"القطيف للتصوير الضوئي" .. أعمال فنية جديدة تحاكي التجارب العالمية
"القطيف للتصوير الضوئي" .. أعمال فنية جديدة تحاكي التجارب العالمية
يمتلك الفنان عينا ذكية وبارعة في اصطياد اللقطة وتحويل المشهد إلى مجال خصب لتعدد قراءاته، وفتح الآفاق أمام المشاهد ليجد شيئا سهلا في تكوينه يحمل معاني كثيرة، يحقق ذلك الفنان الفوتوغرافي بخبرته التي تساعده على ذلك فيستطيع التوفيق بين قدراته وإمكانياته وما تقدمه له أدواته وما بها من مميزات ليصل إلى هدفه ويتمكن من ترجمة رؤيته للواقع الذي أمامه بأسلوب متناغم الإيقاع ثمة مساحات للإبداع معتمدة على لغة الصورة ومعناها، تظهر فيها مشاعر وأحاسيس تلك العين التي تقف خلف الكاميرا، وتقود إلى إنجاز غير مألوف وتحمل معها خصوصية ومزايا ذلك المبدع، ليبقى واضحا بأسلوبه معروفا بمنهجه.
تبقى المعارض الجماعية وسيلة مهمة لفتح المجال أمام المبدعين من الشباب لعرض أعمالهم وتقديم أنفسهم للجمهور، والتعريف بمستواهم وإنجازاتهم، وتزداد أهمية هذه المعارض وتعلو قيمتها ومكانتها متى ما كانت وفق أسس مدروسة وخطط منظمة وبرامج محددة وتخضع لمستوى معين في العرض وقبول الأعمال، وهذا ما تفتقده الساحة الفنية سواء على مستوى الفن التشكيلي أو الفوتوغرافي، والانتقاء لا يتعارض مع التشجيع والتطوير لفئة الشباب الجديدة على هذه الفنون، بل إن فتح المجال أمام الجميع لا يخدم سوى المنظمين والقائمين على تلك المعارض الذين يهتمون بالكم دون الكيف، وينظرون إلى العدد دون التمعن في الجودة، ويحسبون النجاح من خلال تلك الأرقام، متناسين رأي الجمهور الذي من أجله يسعى الجميع ويقدمون إنتاجهم متطلعين على إشادة ناقد أو وجهة نظر مهتم لتعينهم على تجاوز بعض مواطن الضعف أو تركيزهم على مناطق القوة في كل منطقة من مناطق المملكة تبرز جماعة أو مجموعة تضمها أهداف محددة أو تجمعهم مدينة معينة أو تفتح المجال للمحبين لذلك الفن للانضمام لها والاستفادة من الخدمات التي تقدمها، وجماعة القطيف للتصوير الضوئي إحدى هذه الجماعات التي تتخذ من مركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف مركزا لها وتزاول فيه نشاطاتها، وفي كل عام تقدم معرضا سنويا للأعضاء، وفي هذا العام أقامت معرضها العاشر وضم ما يزيد على 50 فنانا وفنانة من الأعضاء إضافة إلى اثنين من جماعة عدسات عربية وهما عبدالله الظاهري ووليد المرحوم ومجموعة من أعضاء جماعة بيت لوذان بالكويت.
