السوق المالية الإسلامية الدولية (2 من 2 )

السوق المالية الإسلامية الدولية (2 من 2 )

لضبط التعامل في الأسواق المالية وتنظيمها تنشئ جميع الدول ما يسمى بالجهات الإشرافية وأحياناً يطلق على هذه الجهات "السوق المالية"، وقد تناولنا في العدد السابق أسباب وأهمية نشأة السوق المالية الإسلامية والأدوات المالية الإسلامية التي يتم استخدامها في السوق والتي تعمل وفق الضوابط الشرعية، وسنتعرف حاليا على واقع السوق المالية الإسلامية.

واقع السوق المالية الإسلامية
إن السوق الإسلامية حقيقة واقعة ويتزايد حجمها يوماً بعد يوم وتتعدد فيها الصكوك الإسلامية، وتمتد جغرافياً في جميع أنحاء العالم، حيث يتم التعامل في هذه الصكوك إصداراً في العديد من الدول، ويتم تداولها في العديد من البورصات العالمية وهذا ما سنتعرف عليه بإيجاز على سبيل المثال في الفقرات التالية:
أولاً: لقد بلغ حجم الأموال في السوق الإسلامية نحو 180 مليار دولار أمريكي رغم حداثة إنشائها، وتتنوع هذه الأموال بين إصدارات عديدة مثل صكوك الإجارة والسلم والاستصناع والمشاركة والمضاربة ويطلق عليها أحياناً في الأسواق العالمية السندات الإسلامية.
ثانياً: أمثلة على بعض الإصدارات التي تبين التنوع والامتداد الجغرافي لهذه السوق وتعامل المؤسسات التقليدية وغير المسلمين فيها ومن أهم هذه الأمثلة ما يلي:

أ – تعتبر ماليزيا من أوائل وأكبر الدول التي تنشط فيها السوق المالية الإسلامية حيث تمثل الإصدارات الإسلامية فيها أكثر من ثلثي الإصدارات الخاصة في سوقها المالي، إذ تبلغ نحو 2.8 مليار دولار وبدأت الإصدارات فيها منذ عام 1990م بإصدار صكوك إسلامية من قبل شركة نفط بمبلغ 500 مليون دولار، كما أصدرت شركة باوستهد القابضة في ماليزيا صكوك بمبلغ 1.3 مليار دولار لإنشاء محطة طاقة. ولقد كانت ماليزيا من أوائل الدول التي قامت بتنظيم التعامل بالإصدارات الإسلامية من خلال جهة رسمية أطلق عليها سوق المال الإسلامية الماليزية.
ب – بدأت حكومة البحرين التعامل بالصكوك الإسلامية بدءاً من عام 2001م حيث أصدرت منذ ذلك التاريخ وحتى الآن عشرة إصدارات لصكوك إجارة بلغ مجموعها 750 مليون دولار، هذا إلى جانب إصدار صكوك سلم بمبلغ 25 مليون دولار، ولا ننسى أن البحرين تمثل مركزاً مالياً إسلامياً عالمياً إضافة إلى إنشاء عدة مؤسسات مساندة للتمويل الإسلامي بشكل عام سبق ذكرها وكونها أيضاً مقراً للسوق المالية الإسلامية الدولية السابق الإشارة إليها.
جـ - كان البنك الإسلامي للتنمية – وهو بنك دولي يشارك في عضويته الدول الإسلامية أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي – من الجهات السباقة لإصدار صكوك إسلامية بلغت نحو 400 مليون دولار عام 2003م إلى جانب مشاركته كمدير في إصدار صكوك لقطر بمبلغ 600 مليون دولار، ويأتي ثاني إصدار له عام 2005م بمبلغ 500 مليون دولار.
د – باكستان من أوائل الدولة التي تعاملت في السوق المالية الإسلامية، حيث أصدرت الحكومة صكوكاً إسلامية بمبلغ 600 مليون دولار ونظراً للإقبال الشديد عليها وصل الاكتتاب فيها إلى مبلغ 1.2 مليار دولار.
هـ - في الإمارات عدة إصدارات إسلامية من أهمها إصدار لصالح شركة طيران الإمارات بمبلغ 500 مليون دولار، وفي عام 2006م قام بنك دبي الإسلامي بإصدار صكوك إجارة لصالح هيئة الطيران المدني في دبي لتطوير وتوسيع مطارها وبلغ حجم الإصدار 2.750 مليار درهم إماراتي (750 مليون دولار أمريكي) إضافة إلى إصدار صكوك بقيمة 25 مليون دولار لصالح وزارة الأوقاف لإعمار بعض ممتلكات الوقف.
و – في تركيا أصدرت عام 1984م صكوك مشاركة بمبلغ 200 مليون دولار لتمويل بناء جسر معلق على مضيق البوسفور كما أصدرت سندات إسلامية عام 2003م بقيمة 500 مليون دولار.
ز – في قطر بجانب الإصدار الذي يديره البنك الإسلامي للتنمية لصالح الحكومة القطرية السابق الإشارة إليه، أصدرت أيضاً صكوكاً إسلامية لقيمة 700 مليون دولار.
ح – تعتبر الأردن سباقة ومنذ زمن طويل حيث أصدرت صكوك مقارضة لتمويل إعمار بعض أراضي الوقف بالبناء عليها تحت اسم سندات المقارضة والتي نظم إصدارها بقانون.
ط – امتدت الإصدارات إلى أوروبا ففي آذار (مارس) 2004م أصدرت ولاية سكسونيا في ألمانيا صكوكاً إسلامية بمبلغ 100 مليون يورو (120 مليون دولار) مدتها خمس سنوات وهى صكوك إجارة.
كما قامت جامعة كوبورج Cobrag في ألمانيا وبمشاركة عدة جامعات أخرى بالبدء عام 2004م في إنشاء مركز متخصص للتمويل الإسلامي لمواجهة المدّ الأوروبى والغربي عامة بالتعامل بهذا التمويل، واتصلت هذه الجامعة بمركزنا للمساعدة في إعداد الدراسات الأولية.
هذه هي مجرد أمثلة توضح الانتشار الجغرافي والتنوع في الصكوك ومع مراعاة أن هذه الصكوك يتم تداولها في جميع بورصات العالم وهو الأمر الذي دفع إلى إصدار مؤشرات لهذه السوق بواسطة كبرى المؤسسات المحققة وهو ما نوضحه في الفقرة التالية.

