"التجاوز" .. نظام يعتبر الراسب ناجحا والتربويون يتضجرون

"التجاوز" .. نظام يعتبر الراسب ناجحا والتربويون يتضجرون

تتطور الأمم بالعلوم والمعارف وتتقدم بقدرتها على فرض أنظمة وقوانين تعليمية كفيلة بضخ العبقرية التكنولوجية للعقول السليمة وبناء أبنائها بناء شامخا صامدا قادرا على خدمة المجتمع والنهوض به أمام مختلف التيارات.. فتتصارع الأمم لمسابقة الزمن في التأسيس والبناء. بينما تتدخل أنظمتنا التعليمية في إضعاف البنية التعليمية لطلابنا في جميع المراحل عن طريق دخول ما يسمى نظام التجاوز في مادة أو مادتين لا يحقق فيها الطالب سوى جزء هامشي ويسير من أهدافها.
في السابق كان التعليم لدينا أشد جأشا ورباطة فبزغ لدينا الكثير من العباقرة في الطب، الهندسة، وغيرها من العلوم، ولكن وبفعل الأنظمة التي أحدثتها وزارة التربية والتعليم أخيرا ظهر الضعف في عقول الطلاب ودب فيها الخمول والتكاسل والاتكالية على هذه الأنظمة ومغافلة الطالب بكتابة كلمة (ناجح) وهو لم يحقق الدرجة الحقيقية في ذلك أي تنجيحه بنظام يسمى "التجاوز".
"الاقتصادية" إيمانا منها بأهمية البناء للطالب بما يواكب العصر الحديث نتناقش قضايا الأنظمة الحديثة لإبراز كوامنها وتستهلها اليوم بحلقة خاصة عن نظام (الاجتياز في المواد الدراسية). إلى المحصلة:

