هل ستتجمد ألمانيـا في حالة انقطاع الغاز الروسي؟

هل ستتجمد ألمانيـا في حالة انقطاع الغاز الروسي؟

ـ ألمانيا تستورد ثلث حاجتها من الغاز الطبيعي من روسيا من الشركة الحكومية "غازبروم" (Gasprom). وإذا أوقف الروس الإمدادات، تستطيع ألمانيا أن تلجأ إلى احتياطاتها من الغاز الطبيعي لمدة تتراوح ما بين 60 إلى 90 يومـا. حيث إن الخزّانات الاحتياطية مملوءة تماما في الوقت الحالي، بعد أن مرّت أوقات دافئة نوعا ما في ألمانيا. بعد ذلك سيصبح الوضع حرجا، حيث إن بعض المزودين الآخرين لا يمتلكون حاجتهم الكافية من الغاز الطبيعي. من جهـة أخرى تتجه كل الآمال نحو النرويج، التي تغطي حاليا ربع الاحتياجات الألمانية.

هل ستوقف الآن غازبروم إمدادات الغاز الطبيعي ؟

ـ كلا. حتى في أبرد المراحل من مراحل الحرب الباردة بقيت روسيا تزوّد ألمانيا بالغاز الطبيعي. المشكلات تنشأ دائما، عندما تختلف "غازبروم" مع الدول التي تمر فيها خطوط وأنابيب النقل التي تغذي أوروبا بالغاز الطبيعي الروسي. ففي العام الماضي مرت روسيا بخلافات مع أوكرانيا، وفي هذا العام مع روسيا البيضاء (بيلاروسيا). وتهدد الأخيرة باعتراض أنابيب النقل، إذا لم يتم التوصل مع غازبروم إلى اتفاقية حول تزويد روسيا البيضاء بالغاز الطبيعي. وإذا تم الاعتراض فعلا، حينها قد تقل إمدادات الغاز الطبيعي إلى ألمانيا، ولكن لفترة قصيرة فقط، حيث إن نسبة كمية الغاز الطبيعي الروسي التي تمر عبر روسيا البيضاء إلى أوروبا لا تتجاوز 20 في المائة، فيما تتدفق البقية، 80 في المائة عبر أوكرانيا.

ـ. هل ستبقى "غازبروم" مورّدا للطاقة يعتمد عليه على المدى الطويل ؟

هذه النقطة قد تكون موضع شك. ولكن الخبر الجيد هو أن شركتي تزويد الطاقة الألمانية، فنترشال (Wintershall)، وهي شركة فرعية من مجموعة الصناعات الكيميائية العملاقة "باسف" (BASF)، و"ايون" (Eon)، ضمنتا لنفسيهما عقود توريد طويلة الأمد، تمتد لغاية عام 2030 وأكثر. كما أن خطوط النقل المارة عبر بحر الشرق إلى ألمانيا تزيد من ضمان تزويد ألمانيا بالطاقة. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر ألمانيا في الوقت الحالي أهم زبون لدى الشركة الروسية الحكومية "غازبروم" الذي لا يمكن التفريط فيه على الإطلاق. لكن وبلا شك يوجد هنالك دواع سياسية واقتصادية تثير الشك في مصداقية غازبروم. فالرئيس الحقيقي للشركة هو الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين". وأهدافه مع الشركة "غازبروم" متنوعـة: فمن جهة، يسعى بوتين إلى تحقيق أرباح ضخمة مع الشركة حتى يتمكن من تحويل مبالغ الضرائب وأرباح الأسهم. وعلاوة على ذلك، ينبغي على الشركة أن تزود الشعب الروسي بالغاز الطبيعي بأسعار رخيصة، وهذا يعني في العادة بأسعار ما دون تكلفة الإنتاج، وذلك حتى يتفادى وقوع أزمات اجتماعية داخل البلاد. وكذلك، يجب على غازبروم أن تشتري شركات من خارج قطاع الاختصاص، إذا كان ذلك حسب رغبة الرئيس بوتين؛ على سبيل المثال شركات الإعلام غير المرغوبة. في النهاية، تبدو الشركة الروسية وكأنها أداة في يد الحكومة الروسية من أجل تضييق الخناق سياسيا حول الدول المجاورة. حيث إن استعداد الحكومة في موسكو لاستخدام شركة تزويد الطاقة كسلاح ذي حدين، قد يشكل أيضا خطرا على ألمانيـا، وبالأخص عندما تعارض الأخيرة مسايرة الحكومة الروسية في بعض المسائل السياسية المهمة. وأما ما يشكل من الناحية الاقتصادية مشكلة، هو أن "غازبروم" تستثمر في النواحي السياسية أكثر من الاستثمار في تحسين عمليات تنقيب واستخراج الغاز الطبيعي. فعلى الرغم من أن الشركة تتربع على أكبر حقل غاز طبيعي في العالم، إلا أن الشكوك تتزايد حول مقدرة ومدى استقلالية مجلس إدارة "غازبروم" في استخراج الثروات المعدنية بصورة متواصلة وفعالة في الأداء.

