هل يمثل الإيثانول بديلا أفضل لمركبات الإيثر في البنزين؟
خلصنا في المقال السابق إلى أن مركبات الإيثر قد حظرت في نحو نصف ولايات الولايات المتحدة، واستخدم بدلاً عنها الإيثانول للأسباب التالية:
* مادة الإيثانول تحتوي على ضعف ذرات الأوكسجين التي تحتويها مركبات الإيثر، وهذا ينتج عنه فاعلية أكبر في الاحتراق، وبالتالي تقليل انبعاث المواد الضارة من العادم.
* مركبات الإيثر تتحرك بسرعة أكبر إلى المياه الجوفية وتذوب فيها بشكل أكبر أيضاً، ما يجعل فصلها عن الماء مكلف وصعب، بينما مادة الإيثانول لا تستطيع تلويث المياه.
* صعوبة التفكك البيولوجي، أي أن مركبات الإيثر تبدو قوية ضد الأحياء الدقيقة، بينما مادة الإيثانول تتلاشى بفعل الأحياء الدقيقة في غضون ساعتين إلى أربع ساعات.
* يصنع الإيثانول من مواد طبيعية وزراعية أي متجددة، وهي قصب السكر أو الذرة، بينما تصنع مركبات الإيثر من الميثانول السام والذي ينتج من الغاز الطبيعي غير المتجدد.
ويبقى السؤال: هل يمثل الإيثانول بديلا أفضل لمركبات الإيثر؟
يبدو أن الجواب عن هذا السؤال أكثر تعقيدا، ويعتمد على عدة عوامل، منها طبيعة البلد: هل البلد زراعي أم يملك ثروات نفطية وغازية؟ حيث إن وجود مساحات كبيرة صالحة لزراعة الذرة أو قصب السكر من شأنه أن يشجع على ازدهار صناعة الإيثانول كما هي الحال في البرازيل، التي تحتل المرتبة الأولى عالميا في إنتاج واستعمال الإيثانول كوقود. فمثلا تم خلط نسب عالية جدا من الإيثانول وصلت إلى 85 في المائة مع 15 في المائة جازولين ليكون ما يسمى 85E.
أما في دول الخليج العربي، حيث لا توجد زراعة ذرة استراتيجية والمياه الجوفية ليست بمستويات عالية، حيث إن مياه الشرب غالباً ما تتوفر من تحلية مياه البحر، كل هذا جعل صناعة مركبات الإيثر، ومنها مادة MTBE مزدهرة فيها لوجود مادة الميثانول والغازات اللازمة الأخرى بكثرة.
يبدو أنه على الأرجح أن مركبات الإيثر قد تتسرب إلى التربة وإلى المياه الجوفية، وإنها شديدة الذائبية في المياه، ولكن الحل الأمثل ربما لا يكمن في حظرها الكامل، لأن أي خليط آخر غيرها سيكون لديه مشاكله، فمثلاً نرى أن الإيثانول أيضاً يملك عدة سلبيات منها:
* كمية الإيثانول المراد خلطها مع الجازولين هي أقل من كمية مركبات الإيثر التي من المفترض أن تخلط مع الجازولين لترفع نسبة الأوكسجينات في مكوناته إلى 2 في المائة. أي أن 5.8 في المائة من جازولين كاليفورنيا يجب أن يكون إيثانول، بينما (قبل عام 2000م) كان نحو 11.2 في المائة من مادة MTBE يخلط مع الجازولين والفرق نحو 5 في المائة لا بد أن يتم تعويضه من الجازولين العادي باهظ الثمن، أي أن MTBE ساهمت في حل النقص في مادة الجازولين وذلك بتخفيفها للجازولين.
إذاً لا بد من تزويد النقص الناجم عن استبدال MTBE في الإيثانول بتكرير المزيد من الخام لزيادة كمية الجازولين المنتج، حيث إن جالونين من MTBE قد استبدلت بجالون إيثانول.
* وجود مركبات الإيثر في الجازولين بكميات أكبر من الإيثانول (الضعف) يساعد على تخفيف تركيز المواد الضارة الموجودة أصلاً في الجازولين، مثل البنزين العطري (مادة مسرطنة) ومادة الكبريت.
