الشركات الكبرى متهمة بالشر وانتهاك الإنسانية!

[email protected]

أحد ردود الفعل الحادة للرأسمالية هو الاعتقاد الواسع الموجود في الغرب، خاصة في أوساط المثقفين والناشطين الاجتماعيين أن الشركات الكبرى والعالمية هي عبارة عن مافيا قاسية مستعدة لانتهاك كل حقوق الإنسان، تعشق الاحتكار والضغط على حياة الناس، ولا تبالي بأي مصالح اجتماعية على الإطلاق.
هذا الاعتقاد، والذي تنبع أصوله من الفكر الاشتراكي، وضع ضغطا واسعا على الشركات الغربية لتثبت دائما أنها مختلفة عن الصورة الذهنية العامة التي يحملها عنها الناس، فتجد أن الشركات تنفق جزءا لا بأس به من ميزانيتها يصل أحيانا إلى 5 في المائة تحت بند "المسؤولية الاجتماعية" وتعلن عن أنشطتها في هذا المجال بشكل واسع حتى تخرج نفسها عن قائمة الاتهام الموجه عموما للشركات.
"عالم الشركات الشريرة" The World of Evil Corporation هو مصطلح شائع في الأدبيات الغربية، وهناك بعض الكتب التي ترى أن هذا العالم سيتغلب بسبب قوة المال وبسبب فاعليته في الحركة على العالم السياسي في العقود الزمنية القريبة، وأن الشركات إذا تغلبت وحكمت العالم فإن حياة الناس ستنقلب إلى جحيم لأن الشركات مرتبطة في أصل وجودها وكيانها الداخلي بالربح المادي فقط، وهي مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل ذلك.
ويبدو أن جزءا من هذه الصورة صحيح في عالمنا اليوم، فالشركات الكبرى ينمو نفوذها تدريجيا وهي عادة التي تطالب بـ "لي عنق" القوانين لخدمة مصالحها، والقصص حول ذلك تتكرر في كل مكان حول العالم بلا استثناء، وهو الأمر الذي تستشهد به هذه الكتب لتؤكد أن الحكومات بدأت تخدم الشركات ومصالحها قبل خدمة الأفراد.
المشكلة الخفية في هذه الطروحات أنها لا تستطيع تقديم حل للقضية سوى هدم النظام الرأسمالي نفسه. كانت هناك حلول أكثر عقلانية، ومنها حل لمنع الاحتكار، وبالفعل تجاوبت أمريكا وأوروبا مع هذا الطرح، وأوجدت قوانين عديدة لمنع الاحتكار، وعلى هذه القوانين تم تفكيك شركة إي تي آند تي AT&T إلى ست شركات كما يسعى المشرعون لإجبار "مايكرسوفت" على التفكك لإضعاف سيطرتها على سوق برامج الكمبيوتر.
هذه الأفكار لم تنتقل إلى العالم العربي، بل إن القليلين بين العرب من يفهم لماذا يتظاهر الناس ويموت بعضهم في كل اجتماع لمنظمة التجارة العالمية، والقليلون يفهمون لماذا مثلا يعتدي شخص على بيل جيتس رغم أنه يعرف أنه سيسجن ورغم وجود عداء شخصي بينه وبين جيتس.
لكن القطاع الخاص يجب أن يفهم هذا التاريخ، ويستوعب دروسه جيدا، فالأفكار لم تنتقل إلينا لأن الشركات العملاقة لدينا محدودة ومعظمها مرتبط بالحكومات وعليها الكثير من القيود، ومجتمعاتنا عموما ليست فيها مساحة حركة واسعة للشركات. لكن هذا سيتغير حتما مع تطور النظم الاقتصادية في العالم العربي، وستواجه الشركات العربية الكبرى التحدي نفسه الذي تواجهه الشركات الغربية.
بل إنه حتى في الوقت الحاضر تلحظ هجوما اجتماعيا عاما على الشركة التي تحقق نجاحا ماديا على حساب مصلحة الناس، من خلال رفع الأسعار أو استغلال حاجة الناس، والشركات لدينا لا تتجاوب مع هذا الهجوم إلا من خلال الحملات الإعلامية دون الأخذ في الاعتبار هذه الدروس التي تؤكد على حاجة الشركات للمسؤولية الاجتماعية والصورة الذهنية الحسنة.
بل إن الأغرب من ذلك أن معظم هذه الشركات في بلد مثل السعودية أو الكويت وغيرها لديها أعمال خيرية من الأموال التي ينفقها ملاك هذه الشركات، ولكن هذه الأعمال تبقى في الإطار السري غير المعلن.
البعض قد يستنكر إعلان بعض رجال الأعمال أعمالهم الخيرية، وأنا شخصيا أعتقد أنه ينبغي أن يفهم الناس الأبعاد التاريخية لقضية المسؤولية الاجتماعية، ويدركوا أهمية إعلان مثل هذه الأعمال، حتى ينمو لدى قطاعنا الخاص الحس الخيري الاجتماعي، وحتى نبدأ من الآن في تدارك المشكلات التي وقعت فيها الشركات الغربية.
الشركات هي كيان يبحث عن الربح المادي دائما، وعندما لا تكون القوانين ذكية بما يكفي لإعطاء الشركات حرية الحركة دون السماح لها بإرهاق المجتمع، فإن الشركات بشكل طبيعي ستستغل هذه الثغرات. الشركات في ذلك تتبع عقلية الأفراد العاديين الذين سيركضون وراء الربح إذا سمح لهم القانون بذلك، لأن الشركات هي مجموعة من الأفراد.
لكن الأفراد يمكن أن يتعظوا ويرفعوا وتيرة الخير لديهم نحو مجتمعهم، وكذلك الأمر بالنسبة للشركات.
يوما ما قد يفتح الناس ملف تقصير شركاتنا في مسؤولياتها الاجتماعية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي