المقاطعة الرياضية سلاح فعال لمناقشة القضايا السياسية

المقاطعة الرياضية سلاح فعال لمناقشة القضايا السياسية

على الرغم من أن معظم الناس يسلمون بضرورة الفصل بين الرياضة والسياسة، لكن قلة يطبقون هذه المقولة فعليا. وتحرص معظم المؤسسات والمنظمات الرياضية على تفادي أي تدخل سياسي في شؤون الرياضة. ولم يتوان الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، على سبيل المثال، عن إيقاف بعض الاتحادات الوطنية الأعضاء فيه بين الفينة والأخرى بمجرد اكتشاف أي تدخل سياسي في شؤون هذه الاتحادات. ولم يمض وقت طويل على قرار "فيفا" بوقف الاتحاد الإيراني للعبة عن المشاركة في الأنشطة الدولية بسبب التدخل الحكومي في شؤون كرة القدم، لكنه لم يلبث أن رفع الإيقاف في ظل الوعود الإيرانية بتعديل هذه الأوضاع مع منح الاتحاد الإيراني مهلة لتعديل الأوضاع.
ولكن على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المنظمات الرياضية لمقاومة التدخلات السياسية في شؤون الرياضة، فإن التاريخ حافل بالأمثلة على ممارسة ضغوط سياسية من خلال الرياضة.
واستغل الزعيم النازي الراحل أدولف هتلر دورة الألعاب الأولمبية عام 1936 في ألمانيا كواجهة عرض لألمانيا النازية وأيديولوجيته الفاشية.
وتم استغلال الأحداث الرياضية كثيرا عقب الحرب العالمية الثانية التي وضعت أوزارها في عام 1945 كوسيلة للاحتجاج السياسي من خلال اللجوء إلى خيار مقاطعة المشاركة في المسابقات كسلاح للاحتجاج والاعتراض.
وقاطعت مصر والعراق ولبنان دورة الألعاب الأولمبية 1956 في ملبورن احتجاجا على الحرب التي شنتها إسرائيل بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا على الأراضي المصرية في العام نفسه. وأعلنت إسبانيا وسويسرا وهولندا انسحابها من الدورة نفسها بسبب الغزو السوفيتي للمجر.
وبعدها بخمس سنوات، قرر "فيفا" إيقاف جنوب إفريقيا عن المشاركة في أي أنشطة دولية لكرة القدم بسبب سياسة الأبارتايد "الفصل العنصري" التي كانت الحكومة هناك تنتهجها. كما حرمت جنوب إفريقيا من المشاركات الأولمبية منذ أولمبياد طوكيو عام 1964 وبعدها بست سنوات سار المجلس الدولي للكريكت على الدرب نفسه.
وفي عام 1976 قادت تنزانيا تحالفا يضم 22 دولة إفريقية في مقاطعة أولمبياد 1976 في مونتريال بسبب مشاركة نيوزيلندا في الدورة بعد أن أرسلت منتخبها للعبة الرجبي إلى جنوب إفريقيا في جولة رياضية.
وتحولت المقاطعات السياسية بالتدريج إلى عائق أمام الحركة الأولمبية حيث قاطعت الولايات المتحدة وتبعتها ألمانيا الغربية (السابقة) واليابان أولمبياد موسكو 1980 احتجاجا على الغزو السوفيتي لأفغانستان.
وثأرت الكتلة السوفيتية لذلك بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس في الولايات المتحدة عام 1984. وفي عام 1988 رفضت كوريا الشمالية وكوبا وإثيوبيا ونيكاراجوا المشاركة في أولمبياد سول. ومع انهيار سور برلين ونهاية الحرب الباردة، بدأ وكأن سلاح المقاطعات وصل إلى خط النهاية ولكن المسابقات الرياضية ظلت وسيلة لممارسة ضغوط سياسية على بعض البلدان.
فقد رفض المجلس الأولمبي الآسيوي السماح للعراق بالمشاركة في دورة الألعاب الآسيوية في بكين عام 1990 بسبب الغزو العراقي للكويت.
وفازت الدنمارك بعدها بعامين بلقب كأس الأمم الأوروبية "يورو 1992" التي تقرر مشاركتها فيها قبل بدايتها بأيام رغم عدم تأهلها للنهائيات من خلال التصفيات حيث جاءت مشاركتها بدلا من يوغسلافيا بسبب العقوبات المفروضة على الأخيرة من قبل الأمم المتحدة وقرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" باستبعادها من البطولة في ظل هذه العقوبات ودعوة الدنمارك التي حلت بعدها في مجموعتها بالتصفيات.
ومن بين أولئك الذين يؤمنون بفائدة المقاطعة الرياضية كسلاح فعال في إجبار الدول على مناقشة القضايا السياسية التي يمكن أن تتجاهلها، جو إبراهيم الرئيس السابق للمجلس الرياضي في جنوب إفريقيا، وهي أكبر منظمة مناهضة للفصل العنصري في البلاد. وقال إبراهيم إنه على الرغم من صحة مبدأ عدم التدخل السياسي في شؤون الرياضة يأتي الواقع مختلفا.
وأوضح إبراهيم "أعتقد أن من أبرز الأمثلة على ذلك في الوقت الراهن هو اعتراف المجتمع الدولي بإسرائيل على الساحة الرياضية بينما لا تعترف الشعوب بأن إسرائيل تمارس بأشكال عديدة أعمال القمع ضد فلسطين والشعب الفلسطيني".
ويرى إبراهيم أن البعض يعتبرون هذه الأعمال من جانب إسرائيل دفاعا عن بقائها ولكنه مازال يرى أن إسرائيل أصبحت "دولة معتدية".
وقال إبراهيم: "إسرائيل اغتصبت الأرض من الفلسطينيين وشنت الحرب على لبنان لوجود حزب الله المقاوم لإسرائيل ولكن إسرائيل هاجمت لبنان بأسره رغم أن حزب الله لا يوجد في لبنان بالكامل ولا يسيطر عليه".
وأضاف: "قالت المحكمة الدولية في لاهاي إن الجدار الذي أقامته إسرائيل غير شرعي وأن احتلالها للأراضي الفلسطينية ليس شرعيا أيضا. أعتقد أنه عندما تصدر سلطة معترف بها دوليا مثل المحكمة الدولية إعلانا مثل ذلك، فإن من الضروري الاعتراف به في مجال الرياضة".

الأكثر قراءة