يؤكد الدكتور محمد شحات الخطيب مدير عام مدارس الملك فيصل الأهلية وعميد كلية التربية في جامعة الملك سعود سابقا أن هناك أفكارا جديدة يمكن أن يطلق عليها أنها جيدة، ولكن ليس كل فكرة جيدة تصلح لكل مكان، فنظام التجاوز في المدارس في مادة أو مادتين دارسيتين هي جيدة كفكرة ومصلحة لبعض ا لطلاب الذين قد يكون لهم بعض الإشكاليات كالتزامات أسرية أو أنه يعول أسرته، أو لديه عمل آخر إضافة إلى كونه طالبا فهذه الفئة هم من يستفيدون من هذا النظام.
وأضاف: هؤلاء لا يمثلون إلا شريحة وهم قلة، وبالتالي يصبح نظام التجاوز جيدا في مثل حالاتهم، إلا أنه مراعاة لطلاب ينجحون وهم لا يستحقون النجاح.
وأبان، مفهوم النجاح الأكاديمي في أي مدرسة هو أكبر مما تتصوره النجاح ليس أن فلانا من الطلاب حقق درجة الاجتياز المطلوبة، النجاح أكبر بكثير من ذلك ولكننا للأسف ما زلنا نتبع طرقا للاجتياز، أيضا تصنيف المقررات، تقويم أداء الطلاب بشكل يجعل كل هذه الأمور سببا للإخفاق عند كثير من الطلاب مما يجعلهم ناجحين وهم لم يستوعبوا المقررات.
واسترسل، نظام التجاوز لا يعالج المشكلة من جذورها لكنه يعالج ظاهرها لمن لديه صعوبات كبيرة من الطلاب، ولكن مثل هذا النظام ربما تكون سلبياته الشخصية أكبر فقد يتعود الطالب الإهمال ومن ثم الرسوم حتى في ظل وجود هذه التسهيلات، ولذلك فنحن نواجه صعوبة في التقييم الحقيقي لمستوى الطالب، صحيح أنه نجح، ولكن هل استوعب الطالب الموضوع، غالبا، لا، فكيف نسمح له بالانتقال من صفه إلى صف دراسي أعلى وهو لم يحقق الفهم الحقيقي للمقرر.
وشدد الدكتور الخطيب على أن هذا الأمر قد يؤثر بشكل سلبي عندما ينتقل الطالب للجامعة فتواجهه مواقف أكثر صعوبة يصاب بها الطالب بإحباط وإشكالات عويصة قد تؤثر فيه بالرسوب المتكرر أو حتى التأخر في التخرج بسبب أن الطالب كان متعودا في دراسته السابقة على التجاوز وتيسير طرق النجاح.
واعتبر أي مادة يجب أن يحقق الطالب متطلباتها فهي عادة مرتبطة بأهداف وغايات يجب أن ينهيها الطالب وإلا فإن ثقافة التعلم لدينا تحتاج إلى إعادة نظر.
واستند إلى خبراته التعليمية والتربوية الطويلة بقوله: حسب خبراتي فإن المدارس المتميزة في العالم لا تطبق هذا النظام على الإطلاق لذا يجب علينا أن نستفيد من التجارب القوية في الساحة.
وأكد أنه ليس من المؤيدين ولا المعارضين، وقال: "أفكار كنظام التجاوز كنت أتمنى قبل أن تطبق أن تؤخذ بحذر وتدرس بشكل كاف وتستقرأ آراء عدد كبير من المختصين والخبراء في الداخل والخارج فالعالم قدموا تجارب متميزة وطوروا أساليب التقويم فلم يعد على أساس الدرجة التي حصل عليها الطالب وإنما تقييم نجاحه على ارتكازات اجتماعية، نفسية وحتى إنجاز الطالب للجوانب العملية التطبيقية وخدمة المجتمع.
واختتم الدكتور الخطيب حديثه: بقول: كثير من طلابنا للأسف لا يقدرون التعليم حق قدره أي أنه يتم بأي صورة وكيفما اتفق ويعطون تسهيلات تضرهم أكثر مما تنفعهم بينما ظروفهم التعليمية تتطلب رؤى أكثر دقة وشمولية.
كما تحدث في صلب الموضوع سليمان المحيميد مشرف تربوي قائلا: عملية الاجتياز للطالب في بعض المواد هو في الحقيقة يساعد الطالب على المدى القصير ولكنه لا يخدم الطالب على المدى البعيد فيرسب الطالب في سادس ابتدائي على سبيل المثال في مادة الرياضيات ويسمح له بالانتقال فيرسب في المادة نفسها في العام المقبل وهكذا تتكرر المشكلة وفي النهاية لا يستفيد الطالب ويستمر الضعف نفسه معه.
واستمر في حديثه مؤكدا أنه يجب وضع علاج على طول العام للقضاء على هذه المعضلة فلو سمح له بالتجاوز في الصف السادس تتم متابعته جيدا في الأول المتوسط في المادة نفسها للارتقاء به حتى لو تطلب الأمر أن ينقل مع طلاب آخرين متميزين وبالتالي نكون عالجنا المشكلة بشكل تربوي.
واقترح أن يسمح للطالب في التجاوز في مادة كالإنجليزي ويشترط في العام المقبل ألا تكون من المواد التي يتجاوزها الطالب نفسه ما لم يأت بدرجة النجاح الأساسية.
وحتى نصل إلى حقائق أكثر وضوحا عن مدى تأثير تطبيق مثل هذه الأنظمة على الطلاب طرحنا الموضوع على من هم أقرب للطلاب وظروفهم والتقينا ماجد الجفنان مدير مرحلة متوسطة وخرجنا بالآراء التالية:
طبيعي جدا أن نرى إهمالا من الطلاب بسبب تطبيق مثل هذه الأنظمة ففي أول أيام الامتحانات النهائية لمنتصف العام فوجئنا بمستويات منخفضة في مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية إضافة إلى أن الاستهتار والضحك واللامبالاة بدت على محياهم قبل الاختبار لضمانهم النجاح بمباركة من نظام التجاوز، فمتى حقق الطالب 70 في المائة من النهاية الصغرى التي هي 40 درجة بمعنى 28 من 100 فهو ناجح.
وأضاف: للأسف أن هذا النظام أدى إلى انعكاس سلبي على الطلاب وحتى على معلمي بعض المواد بسبب اللامبالاة من ثلة من الطلاب يعلمون أن النظام سيخدمهم وبالتالي واجهنا الكثير من الصعوبات في مثل هذه الأمور، فالنظام يجيز للطالب النجاح متى حقق درجة تعتبر ضئيلة وقد يحصل عليها من أعمال السنة.
وفي صلب الموضوع أكد خالد الضاحي مدير إحدى المدارس الثانوية شرق الرياض أن نظام التجاوز أضر الطالب أكثر مما نفعه فأصبحنا نشاهد اللامبالاة ووقفنا على ضعف في المخرجات عندما يكون لدى الطالب اهتمام بجانب وجانب آخر لا.
وأضاف: حتى على مستوى المدرسة المعلم يعاني جدا مع الطلاب ويواجه ضغطا كبيرا عندما يرد عليه الطالب: أنا ناجح ناجح! وهذه الأمور بدأت تظهر على كثير من الطلاب ويتساءل بعضهم لماذا أجتهد بما أن النظام يخدمني ويهمل هذه المادة أو تلك وبالتالي حتى عدد الطلاب المتفوقين بدأ ينخفض فيصبون اهتمامهم على المواد النجاح الرسوب فقط بينما يختارون ما يشاؤون من غيرها ليكون خطة الإهمال وباللغة العامية أصبح لدى طلابنا (تطنيش).
وواصل حديثه: أعتقد أنها لو ألغيت تكون أفضل حتى وزارة التربية أصبح توجهها نحو التقويم لإبعاد رهبة الامتحانات وهذا خدم الطلاب الضعاف وسهل لهم النجاح فكيف نرى درجة الطالب يستحق الرسوب وتقول له إنك (ناجح) بسبب النظام باختصار (كأننا نضحك على أنفسنا).
على الصعيد ذاته، قال راكان الفايزي طالب ثالث ثانوي، إن: نظام التجاوز جيد بالنسبة لطلاب أول ثانوي، مبينا: طلاب أول ثانوي لدى بعضهم ميول شرعية وتسبب لها المواد العلمية مشاكل كثيرة رغم أنه سيدخل في الصف الثاني ثانوي قسم شرعي أي لا يحتاج إلى مواد علمية.
أما الطالب عبد الله القاسم فيقول: بصراحة نظام التجاوز مع أنه يخدمنا في النجاح إلا أنه يساعدنا على التقاعس والكسل وعدم الاهتمام بالمواد العلمية، لافتا إلى أنه يرجو ألا يلغى النظام إلا بعد أن يتخرج من الثانوية.

الأكثر قراءة