الغش والتعليم

[email protected]

دراسة نشرت أخيرا في جريدتنا "الاقتصادية" تبحث عن الغش في المدارس، وكان عدد الذين تمت الدراسة عليهم يتجاوز 1115 طالبا تقريبا، وخلاصة هذه الدراسة أن أكثر من 70 في المائة من الذين خضعوا للدراسة يمارسون الغش في المدارس، وهذا تم على الطلاب وليس الطالبات التي لا أتصور أن تبتعد عن الطلاب، هذا الغش الذي يتم بهذه الطريقة، بمعنى أننا نتحدث عن أكثر من 70 في المائة، وقد يكون البقية 30 في المائة، مؤمنين بعدم جدوى الغش أو أنهم يتبعون هذه الوسيلة للنجاح، وأيضا قد يكون الآخرون لم يقولوا كل الحقيقة، ولكن أريد التركيز على من قالوا الحقيقة وشجاعتهم بتصريحهم أنهم يغشون ولن يترددوا في ممارسة الغش، السؤال لماذا نحن وصلنا لهذه الدرجة من القناعة بأن ننجح أو ينجح طلابنا وطالباتنا بالغش، ناهيك عن مستوى المناهج وأسلوب التعليم الذي لا يحتاج للغش كثيرا بحكم أننا مازلنا نتعلم بطريقة الحفظ والتلقين، وليس التحليل والاستنتاج وتحرك عقل كل طالب، بل احفظ " وأنت ساكت " لكي تنجح، فأصبح النجاح هو الهدف النهائي وليس العلم الذي يتم البناء عليه بتوسيع القدرات والتفكير والتحليل وغيرها. لماذا وصلنا لهذه القناعة بأن نمارس الغش لينجح طلابنا ؟ هل المشكلة في البيت والتربية؟، هل المشكلة في المناهج ذات الوزن الثقيل والحجم الكبير؟ ضعف الرقابة والأنظمة والقوانين في التعليم لدينا؟ تقديري الشخصي هي كل ذلك، لأن الحفظ والتلقين فرض الحفظ وحين يفرض الحفظ، يعني أن ننسخ المناهج في العقول، ولكن حين يكون الأسلوب بطريقة تشغيل العقول والتحليل والاستنتاج والفهم فماذا يغش؟ لا أغفل عن المدرس الذي يسرح لا يراقب، أو يحاول التخلص من الطالب لينجح للمرحلة التالية ويقدم له يد العون بطريقة أو بأخرى، المهم أن ينجح الطالب والطالبة، السؤال لماذا ينجح من فرض هذه الفرضية وهو لا يستحق ؟ ومن سمح له بالغش مع وسائل الحديث من جوال ووسائط ومسجل وغيرها، في غياب من المدرس وغياب العقوبات والأنظمة، الدراسة أظهرت ظاهرة خطيرة جدا لا يجب السكوت عنها متى استمرت بهذه المنهجية.
كأنه لا يكفي أن مخرجات التعليم لدينا لا تواكب الحاجة الاقتصادية والوطنية، ولا أن يجيد اللغة الأجنبية بعد تخرجه في الجامعة، ليظهر لنا الآن الغش أن يمارس بهذه النسبة العالية جدا، نحن نغش الوطن بهذا الحدث، نحن نهدر أموال الوطن بهذه الممارسات التي تتم بالتعليم، وأحمل كل الجهات في التعليم من المنهج للمعلم لإدارة المدرسة، للأنظمة للقوانين وغيرها، نحن نهدر أموال الدولة وثروة الوطن المالية والبشرية، لأننا نخرج طلابا غشاشين، طلابا لا يخدمون وطنهم لأنهم يحملون شهادات موقعة " متخرج " ولكن عقلية غير ناضجة علميا، أقرب مثال يمكن أن نشاهده، طلابنا وطالباتنا يدرسون المرحلة المتوسطة 3 سنوات لغة إنجليزية، والثانوي 3 سنوات، بمعنى 6 سنوات على الأقل، ولو سألت أحدهم عن الفرق بين حرفي a وe، لما فرق بينهما، أو طلبت منه جملتين صحيحتين لما استطاع، إذا من المسؤول ؟ الكل مسئول بلا استثناء؟ ولكن كيف ينجح هؤلاء الطلاب والطالبات، نحن نضحك على أنفسنا ونغش وطننا ونهدر أموالنا وأموال الدولة التي تضخ مليارات المليارات في التعليم، ولكن في النهاية غشاشون .
هذه مسؤولية مجتمع ككل، مسؤولية وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وكل جهة رسمية تعليمية، مسؤولية العلماء، مسؤولية كل مواطن، التعليم لا مجال للعبث به، ولا مجال لكي يكون مجالا للغش فنحن نضر أنفسنا ووطننا ومسؤوليتنا. حقيقة التعليم لدينا محل نظر من باب المدرسة لمدير الجامعة وحتى الوزير نفسه، لماذا هذا الذي يحدث من إخفاق في مخرجات التعليم، حتى إن دولا أقل كثيرا اقتصاديا ودخلا حين يذهب هذا الأجنبي لوطنه ويحمل شهادة ثانوية سعودية يخفض درجة مقارنة بتعليم بلده فهو يحتاج إلى دراسة إضافية، لأن تعليمنا أقل، هذه تصنيفهم وهم دول أقل اقتصاديا، فماذا عن أوروبا وأمريكا؟! طبعا تحدثت عن الغش بين الطلاب، ولم أتحدث عن تسرب الأسئلة التي نحفل بها كل سنة، التعليم لدينا محل نظر وسؤال كبير ومسؤولية الوزارات ذات العلاقة والوطن في ذمتهم .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي