إيفانوف من مجلس الأمن القومي الروسي وتم فيه تناول موضوع الغاز كذلك.
وإذا كانت روسيا تبدو لاعبا رئيسيا في هذه التحركات من باب حجم احتياطياتها وإنتاجها، إلا أنها ترسل إشارات متناقضة. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصف الفكرة بأنها "مثيرة للاهتمام"، لكنه أضاف في الوقت ذاته أن روسيا ليست لديها خطط محددة فيما يخص تكوين المنظمة.
فاليري يزر مسؤول لجنة الغاز في البرلمان الروسي تحمس للفكرة، وذهب خطوة إضافية مطالبا بتكوين "كارتل" مثل "أوبك" وذلك لأن الشركات العاملة في ميدان العمليات النهائية هي المسيطرة على الصناعة، بكل ما تعنيه تلك السيطرة من هضم لحقوق المنتجين.
لكن فيكتور خريستنكو وزير الطاقة الروسي قام بتسفيه الفكرة، واصفا إياها بأنها نتاج "خيال سقيم". وفي واقع الأمر فإن هناك الكثير من الغبار حول الفكرة إلى جانب الصعوبات العملية والبعد السياسي في إثارة الأمر كذلك، فالحديث عن ضرورة قيام "كارتل" لصناعة الغاز للعب الدور الذي تلعبه "أوبك" بالنسبة للنفط الخام ليس دقيقا، لأن "أوبك" نفسها ليست "كارتل" بالمعنى الدقيق للكلمة، فهي مع جهودها في ضبط الأسعار والدفاع عنها، إلا أن سجلها يبدو بائسا فيما يتعلق بالقدرة والالتزام على خفض الإنتاج دفعا للأسعار إلى أعلى.
من الناحية الثانية، فإن وضع صناعة الغاز يختلف بصورة رئيسية عن النفط خاصة لجهة الحاجة إلى تعاقدات طويلة الأمد تتراوح بين 10 و20 عاما مع مستهلكين حتى يمكن التخطيط للمرافق اللازمة لنقل وتسييل الغاز ومن ثم بيعه، الأمر الذي يقلل من فرص التأثير على السعر بصورة سريعة. فـ "أوبك" يمكنها التأثير على سعر البرميل من النفط الخام بصورة فورية عندما تعلن عن قرار لرفع الإنتاج أو خفضه، بل إن بعض التجار وجدوا في السرعة ما يدفع بعضهم لبث شائعات ذات صلة بدولة ما أو مسؤول ما، لترتفع الأسعار أو تنخفض وفق اتجاه الشائعة ولو بصورة مؤقتة تكون كافية لجني الأرباح.
هذه العوامل وغيرها وتجربة "أوبك" الطويلة، التي رغم نجاحها مقارنة بالمنظمات الشبيهة من العالم الثالث، إلا أن إنجازاتها تظل متواضعة إذا أخذ في الاعتبار سجلها الممتد على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمان، وربما لهذا السبب لم يتم تطوير منتدى الدول المصدرة للغاز الذي أقيم منذ 2001، ويضم بين جنباته دولا تملك أكثر من ثلث الاحتياطيات العالمية من الغاز وأكثر من 41 في المائة من إنتاجه، بل إن المنتدى ليست له سكرتارية ولا مقر ولا اجتماعات منتظمة، وإنما هو يوفر إطارا للقاءات تفاكرية ليست لها تبعات.
والتحرك الذي يمكن الإشارة إليه في هذا الجانب بعض المساعي التي قادتها الجزائر في فترة من الفترات، مطالبة فيها بربط سعر الغاز بسعر النفط، وكان ذلك في عقد الثمانينيات، لكن الفكرة قُبرت بعد ذلك. ويبدو واضحا أن مصالح الدول تتقاطع، فتلك التي لديها احتياطيات كبيرة ومرافق نشطة ربما لا تكون متحمسة للمشاركة في تجمع قد يطلب منها خفض إمداداتها لرفع السعر.
يبقى أن النقاش الذي أثاره الاقتراح رغم أنه ليس جديدا، إلا أنه يصب في النهاية في المجرى العام الهادف إلى حصول المنتجين على عائدات أفضل ومجزية لسلعهم، وهو ما يعيد التركيز على فكرة تحقيق شيء من العدالة في نظام التجارة العالمي.
نجاح "أوبك" تمثل في أنها فرضت على العالم عقب الصدمة النفطية الأولى النظر في هذا الموضوع، وهو ما أدى إلى انطلاقة حوار المنتجين والمستهلكين وبروز عبارات النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وتحرك مختلف المنتجين لتأسيس تجمع لهم للدفاع عن مصالحهم، لكنه كان نجاحا قصير الأمد، حيث استمرت اللقاءات والحوارات فقط في الفترة التي تملكت فيها "أوبك" شيئا من الثقل في الموازين الدولية، لكن مع الضعف الذي شاب سوق النفط مع مطلع عقد الثمانينيات فإن ذلك الاهتمام تراجع.
ويحتاج منتجو الغاز إلى الاستفادة من ذلك الدرس والحصول على ثقل يفرض على العالم الاستماع إليهم، وفوق هذا الاستفادة من تجربة "أوبك" على الساحة الدولية، وفوق هذا كيفية المواءمة بين مصالح أعضائها المتقاطعة في بعض الأحيان.