لماذا لا ندون الشعر المحكي؟

لماذا لا ندون الشعر المحكي؟

يعتبر الشعر المحكي النموذج الأقدر على الصمود أطول فترة ممكنة في الذاكرة، لأنه الأكثر استخداما في تفاعلات المجتمع المتعددة، كذلك لشحناته الموسيقية الأقدر على البقاء في الذاكرة، إلا أن هذه الذاكرة ومساءلتها عن هذا الخزين الهائل من التجارب الإنسانية يعد صعبا، لأن هذا الوعاء غير قادر على حماية المعلومة من النسيان أو التلاشي بمجرد موت حامل الوعاء، وبالتالي ضياع أشياء كثيرة ومهمة من صدور الرجال والنساء صاحبات هذا النتاج المحكي، ولأن الشعر والمثل والحكمة هي النموذج الأسرع انتقالا بين الناس، فإن الاعتماد عليه كمرجع وكمادة لدراسة هذا النوع من البشر سهل، لكنه لا يخلو من صعوبة إذا اعتمدنا على التعميم.
من المعلوم أن للشعر المحكي تيارات وأنواعا وأجناسا تتفرع منه، ولا يمكن رصدها وتدوينها بهذه السهولة، من هذا المنطلق فلنعد الجزء المهمل من الثقافة الشفهية (المحكية) أو غير المدونة، ولنتوقف عند نماذج ورموز من هذه الثقافة، لأننا لا نستطيع رصد يومياتها بشكل كامل، ولعل الوقوف على موضوع الشعر الشعبي هو الأنسب لأنه حيوي بالنسبة للمتلقي، ويمنح الكثير من المعلومات عن الإنسان، رغم أن بعض أصحاب هذا النتاج أميون، إضافة إلى تدني عنصر الاهتمام وقصور الوعي التوثيقي للمخزون الثقافي، لذا فإنه معرض للفقدان وعدم القدرة على الصمود أمام التيارات الثقافية الأخرى، كما أحب أن أشير إلى نقطة مهمة في هذا الموضوع، وهي قلة المنظرين والمهتمين بالتدوين لهذا النوع، ما دفع الكثيرين إلى التقليل من قيمته والاستهانة بأبرز شخوصه ومفكريه، رغم أهميته الفنية والجمالية والمعرفية، ورغم المستوى الراقي من الفكر المحكي الذي أنتجته عقولهم، وتفتقت عنه أذهانهم المبدعة.
لا شك أنها مفارقة عجيبة هذه التي تضع الأشياء في غير محلها، فيكون هناك المنتج الثقافي الجميل، ولا نهتم بتدوينه، فيم يتم تدوين الفروع الأخرى باهتمام وحرص كبيرين لأن هؤلاء لم يستطيعوا رؤية هذا الجمال الظاهر من اللهجة المحكية، ومن شعرها الذي يتميز بمميزات كثيرة عن غيره.

الأكثر قراءة