ما يميز هذا المعرض وجود نخبة من كبار الفنانين الفوتوغرافيين أمثال الفنان علي المبارك والفنان محمد صالح آل شبيب والفنان عدنان آل شبر وغيرهم، تنوعت الأعمال بين تصوير الطبيعة والطبيعة الصامتة والبورتريه، وكذلك الصور الدعائية جاءت الأعمال المعروضة بعضها بالأبيض والأسود والبعض الآخر بالألوان، عندما ينتهي المعرض لا يبقى منه سوى وريقات الكتيب المصاحب في التي تعيد للذاكرة ذاك المعرض وذاك المستوى في ظل غياب للكتب والدراسات النقدية لهذا الفن العالمي، في هذا المعرض نال الكتيب عناية رائعة فجاء وضوح الصور بالمستوى اللائق الذي يعكس مستوى العمل، ونحن نتنقل بين صفحات ذلك الكتيب تستوقفنا بعض الأعمال التي تميزت في اختيار الزاوية، وأثبتت قدرة الفنان على التعامل مع مصادر الإضاءة الطبيعية أو الصناعية، وبرزت مهارة الفنان في اختيار التكوين وحسن توزيع عناصر الموضوع مستفيدا من القواعد والأسس التي تحكم العمل الفني ومبتعدا عن التقليد، فهذا الفنان عدنان آل شبر يعكس صورة رائعة لمنظر مهيب مستخدما عدسة واسعة استطاعت أن تغطي جزءا كبيرا من مساحة المكان وأظهرت الحشود التي اجتمعت في ذلك اليوم وهم يرمون الجمار ، إضافة إلى ذلك اختياره لفتحة غالق ضيقة لإعطاء عمق للصورة ووضوح في جميع جوانبها معتمدا على الإضاءة الطبيعية الآتية من النوافذ الجانبية. أما الفنان العالمي علي المبارك فأعماله المتميزة دائما تدل على عين محترف يمتلك قدرة عالية في إبراز الموضوع بشكل جذاب من خلال البساطة في التكوين والتركيز على الوضوح التام وإظهار دقة في التفاصيل، وفي هذا المعرض قدم عملا- رسالة- إلى الفوتوغرافيين تحمل جوانب كثير منها أهمية الصورة الفوتوغرافية في مجالات الحياة وأنها وسيلة للكسب المادي فهي إضافة إلى قيمتها الفنية عمل تجاري مهم للغاية لا غنى عنه، ومن الجوانب التي حملتها لقطته فتح المجال أمام الفنانين بعد الاعتماد الكلي على تصوير المناظر الخارجية، فمجالات التصوير كثيرة والتصوير الداخلي له طابع خاص وجمال مختلف حيث تبرز مهارة الفنان في اختيار الموضوع وترتيب عناصره ودراسة الإضاءة، فكل حركة وكل إضافة في التصوير الداخلي مصدرها المصور، وأي خطأ يقع يتحمله بشكل تام أيضا المصور.
وللأبيض والأسود سحره وجماله وقيمته الفنية فهو الفن الأصعب، فهو يكشف كثيرا من العيوب التي تتضمنها الصورة فبريق الألوان تخدع العين وتقودها إلى مناطق الجمال وتغيب مناطق الضعف، وفي هذا المعرض برزت مجموعة من الصور ذات اللونين وجاءت بمواضيع تتناسب بشكل تام معها، فبعض الفنانين استخدمها في إظهار القدم والمنازل الأثرية، منهم من تناول موضوع البورتريه بهذين اللونين وخاصة مع كبار السن التي تظهر على صفحات وجوههم آثار الزمن، فهذا الفنان المحترف محمد صالح آل شبيب يقدم عملا ترتسم على ملامح الشخوص داخل ذلك الإطار العديد من العلامات والتساؤلات التي خطتها السنون في ذكراهم، فلم تشغلهم وتلفت انتباههم عدسة المصور، فخلف تلك الوجوه قد تبدو قصص تشد المصور وتجذبه نحوها ليقف أمامها في حالة شعورية تتجلى من خلالها لوحة فنية مبتكرة تحمل روح الفنان موجهة لإحساس المشاهد والتأمل لها.
وفي زوايا أخرى من ذلك المعرض تبرز محاولات فنية وتجارب فوتوغرافية بعضها يسعى للجديد والبعض الآخر مازال يدور ضمن حدود معينة لم يستطع أن يتجاوزها وبقية مسيطرة عليه وعلى إبداعه، كما أن هناك من حاول أن يقدم أعمالا بالأبيض والأسود ولكنها لم تكن موفقة من حيث التعريض وهو من أهم عناصر العمل الإبداعي الفوتوغرافي. ويبقى هذا المعرض وهذا الكتيب شاهدا على مرحلة جديدة من المشهد الفوتوغرافي السعودي وعلى جيل جديد من الفنانين والفنانات الذين يتطلعون لرعاية واهتمام من قبل الجهات الحكومية المسؤولة وعلى رأسها وزارة الثقافة والإعلام.