أفضل يوم في الدنيا

[email protected]

الحمد لله الذي جعل البيت العتيق مثابة للناس وأمنا، وجعل كلمة التوحيد لعباده حرزا وحصنا، وجعل الحج تلبية بالتوحيد وذكرا، وجعل ثواب الحج المبرور المغفرة والجنة دوما. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، الذي تمم لعباده الوقوف بعرفة في يوم جمعة ليكون، كما قال بعض السلف، وقوفا في يوم من أفضل أيام الدنيا. ونسأل المولى عز وجل أن ييسر للحجاج إتمام مناسكهم، وأن يعيدهم لأوطانهم غانمين سالمين مغفورا لهم، بفضله ومنه وسابق إحسانه.
في الأسبوع الماضي تحدثت عن مؤسسة طابونج حاجي الادخارية التي أنشأتها ماليزيا قبل أكثر من 40 عاما لتجعل بعد حين من الزمن، من كل ماليزي مسلم مستطيعا وقادرا على الحج، دون أن يضطرب أو يتدهور مستواه المعيشي بعد العودة من الحج، من خلال برنامج ادخاري فذ وناجح. ليس هذا فقط، بل إن الكفاءة الإدارية العالية لهذه المؤسسة انعكست على الحجاج الماليزيين أنفسهم، فتجدهم من أكثر الحجاج انضباطا وترتيبا وكفاية لأنفسهم واستغناء عن مساعدة غيرهم، كما أنهم أيضا من أكثر الحجاج دراية بمناسكهم وحسن تصرف في جميع شؤونهم. وفي ذلك تخفيف ومؤازرة لجهود القائمين على خدمة الحجيج هنا في بلادنا، مما يرفع من كفاءة هذه الجهود لصرفها وتوجيهها نحو من تشتد حاجتهم إليها من بقية الحجاج. ولا عجب أن نرى هذا من الماليزيين، إذا عرفنا أنه بالفعل يتم تأهيلهم في بلدهم وقبل سفرهم بكل مناسك وخطوات الحج من خلال برامج محاكاة يشترك فيها جميع الحجاج في مجموعات وكأنهم يؤدون الفريضة.
حينما يستحضر المرء حقيقة أن الحج – من بين أركان الإسلام ومبانيه - هو عبادة العمر، وختام الأمر، وتمام الإسلام، وأن كمال الدين كائن فيه حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل (اليوم أكملت لكم دينكم ..) الآية، يعرف كيف أنه يختم الأركان ليجمعها، وكل خاتم جامع. وحين يستحضر المرء أيضا قوله، صلى الله عليه وسلم "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا".. أقول حينما يستحضر المرء كل ذلك، يستطيع أن يتصور عظم الأجر لكافة من يقوم مخلصا وصادقا بخدمة الحجاج وتيسير أدائهم هذا النسك العظيم، سواء عند وصولهم لديارنا، من جنود هذه البلاد المباركة، أو من الذين يخدمون الحجاج ابتداء من بلدانهم قبل سفرهم لأداء هذا الفريضة. ولهذا يأتي مثل هذا الترتيب العصري الذي قام به الماليزيون، ليظهر علو كعبهم في جعل كل ماليزي قادرا على أداء هذه الفريضة ومستطيعا لها من خلال برنامج ادخاري فذ، على النحو الذي بينته في مقالي السابق، تمكينا لهم من أداء عبادة فيها تمام الدين، وأعظم بها من عبادة يعدم الدين بفقدها الكمال، ويساوي تاركها اليهود والنصارى في الضلال.
ومن الأعمال الجليلة التي استرعت انتباهي في الأسبوع الماضي، ذلك المؤتمر الموفق عن صحة وسلامة الحجاج الذي انعقد بين مكة المكرمة وجدة برعاية كريمة من الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا، وشاركت فيه إضافة إلى وزارة الداخلية، وزارات الصحة، والحج، والإعلام. فقد غطي المؤتمر عددا من القضايا المهمة المتعلقة بسلامة وسائط نقل الحجيج، وكذلك السلامة البيئية والوقائية والعلاجية والأمنية من بعض الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية، إضافة للخدمات الإسعافية والخطط التشغيلية للخدمات التي يحتاج إليها الحجاج كافة. وقد عرض في المؤتمر دراسات وبحوث مهمة حول هذه الخدمات تفاوتت بين: متطلبات الحجاج كبار السن، والتخلص الآمن من النفايات الطبية وغير الطبية خلال موسم الحج، وخدمات نقل الدم خلال موسم الحج، ودراسة عن أهم الأمراض المعدية في موسم الحج، وأخرى عن مدى انتشار مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية بمستشفيات مكة المكرمة، وبحث عن خدمات الطوارئ والإسعاف في الحج. كما ناقش المؤتمرون بحوثا أخرى عن جودة المياه والسقيا والرفادة وسبل تنظيم الإطعام الخيري وإسكان الحجاج، ودراسة عن إجراءات الدفاع المدني لمواجهة الحوادث المختلفة كحوادث المواد الكيميائية في موسم الحج، وأخرى عن العوامل المؤثرة على انسيابية الحركة المرورية في موسم الحج. إضافة لبعض البحوث المتعلقة بالجوانب: الإعلامي، التوعوي، والإرشادي المتعلقة بخدمة الحجيج.
ظهر جليا من خلال عناوين هذه الدراسات والبحوث تنوع وأهمية القضايا التي ناقشها المؤتمرون، والتي ستهديهم إلى توصيات تعين المسؤولين في الجهات ذات العلاقة بخدمة الحجاج كافة، على تحسين الخدمات التي تقدم إليهم. خاصة أن أعدادهم تتزايد عاما بعد آخر، مما يجعلنا نتوقع تزايد وتنوع المشاكل الصحية والتنظيمية التي تنشأ مع هذا الجمع، ويتطلب منا متابعة وإدارة مستمرة ومتجددة لهذه الخدمات. لكني كنت أتمنى لو أعد لهذا المؤتمر وعقد في وقت سابق على موسم الحج بشهور، حتى يتحقق للجهات ذات العلاقة الاستفادة من التوصيات التي يمكن أن يتمخض عنها المؤتمر، وترى طريقها نحو التنفيذ.
تتشابه الأعمال، وتتمايز بالعمـّال.. وكما قال سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: الركب كثير والحاج قليل.
أسأل الله جلت قدرته أن يوفق جميع القائمين على هذه المهمة الشريفة الشاقة ويعينهم على أداء مهامهم، وأن يتولى وفده من حجاج بيته الحرام برعايته ويسبغ عليهم جميل إحسانه وكريم غفرانه، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي