قطاع السياحة سيوفر 1.5 مليون فرصة عمل في السعودية بحلول 2020

قطاع السياحة سيوفر 1.5 مليون فرصة عمل في السعودية بحلول 2020

يشهد قطاع السياحة اهتماماً متزايداً في العديد من دول العالم نتيجة لإسهامه بحصة ملموسة في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفيره فرص العمل الجديدة، مما يؤدي إلى تقليص معدلات البطالة، إضافة إلى إسهامه في تنويع القاعدة الاقتصادية، وتحقيقه التوازن في التنمية على مستوى المناطق. وقد جرى عالمياً تأكيد أهمية الدور التنموي الذي يلعبه قطاع السياحة، من خلال الاتفاق على وضع مؤشرات اقتصادية رقمية لقياس هذا الدور بدقة. فقد جرى عام 2000 اعتماد "الحسابات القومية الفرعية" للسياحة من قبل المنظمة العالمية للسياحة، والأمم المتحدة، ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، والاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى يرتبط قطاع الحرف والصناعات اليدوية ارتباطاً وثيقاً مع السياحة، ونشهد تزايداً في نمو هذا القطاع مع نمو السياحة. تسعى المملكة بخطى حثيثة لتطوير كلا القطاعين الاقتصاديين وفق استراتيجيات وخطط طموحة.
تتابع وزارة الاقتصاد والتخطيط تنمية قطاع السياحة باهتمام، لما لهذه التنمية من أبعاد اقتصادية كبيرة، كما تكرس الوزارة لهذا القطاع حيزاً مناسباً في خططها. فتعد السياحة في الاستراتيجية الاقتصادية بعيدة المدى "واحدة من الاستجابات الاستراتيجية لتحدي توليد فرص العمل، وقوة دافعة للنمو الاقتصادي"، كما خصص لقطاع السياحة فصلٌ خاصٌ في خطة التنمية الثامنة. من جهة أخرى تشارك وزارة الاقتصاد والتخطيط الهيئة العليا للسياحة مع جهات أخرى في تطوير "الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية" والعمل نحو "استراتيجية لتنمية الحرف والصناعات اليدوية في المملكة".
ستعرض هذه المقالة (في أربع حلقات) لأهمية السياحة والحرف اليدوية في الاقتصاد عامة وفي اقتصاد المملكة خاصة، كما ستبين الجهود التخطيطية في المملكة لهذين المجالين. وتختتم باقتراح عدة مشاريع تتناسب مع أهداف استراتيجية التنمية بعيدة المدى والخطة الخمسية الثامنة، مثل إنشاء "واحة الحرف اليدوية لخدمة ضيوف الرحمن" بين جدة ومكة المكرمة، وإنشاء "مركز ترويج الحرف والصناعات اليدوية الذاتية" وإقامة تجمعات عنقودية Clusters للحرف في عدة مدن وقرى في المملكة.

أولاً: البعد الاقتصادي للسياحة عالمياً ووطنياً

تحتل السياحة حالياً مكاناً متميزاً في الاقتصاد العالمي، إذ إنها تُعد الآن ثاني أكبر صناعة في العالم، فحسب تقديرات المجلس العالمي للسياحة والسفر، كان هناك نحو 500 مليون فرصة عمل في هذا القطاع عام 2003 مثلاً، وأن السياحة تولد نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وتختلف هذه النسبة كثيراً من دولة إلى أخرى. وقد صرح الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة UN-WTO طالب الرفاعي "أن السياحة ستكون الصناعة الأولى في القرن الحادي والعشرين". كما أفاد أن عام 2005 شهد 800 مليون سائح عالمياً، جذبت أوروبا 50 في المائة من هذا العدد، وأن نمو السياحة في آسيا سجل معدلاً يزيد على 7 في المائة عام 2005.
يتطور قطاع السياحة عامة بشكل متسارع، وبخاصة في الدول النامية، فقد صرح مدير قسم التنمية السياحية المستدامة Eugenio Yunis التابع لليونسكو، أنه في عام 1950 كانت أوروبا والولايات المتحدة وكندا تحتل 90 في المائة من السياحة العالمية، إلا أن هذه النسبة هبطت إلى ما يقارب 50 في المائة عام 2004 نظراً لنمو السياحة عالمياً.
يتوقع أن يرتفع حجم السياحة العالمية إلى تريليوني دولار أمريكي بحلول عام 2020، كما يتوقع نمو هذا القطاع في العالم العربي بمعدلات سنوية عالية حتى عام 2020 تراوح بين 6.1 في المائة و7.4 في المائة. (أنظر الجدولين (1) و(2) لعدد السياح القادمين وعدد السياح المسافرين إلى الخارج لمختلف مناطق العالم). ويسهم التقدم التقني المتسارع في نمو السياحة هذا وبخاصة التقدم في تقنيات النقل وتقنيات الاتصالات والمعلومات والتجارة الإلكترونية.

يبين الجدول رقم (3) تطور عائدات السياحة بمليارات الدولارات بين عامي 2000 و2004 حسب مناطق العالم، التي كانت تساوي 477 مليار دولار عام 2000. ونلاحظ أن نمو عدد السياح في المملكة كان نمواً مطرداً.

أوردنا في الشكل رقم 1 إيرادات السياحة لمجموعة دول منتقاة عام 2004، ونرى أن المملكة احتلت المرتبة 19 بين هذه الدول.

الشكل رقم (1)
إيرادات السياحة العالمية لدول منتقاة لعام 2004

يزداد الاهتمام بالسياحة في المملكة ازدياداً ملحوظاً ويقدر عدد العاملين في قطاع السياحة في المملكة حسب تقديرات الهيئة العليا للسياحة بـ 489 ألف فرصة عمل عام 2002، يتوقع أن تصل إلى 1.5 مليون عام 2020. وتدل الإحصاءات على أن نفقات السياحة داخل المملكة (سياحة داخلية وسياحة وافدة) أكبر من نفقات السياحة خارج المملكة.
أما ميزان المدفوعات بالقطع الأجنبي في هذا المجال فقد كان سالباً ولصالح السياحة خارج المملكة، وقد تحول ليصبح موجباً ولصالح السياحة الوافدة، وهذا يستدعي الاستمرار في الاهتمام بتنمية السياحة الداخلية بشكل مكثف.
إن موضوع بحث الآثار الاقتصادية للسياحة موضوع جديد ومهم ومتشعب، وقد قدمت عدة منهجيات لبحث هذه الآثار مثل تحليل الأثر الاقتصادي، أو الضريبي، أو المالي، أو البيئي، أو التحليل من حيث التكلفة والربح، أو من حيث الطلب. يضاف إلى هذه الأنواع من البحوث موضوع دراسة جدوى الاستثمار في المشاريع السياحية أو في السياحة ككل.
لقد أصبح من المسلّم به أن للسياحة آثاراً إيجابية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فهي اقتصادياً تسهم في النمو وتشكل حصة مهمة في الناتج الإجمالي المحلي لكثير من الدول، وتساعد على تنمية الاستثمار، وتحسين ميزان المدفوعات بالعملة الصعبة، وتسهم في التنويع الاقتصادي، وزيادة دخل الدولة من الضرائب. أما من الناحية الاجتماعية فهي تولد نسبة مهمة من فرص العمل, وتسهم في الحد من الفقر، وفي الإقلال من الهجرة إلى المدن الكبرى، وتنمي المناطق المختلفة، وتقدم فرص عمل خاصة للمرأة كالصناعات اليدوية. وأما ثقافياً فهي تساعد على الحفاظ على التراث والمواقع الحضارية والثقافية، وتسهم في إحياء الحرف والصناعات اليدوية التراثية والحفاظ عليها وتطويرها، وهي صناعات مستدامة تحافظ على البيئة وتعتمد على المواد المحلية لكل منطقة وتحافظ على البيئة الاقتصادية للمناطق في حدها من الهجرة منها. إذاً فالسياحة محرك نمو اقتصادي مهم ينشط الاقتصاد القائم على الثقافة والمعرفة الحضارية.
بالمقابل، من محاذير الاعتماد الاقتصادي على السياحة كقطاع طاغٍ، أن هذا القطاع لا ينتج عنه نقل التقنيات العالية، كما أن إنتاجية العمالة فيه أقل من غيره من القطاعات عالية التقنية، كذلك لا يطرح هذا القطاع منتجات وطنية في السوق العالمية، يضاف إلى ذلك بعض التأثيرات غير المرغوبة اجتماعياً وبيئياً كالضغوط على المياه والبيئة والبنية التحتية وزيادة للتلوث. كما تُعد السياحة قطاعاً اقتصادياً غير مستقر لأنها تتأثر بعوامل عديدة منها الكوارث الطبيعية، والحروب، وانتشار الأمراض، وغلاء الأسعار، وتقلبات الطقس، وموسمية المناسبات. إلا أن مجمل هذه السلبيات يمكن الإقلال منه كثيراً إذا ما جرى الانتباه إليها في التخطيط الوطني لهذا القطاع، وهذا ما سعت إليه رؤية المملكة واستراتيجيتها وخططها لهذا القطاع كما سنرى لاحقاً.

الأكثر قراءة