. كيف تستطيع ألمانيا أن تضمن استقلاليتها عن إمدادات الغاز الطبيعي القادمة من روسيـا ؟

ـ الجواب الذي يطرأ من الوهلة الأولى هو: البحث عن موردّين جدد. وهذا ليس بالأمر السهل كما هو مُتصور، فهؤلاء الذين يورّدون لغاية الآن الكثير من الغاز الطبيعي، يعانون أنفسهم من قلة المخزون. إلا النرويج، فهي في الوقت الحالي المورّد الوحيد الذي يمتلك احتياطات إضافية من الغاز الطبيعي، ولكن في نفس الوقت يتنافس عليها الكثير من الزبائن، منهم على سبيل المثال بريطانيـا التي بدأ مخزونها يتلاشى تدريجيا. ولا تتسع دائرة الموردين الحيويين إلا إذا أصبحت مخططات تمديد أنابيب نقل عبر البحر الأبيض المتوسط وإلى أوروبا الشرقية حقيقة واقعيـة. وأولا وأخيرا، سيخفف الغاز الطبيعي المسال من الاعتماد على خطوط الغاز الروسية. وحاليا، تقوم ألمانيا ببناء ميناء على الساحل لاستقبال وتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى الحالة الغازية. ومن المعروف أن الغاز في الحالة الفيزيائية السائلة يُمكن نقْله عن طريق السفن - بيد أن المنافسة حول غاز الطبيعي المسال كبيرة جدا.

. إذاً، لماذا لا نحرق كميات أكثر من الفحم الحجري بدلا من الغاز الطبيعي ؟

ـ العائق في استخدام الفحم الحجري الألماني كمصدر للطاقة هي مسألة السعر. وحتى مع أكثر التوقعات تفاؤلا تبقى تكلفة استخراج الفحم الحجري في ألمانيا أغلى من تكلفة الاستخراج في أغلبية دول العالم الأخرى، حيث إن الفحم الحجري في ألمانيا يوجد في أعماق باطن الأرض. وإجمالا، ما يمنع من حرق الفحم الحجري كمصدر للطاقة هي اتفاقية "كيوتو"، حيث إن محطات توليد الطاقة بالفحم الحجري تطلق كميات أكثر من غاز ثاني أكسيد الكربون مقارنة بمحطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي. ولكن ألمانيا كانت قد وعدت بتقليل كمية الغازات المنبعثة، وتجد حاليا صعوبات في الالتزام بهذا الوعد.

. وماذا عن الشمس ؟

ـ حتى مع أفضل التكهنات وأكثرها تفاؤلا لا يمكن للشمس والرياح والماء أن تحل محل الغاز الطبيعي كمصدر بديل للطاقة خلال العشرين عاما القادمة.

. وماذا عن الطاقة النوويـة ؟

ـ الميزة التي تتمتع بها الطاقة النووية هي أنها أثناء عمليات الإنتاج لا تولد كثيرا من غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي ينبعث إلى الهواء الجوي، مما يسهل تحقيق أهداف اتفاقية "كيوتو". كما أن المادة الأولية المستخدمة، وهي "اليورانيوم"، تتمتع بمدى طويل. إلا أن العائق في تطوير هذه التكنولوجيا ومصادرها هو أن شركات تزويد الطاقة الألمانية والحكومة الألمانية تعهدت إلزاميا بعدم الاشتراك في استغلال الطاقة النووية كمصدر بديل. وتبعا لذلك، بدأت جميع محطات الطاقة النووية في ألمانيا تنقرض شيئا فشيئا، على الرغم من أنها لا تزال تتمتع بحالة اقتصادية وتقنية ممتازة، وقادرة على الإنتاج لمدة أطول. السياسة هي التي تحتم على ألمانيا هذا الاعتماد المتزايد بصورة تراجيدية على استيراد الغاز الطبيعي من الخارج، فمحطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي يجب أن تعوض كميات الطاقة الكهربائية التي ستفقد مع فقدان محطات التوليد بالطاقة النووية. وفي المقارنة، تتجاوب دول أخرى مع قضية اضمحلال مصادر الطاقة الطبيعية بصورة منعكسة عن ألمانيـا: ففي بريطانيا أعلن أخيرا توني بلير رئيس الوزراء عن بناء محطة جديدة لتوليد الطاقة النووية في إنجلترا، من أجل تفادي الوقوع في أزمات توفير الطاقة اللازمة. وأما فنلندا، فهي تعمل حاليا في بناء محطة جديدة، فيما تفكر فرنسـا في مشروع بنـاء جديد.

. هل تستطيع ألمانيا استخراج كميات أكبر من الغاز الطبيعي من أراضيهـا ؟

ـ الاستخراج المحلي يشكل 18 في المائة من الاستهلاك الألماني للغاز الطبيعي. وفي الواقع، تخوض ألمانيا في الوقت الحالي، محاولات لاستخراج كميات أكبر من الغاز الطبيعي من الحقول القديمة المعروفة باستخدام تقنيات أكثر تطورا.

الأكثر قراءة