قبل 50عاما: حتى إزعاج الإبل بمنبه السيارة يعد مخالفة مرورية
بين كومة من الأوراق القديمة، التي مر على بعضها أكثر من نصف قرن، وجد "خضر" رخصة قيادة السيارة التي بانت عليها عوامل التعرية والتلف، ومع توقعنا بأن تكون "رخصنا" الحديثة أكثر تقدما من تلك التي كانت في الماضي، مثلها مثل عشرات الأشياء التي تتطور مع تقدم الزمن، إلا أنناجدنا أنها كانت هي المتقدمة علينا بمراحل.
نعم لقد كانت رخصة قيادة السيارة في السعودية قبل 50 عاما، إنسانية إلى درجة أن ينال حاملها عقوبة مقدارها 55 قرشا، أو يسجن أربعة أيام، لمجرد أنه رأى سيارة معطلة على الطريق ولم يخبر الشرطة لمساعدتها، أو في حال إفزاعه الإبل المارة في الطريق بمنبه سيارته المزعج، وهذا فقط لمن كانت هذه المرة الأولى له التي يقوم فيها بمثل هذه المخالفة.
في المقابل "يمنع رهنها منعا باتا" فقط، هذا ما تقوله لنا رخصة قيادة السيارة في هذا الزمان، الذي أصبحت الماديات عنوانه الرئيس، فمع مرور الزمن وتكاثر السيارات وحاملي الرخص، تداعت الكثير من القيم الجميلة والتعليمات الرائعة من على خلفيات "الرخصة".
إن لمحة سريعة على الرخصة القديمة والتعليمات المرفقة بها، تشعرك أن قيادة السيارة كانت تحملك مسؤوليات اجتماعية وإنسانية نبيلة للغاية، فقد حوت إلى جانب التعليمات العامة والمتعلقة بالسير بتوازن في الطريق، وعدد من التعليمات الأخرى، دليلا إرشاديا رائعا، فهاهي تطلب منك عدم التجاوز في حال كان الطريق ضيقا، وتنبهك إلى عدم السماح لأحد بالركوب على أجنحة السيارة، أو نقل أشخاص بأكثر من العدد المقرر.
وحذرت الرخصة في أسلوب تذكيري وتوكيدي من أكثر المخالفات شيوعا في ذاك الزمن، الذي لم يكن التفحيط مدرجا في سلوك قائدي السيارات، كما لم يكن قطع الإشارة ممكنا في مدن وقرى تكاد تخلو منها الإشارات المرورية، فنجدها تنادي في قائمة العقوبات بعدم السير دون أنوار خلفية أو بنور أمامي واحد، وهذا دليل على أن تلك المخالفتين من المسببات الرئيسة لحوادث الزمن الماضي.
وفي صورة أخرى من البساطة تقول "الرخصة القديمة" قلم المرور يراقب سيرك فانتبه، وتصف بالشكل أربع إشارات يستخدمها رجل المرور في التقاطعات الرئيسة داخل المدينة، إذ تشير الحركات إلى الاتجاهات المختلفة التي يحق للسيارات التحرك أو التوقف عند رؤيتها.
إن احتواء الرخصة القديمة على أكثر من 14 بندا للمخالفات، وتشديدها على أهمية عدم القيام بها، إلى جانب بعض التعليمات المرورية وبالصورة، جعلت حامليها يشعرون بأهميتها وضرورة التقيد بما ورد فيها، كما أنها جعلت من تلك الرخصة مفكرة تعمل على حث صاحبها على فعل الخير وتحمل المسؤوليات، وأنه قد يتعرض للعقاب حتى ولو كانت المهمة إنسانية.
بقي أن نعلم أن عقوبة السجن في الزمن الغابر حتى ولو مروريا، كانت من وصمات العار التي لا يغفرها لك أهل الحي أو الأسرة، فيكفي أنك كنت في "السجن"، كما أن عقوبة الـ55 قرشا كانت تعادل ما قد يصل إلى مئات الريالات في يومنا هذا.