المؤشرات الدولية لسوق المال الإسلامية
المؤشرات هي أرقام قياسية تعد بطريقة إحصائية لقياس أداء الأسواق المالية يدخل في تكوينه عينة من أسهم الشركات التي عليها تعامل نشط، ويعد المؤشر يومياً بما يمكن المتعاملين من التعرف على أحوال الأسواق المالية ومدى تقدمها وذلك بمقارنة المؤشر لليوم الحالي مع الأيام السابقة، وأصبحت المؤشرات الآن جزءاً لا يتجزأ من أركان أو عناصر الأسواق المالية، ونظرا لتنامي السوق المالية أو الإسلامية وانتشارها على مستوى العالم قامت مؤسسة داو جونز في الولايات المتحدة والتي تصدر عددا من المؤشرات العالمية المعروفة باسمها بإصدار مؤشرات إلى السوق المالية والإسلامية تعرف بـ Islamic dow Jones Indexes بلغت حتى الآن نحو 60 مؤشرا موزعا مع أسواق العالم الترقيم التعامل فيها إسلاميا مثل:
مؤشر داو جونز الإسلامي الأمريكي – واليابانى – والإنجليزي – والأوروبي – والكندي – والآسيوي – والماليزي، وهكذا.. كما تعد مؤشرات حسب النشاط الاقتصادي كما توجد مؤشرات داو جونز الإسلامية للتكنولوجيا، والاتصالات، والصناعة، والنفط والغاز، والخامات المالية.
وتقوم هذه المؤشرات على أخذ الأسهم التي تصدرها شركات لا تتعامل في أعمال أو مواقع تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية مثل التعامل بأي شكل في الخمور أو الكحول والتبغ ولحوم الخنزير والبنوك التقليدية وشركات التأمين وشركات إنتاج الأسلحة والفنادق وشركات الطيران التي بها صالات قمار أو تقدم خمورا والشركات التي تتعامل في الأدب والفن المكشوف، وهى ما يطلق عليها إجمالاً "أسهم الخطيئة" كما تشمل تلك المؤشرات الصكوك الإسلامية التي تصدرها المؤسسات المالية الإسلامية، يذكر أن شركات المؤشر ليست من الدول الإسلامية فحسب، ولكنها من نحو 30 دولة في العالم ومنها الولايات المتحدة.
ولقد كوَّنت مؤسسة داو جونز مجلسا شرعيا لمراجعة أعمال الشركات التي تدخل أسهمها في تكوين المؤشر الإسلامي من الناحية الشرعية من عدد من علماء الشريعة المتخصصين الذين لهم خبرة طويلة وكبيرة في أعمال هيئات الرقابة الشرعية في العديد من المؤسسات المالية والإسلامية وهم (دكتور عبد الستار أبو غدة - دكتور محمد داود بكر- دكتور محمد القرى ـ دكتور يوسف طلال – الشيخ محمد تقي العثماني- الشيخ أحمد ماكو).

أستاذ المحاسبة ومدير مركز الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر

الأكثر قراءة