في الطريق إلى التحرر من الاعتماد على الغاز الروسي

في الطريق إلى التحرر من الاعتماد على الغاز الروسي

ما من دولة في أوروبا تعتمد اعتمادا كبيرا على الغاز الروسي مثل المجر التي تستورد ما يقرب من 80 في المائة من احتياجاتها السنوية البالغة 14 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من موسكو. هذا الاعتماد القوي كان له مذاق مرير على الاقتصاد المجري الصغير لاسيما مع بدء عام 2007 حيث انخفض في بعض الأحيان تدفق الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى المجر بنسبة 25 في المائة. فكما هو الوضع حاليا في قضية النفط بين الدولتين روسيا وروسيا البيضاء (بيلاروسيا)، فقد نشبت في ذلك الوقت أيضا خلافات بين روسيا وأوكرانيا حول الأسعار. من تلك الأزمات اتخذت المجر الإجراءات اللازمة: فالدولة ستبني خزان غاز استراتيجيا خاصا بها. مثل هذه المبادرات ظهرت أيضا في دول أخرى من المنطقة، ففي النمسا ينبغي خلال هذا العام أن يتم الانتهاء من بناء خزان غاز جديد، تبلغ سعته 2.4 مليار متر مكعب. وسيعادل حجم الخزان الجديد حجم جميع خزانات الغاز الموجودة حاليـا في النمسا مجتمعة.
من جانبهم، أجمع خبراء على أن بناء مزيد من الخزانات لن يُغني عن استيراد الغاز الطبيعي من روسيا إلى منطقة الاتحاد الأوروبي. لكن وحسب آراء رجال السياسة والشركات والمستهلكين، أصبحت خزانات الغاز لغاية المحافظة على مستوى التزويد، تكسب وزنا مهما نظرا لانعدام الثقة المتزايد في روسيا. وحصلت شركة النفط والغاز الطبيعي الضخمة مول (Mol) في مطلع العام الحالي على عطاء بناء خزان الغاز الجديد والذي تبلغ سعته 1.2 مليار متر مكعب في المجر. و من حيث قيمتها السوقية المقدرة بنحو 8.5 مليار يورو تعتبر المجموعة (مول) أكبر شركة هنغارية مساهمة. في المقابل، تمتلك شركة أيون فولد غاز - وهي شركة فرعية من مجموعة الشركات الألمانية أيون - خزانات الغاز الخمسة الأكثر أهمية الموجودة في المجر والتي يبلغ حجمها جميعا 3.5 مليار متر مكعب. وكانت (يون روهر غاز) الألمانية قد اشترت من المجموعة المجرية (مول) قبل بضعة أعوام قطاع أعمال الخزانات. وكانت أيون قد قدمت عطاء في المجر من أجل بناء الخزان الجديد، ولكنها خسرت الصفقة بسبب خطتها لتوسعة خزانات الغاز القائمة حاليا. في الوقت نفسه، تعود مجموعة (مول) إلى قطاع أعمال بناء خزانات الغاز بحصولها على عطاء يقتضي بموجبه أن تقوم حتى عام 2010 ببناء خزان جديد بتكلفة 600 مليون يورو. هذا وتمتلك الحكومة المجرية أسهما في مجموعة (مول) مما يضمن لها حقا في التصويت. وبالإضافة إلى ذلك تمتلك وكالة التخصيص أيه في بي (AVP) نحو 2 في المائة تقريبا من أسهم مجموعة الطاقة.
في الواقع، تعتبر المجر من أكثر الدول انفتاحا على الاستثمارات الدولية. ولكن من المحتمل أن اعتماد المجر على روسيا، والذي مازال لغاية اليوم كبيرا، أدرك رجال السياسة في المجر أن المصالح الإقليمية الأوروبية فيما يتعلق بشؤون اقتصاد الطاقة ينبغي أن تُتبع أولا، ومن ثم تأتي المصالح الدولية. وهكذا، يشير وزير الاقتصاد صاحب التوجهات الليبرالية يانوس كوكا إلى أن صربيا لا تمتلك لغاية الآن أي خزانات غاز احتياطية - ومن الممكن أن تصبح المجر ملتقى الغاز بالنسبة للمنطقة. بيد أنه في هذا الموضوع قد يفشل بسبب الإسراف في استهلاك الطاقة في المجر، كما في العديد من دول شرق أوروبا، حيث إن المجر تعتبر بعد هولندا ثاني أعلى دولة في الاتحاد الأوروبي من ناحية معدل استهلاك الطاقة للفرد الواحد.
في هذه الأثناء يبذل أيضا وزير الاقتصاد كوكا جهوده في الكشف عن طرق جديدة لتزويد المجر بالغاز الطبيعي. غير أن الجهود كافة نادرا ما تتحقق من دون روسيا. فمحتكر الطاقة في روسيا، مجموعة غاز بروم، تتمتع بعلاقات جيدة مع المجموعة المجرية (مول). من هذا المنطلق تعتزم (غاز بروم) و(مول) سوية توسعة خط أنابيب البحر الأسود المزمع تحديده والذي يربط بين تركيا وروسيا. وفي الوقت الحالي ينتهي خط الأنابيب - الذي ابتدأ العمل فيه في عام 2003 - في تركيا. هذا ويذكر حسب تصريحات سابقة أنه سيتم تمديد خط الأنابيب بتكلفة خمسة مليارات يورو حتى إيطاليا.

الأكثر قراءة