* صعوبة خلط الإيثانول مع الجازولين مقارنة بسهولة الخلط مع مركبات الإيثر.
* لدى الإيثانول نفاذية عالية يستطيع التسرب من خلال الكثير من المواد البلاستيكية والمطاطية (يبدو أن مشكلة التسرب لم تحل).
نظراً لأن الإيثانول مادة سهلة التطاير فإن خلطها مع الجازولين يزيد الضغط البخاري للجازولين الذي من شأنه أن يفقد مكونات الجازولين الخفيفة مثل البيوتان والبنتين (كربون 4 و5) والتي تشكل جزءا غير قليل من الجازولين الخفيف ما يشكل عبئا على صناعة الجازولين.
وختاماً لا بد من الاعتراف بأن هذه القضية ذات أبعاد متعددة منها بيئية، لأن التسرب موجود، وسياسية واقتصادية. فمثلاً كما هو معروف أن كاليفورنيا لوحدها كانت تستهلك أكثر من 31 في المائة من مركبات الإيثر في الولايات المتحدة، وأن 85 في المائة من الإنتاج الأمريكي لهذه المركبات تنتجه ولاية تكساس، التي إلى الآن لم تحظر هذه المواد، ما يعني أن صنّاعها في تكساس استطاعوا أن يحموا صناعتهم على الأقل إلى الآن.
أما بالنسبة للمملكة فهي تعتبر ثاني أكبر منتج لمادة MTBE في العالم بعد الولايات المتحدة، وتعتبر أكبر مصدَر له. ولا شك أن التوسعات في هذه الصناعة قد توقفت تقريباً. فمثلاً كان هناك خطة لإقامة مشروع لإنتاج 900 ألف برميل MTBE سنوياً بقيمة 400 مليون دولار، إلا أن هذا المشروع لن يرى النور بسبب الجدل الدائر حول هذه المادة.
وعلى الشركات الكبرى أيضا أن تعمل بجهد لحماية صناعتها هذه، وذلك بالقيام بالعديد من البحوث العلمية والصحية وتمويلها. فمثلاً إجراء أبحاث لتطوير مواد حديثة لصناعة خزانات الجازولين، حيث تستطيع منع مركبات الإيثر من النفاذ والهروب إلى مصادر المياه الجوفية، والبت أيضاً في دراسة وتطوير طلاءات أو دهانات معينة لطلاء الخزانات، ما قد يساعد على منع عملية التسرب.
ومن المهم جداً أن يكون هناك تعاون بين صنّاع مركبات الإيثر الرافعة لرقم الأوكتان وصناعة تكرير النفط، حيث ينتج الجازولين لعمل مقاييس وإجراءات وقائية تتبع في جميع المدن. فمثلاً لا بد من فحص خزانات الوقود بشكل دوري والتأكد من سلامتها، وسنّ قوانين سلامة حتى نحافظ على صناعاتنا وبيئتنا.
ولعله من المناسب التفكير الجدي في إنشاء هيئة رقابية مستقلة عن شركات النفط، حيث ينتج الجازولين، وعن الشركات البتروكيماوية حيث تنتج مركبات الإيثر، وأن تعنى هذه الهيئة بشؤون ومواصفات المحروقات من جازولين وديزل وغيره. فكما هو معلوم أن مواصفات هذه المواد ديناميكية الطبيعة، وتتغير بين فترة وأخرى، ولكل بلد مواصفاتها الخاصة بها التي تتماشى مع طبيعتها وظروفها، وبالتالي تركز هذه الهيئة تحديداً على أي مادة قبل أن تبدأ بتشكيل أي خطر على بيئتنا في المملكة، ويكون من واجب هذه الهيئة الرقابية التشريعية سن قوانين ولوائح لمنع تسرب هذه المواد، سواء عن طريق عوادم وسائل النقل المختلفة أو عن طريق مداخن المصانع ومتابعة هذه الإجراءات وضمان تطبيقها.
* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران