كيف تصد المرأة التحرش في العمل؟
كيف تصد المرأة التحرش في العمل؟
لا نعجب من التكتم والحساسية في مناقشتنا لتلك القضية إذا كانت نساء الغرب المعروفات بجرأتهن في طرح قضاياهن يتعاملن مع المشكلة بالأسلوب نفسه، ففي دراسة صادرة عن معهد المرأة في العاصمة الإسبانية مدريد، تقول إن عدد اللاتي يتجرأن على التقدم بشكوى لا يتجاوز 25 في المائة من مجموع الحالات.
إنها مشكلة التحرش الجنسي الذي يعرف بأنه: "توجيه إشارات وتلميحات جنسية للضحية على الرغم من عدم ترحيبها أو استجابتها، بل وقد تستنكر ذلك مع تمادي المتحرش، والتهديد أحيانا بإثارة الصعوبات لها في عملها".
وهناك مقدمات يتدرج خلالها المتحرش في الاقتراب من الحدود الشخصية للضحية وإن لم تصده بحزم مبكرا يتقدم خطوة جديدة للأمام.
وكتوضيح لما أقصده أذكر الموقف الذي عبرت لي عنه إحدى الموظفات اللاتي كنت أقوم بتدريبهن على مهارات السلوك التوكيدي بقولها:
"عندما يوجه لي أحدهم سؤالا يمس حياتي الشخصية ولا علاقة له بموضوع العمل، أشعر أن من حقي ألا أجيب عنه ولكنني أفشل في صده وأحاول بقدر الإمكان عدم إحراجه وأجيب عنه بصورة عامة".
ويلاحظ أن عجز تلك المرأة عن توضيح استنكارها لسؤال الرجل عن أمورها الشخصية قد يشجعه على التعامل مع المسألة بأسلوب تصاعدي، حيث تكتفي المرأة برفض أو صد التحرش البدني فقط، وتتقبل أو تعجز وتقف مكتوفة الأيدي حيال الإشارات والتلميحات اللفظية ولا تأخذ منها موقفا حازما مما يؤدي إلى اعتقاده برضاها، ومن ثم يشرع في الانتقال إلى محاولة التحرش البدني.
إن تنمية قدرة المرأة على توكيد ذاتها Assertiveness behavior – مع احتشام مظهرها بداية - تسهم في تحصينها ضد ما قد تتعرض له من عمليات التحرش، لأنه يجعلها قادرة على مواجهة وردع مقدمات التحرش (التلميحات والإشارات) والتي تكون بمثابة "جس نبض" أما وإن تمادى المتحرش بعد ذلك في تكرار سلوكياته التحرشية فعليها حينها أن تتصدى له بحسم وألا تتردد في إبلاغ الإدارة العليا، حتى لا تصبح عرضة لابتزازه اعتقادا منه أنه يصعب على المرأة الإبلاغ عن مثل تلك الأفعال وتشويش سمعتها.
ولنا في قصة تلك الأعرابية المسلمة المؤكدة لذاتها أسوة حسنة في التعامل الحازم مع هذه المواقف التحرشية، حيث يروى أن امرأة مرت بقوم في بني نمير فأخذوا ينظرون إليها ويتواصفونها (تحرش جنسي) فقالت: قبحكم الله يا بني نمير ما امتثلتم واحدة من اثنتين:
الأولى، قول الله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم".
و الثانية، قول جرير: فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فأفحموا بذلك وذهبوا، وتكشف هذه الواقعة عن الدور المهم للسلوك التوكيدي في صد المواقف التحرشية التي قد تتعرض لها المرأة من مشكلات خارج منزلها سواء في عملها أو طريقها أو أماكن تسوقها.
إننا في حاجة إلى تدريب المرأة العاملة على تنمية سلوكها التوكيدي لحماية نفسها بنفسها من تلك المواجهات التي هي صورة من صور الأذى التي حذر الله تعالى من وقوعه على المرأة بقوله: "فَلا يُؤْذَيْنَ"، لأنها إذا انتظرت دعم الآخرين فقد لا يأتي أو يأتيها بعد فوات الأوان.
استشارية برامج تمكين المرأة
[email protected]