"خمسون": مناقلة بين التطرف والحكومة على خشبة المسرح التونسي

"خمسون": مناقلة بين التطرف والحكومة على خشبة المسرح التونسي

انتزعت مسرحية تونسية عرضت ليل الجمعة لأول مرة في العاصمة تونس، إعجاب المتفرجين والنقاد على حد سواء لطرحها قضية ظهور ما يعرف بالتطرف الإسلامي في تونس بجرأة غير مألوفة في الأعمال الفنية في البلاد.
وتؤرخ مسرحية "خمسون" للمخرج الفاضل الجعايبي لـ 50 عاما من استقلال فرنسا وتنبش المسرحية في حقبات زمنية مختلفة منذ استقلال البلاد عام 1956 من بينها طرق معالجة زحف الفكر المتطرف. وتدفق على المسرح البلدي في العاصمة مئات المتفرجين من بينهم شخصيات من أنصار الدفاع عن حقوق الإنسان لحضور العرض الأول لمسرحية "خمسون"، بعد انتظار دام أشهرا بسبب مطالبة وزارة الثقافة بتعديل أجزاء منها قبل أن تسمح بعرضها. ويتزامن العرض الأول للمسرحية في تونس مع تزايد الجدل حول أساليب مقاومة زحف ما يعرف بالتطرف الإسلامي بعد اندلاع مواجهات مسلحة بين الأمن التونسي وعناصر جماعة في ضواحي العاصمة خلال الشهر الماضي لأول مرة منذ عقود. تبدأ المسرحية التي استغرق عرضها ساعتين وأربعين دقيقة بمشهد لأستاذة محجبة تفجر نفسها وسط ساحة المعهد لتنطلق بعدها التحقيقات البوليسية التي تستعمل خلالها كل وسائل التعذيب الممكنة لاستنطاق المتهمين، وخلال مراحل البحث البوليسي تظهر عدة شخصيات ترمز للعلمانية وللحركة النقابية والحقوقية وكذلك البلطجية الذين يستخدمهم النظام للتنكيل بمعارضي الحكومة.
تتعرض المسرحية بالنقد اللاذع لسياسة التطبيل التي ينتهجها مؤيدو الحكومة الذين صعدوا على المسرح مرددين "اللهم احم هذا البلد الآمن والجميل والمستقر الذي يطيب العيش فيه والذي تتاح فيه كل الحريات والحقوق ويعلو
فيه القانون على الجميع". وقال الناقد خماس الخياطي : "المسرحية رائعة لسببين أولهما أن المخرج لا يتهم من تلبس الحجاب إلا إذا كان الدافع سياسيا أو تخريبيا، وثانيهما، تركيزه على المعالجة الأمنية السيئة وهذا أمر يحسب له وغير مسبوق".
تتلخص أحداث المسرحية في عودة أمل إلى تونس من باريس حيث طاب لها الحلم الإسلامي وانتقلت بذلك من الفكر الماركسي الذي ورثته عن والديها المناضلين اليساريين إلى الفكر الإسلامي. وتجد أمل نفسها متورطة في قضية تفجير قامت بها صديقتها جودة الأستاذة، تحدث هذه الفاجعة اضطرابا في كامل البلاد محركة بذلك آليات مقاومة الإرهاب البوليسية وواضعة وجها لوجه النظام السياسي الصارم والديمقراطيين المغلوبين على أمرهم والإسلاميين المتشددين والمواطنين الراضخين وغير المبالين.
ولم تنس مؤلفة المسرحية الممثلة الشهيرة جليلة بكار أن توجه سهام نقدها إلى ضعف الأداء الإعلامي الحكومي وتخص التلفزيون الحكومي بهذا النقد. ويظهر مشهد من المسرحية نشرة إخبارية في التلفزيون الحكومي التونسي تذيع نبأ التفجير الإرهابي بعد ثلاثة أيام من الحادث وتقول "والتحقيقات لا تزال جارية في كنف القانون". لكن مخرج المسرحية لم يرجع تنامي ظاهرة التطرف الإسلامي إلى تقلص الحريات فحسب، بل أيضا إلى احتلال أراض عربية مثل العراق وفلسطين حيث تقول إحدى الممثلات "أمل لم تتحول إلى متطرفة لو لم يزر شارون الحرم القدسي". وتذكر في المسرحية عدة حركات إسلامية في العالم العربي مثل: "الإخوان المسلمون"، "طالبان" و"جماعة أبو مصعب الزرقاوي" الذي قتل العام الماضي في غارة أمريكية. ووقف المتفرجون مصفقين لتحية الممثلين عند نهاية العرض تعبيرا عن إعجابهم بجرأة هذا العمل.

الأكثر قراءة