مواكبة تطورات الصناعة النفطية تستدعي إنشاء مجمعات عطرية ومعاهد لدراسات الوقود

مواكبة تطورات الصناعة النفطية تستدعي إنشاء مجمعات عطرية ومعاهد لدراسات الوقود

مواكبة تطورات الصناعة النفطية تستدعي إنشاء مجمعات عطرية ومعاهد لدراسات الوقود

صناعة التكرير في تطور مستمر، وهناك دائماً الجديد في هندسة المفاعلات والتفاعلات الكيماوية وتقنيات الحفازات التي من شأنهما تغير خواص المنتج النفطي مثل الجازولين والديزل، لذلك نرى أن خواص الجازولين في تغير دائم، وأن الجازولين الموجود حالياً في الأسواق هو غير الجازولين الموجود أصلا قبل 30 أو حتى 20 سنة مضت. ويكفى أن نعلم أن الأسواق الأمريكية تحتوى على نحو 17 نوعا مختلفا من الجازولين، ويأتي هذا التنوع والتطور الطارئ على هذه المادة الاستراتيجية على الأرجح بسبب إصدار القانون الأمريكي الفيدرالي الذي صدر عام 1970م، والذي ينظم مواصفات الجازولين لتحسين آلية احتراقه داخل المحرك، والتحكم في مواصفات الانبعاثات الناتجة عن هذا الاحتراق لتكون مقبولة بيئياً ولا يترتب عليها أي ضرر على صحة الإنسان.
وبالنسبة لمواصفات الجازولين فهي غير ثابتة وتختلف من بلد إلى آخر، وحتى أنها في أمريكا تختلف من ولاية إلى أخرى، وعادة ما تشمل هذه المواصفات النقاط التالية:
* نسبة الكبريت.
* نسبة البنزين العطري.
* نسبة المواد العطرية.
* نسبة الأوليفينات.
* نسبة ونوع رافعات الأوكتان (رصاص، MTBE، إيثانول).
تم التعرض للكبريت ومشاكله في المقال السابق، أما بالنسبة لكمية البنزين العطري في الجازولين فهي نقطة غاية في الأهمية، لأن لهذا المركب تأثيرا مزدوجا (إيجابيا وسلبيا)، فهو من جهة يملك رقم أوكتان عال (نحو 100)، أي من شأنه تحسين أداء الجازولين، ومن ناحية أخرى فإن هذا المركب شديد الخطورة على البيئة وعلى صحة الإنسان، فلقد ثبت بما لا يقبل الشك أن هذا المركب يعتبر مادة مسرطنة، ومسجل في الوثائق الصحية بهذا الصفة، لذلك فإن وجود هذه المادة بنسب عالية في الجو يتسبب في سرطان الدم وسرطان الرئة وصعوبات التنفس للأطفال والمسنين.
ومن المعلوم أن تسلل هذا المركب إلى الجو يأتي إما من عوادم السيارات وإما من خزانات الجازولين عن طريق التبخر. وللأسف فإن أجواء الكثير من المدن الكبيرة والمزدحمة (وخاصة في دول العالم الثالث) قد سجلت نسبا عالية لهذا المركب وصلت إلى نحو 50 إلى 150 جزءا من المليون. ومن أجل ذلك حدد الاتحاد الأوروبي نسبة البنزين العطري في الجو بنحو عشرة أجزاء من المليون.
وليتم الوصول إلى هذه النسبة المقبولة أصدرت الوكالات ذات العلاقة بالوقود والبيئة في الدول الصناعية الكبرى مرسوماً يقضي بتحديد نسبة هذا المركب في الجازولين بـ 1 في المائة كحد أعلى. وعلى هذا المنوال فإن نسبة المواد العطرية بشكل عام يجب ألا تتعدى 35 في المائة، لأن وجودها بأعلى من هذه النسبة يعرض البيئة وصحة الإنسان للخطر. وأما بالنسبة لكمية الأوليفينات فقد تم تحديدها بنحو 10 إلى 15 في المائة، وذلك لتسببها في زيادة انبعاثات أكاسيد النيتروجين والكبريت للجو.
والجدير بالذكر أنه بالإمكان الاستفادة من مكونات الجازولين غير المرغوب فيها بيئياً في الصناعات البتروكيماوية، فمثلاً يوجد تحفظ بيئي على نسب عالية من المواد الأوليفينية في الجازولين، لكن تعتبر هذه المواد في الوقت نفسه شديدة الأهمية في الصناعات البتروكيماوية المختلفة، حيث بالإمكان تحويلها إلى مواد تستخدم في تصنيع الكيماويات. كما يعتبر البنـزين العطري من أهم المركبات في الصناعات البتروكيماوية، حيث يدخل في عدة صناعات أساسية. وأما المواد العطرية الأخرى مثل التلوين، الزايلين، الكيومين، والإيثيل بنزين، فإنها تعتبر إحدى أهم المواد الأولية للصناعات البتروكيماوية الحديثة.
ومن هنا كان الاقتراح أن تؤخذ هذه المواد العطرية من الجازولين (لما لها من مضار على البيئة) وتستعمل في الصناعات البتروكيماوية وذلك لإنتاج البوليستر والبولي ستايرين والفينول، أي إنشاء مجمع عطري عصري يكون قادرا على سد حاجتنا من هذه المواد البتروكيماوية، وبهذا نكون قد حصلنا على هدفين رئيسيين، قللنا نسبة هذه المواد في الجازولين لأجل بيئة أفضل، والآخر هو استخدام هذه المواد في الصناعات البتروكيماوية.
ولكن العقبة الوحيدة التي ستواجه صناعة التكرير في المملكة أن كمية الجازولين قد تنقص بنحو 20 في المائة (إذا سحبت منه كميات كبيرة من المواد العطرية)، وأيضاً يجب ألا ننسى أن سحب هذه المواد من الجازولين له تأثير سلبي على رقم الأوكتان، والمؤمل أن المصافي الجديدة المزمع إقامتها قادرة على سد هذا النقص في كمية الجازولين وتقوم زيادة المواد المشبعة والمتشعبة iso-paraffins في الجازولين على زيادة رقم الأوكتان بعد سحب بعض المواد العطرية منه.
وفي الختام يجب أن نعلم أن مواصفات الجازولين (مثل كميات الكبريت والبنزين العطري) ومطابقتها للمعايير البيئة يجب ألا تقل بأي شكل من الأشكال عن أهمية سعر اللتر وعن نوعه أحمر أم أخضر. وكما هو معروف أن هذه المواصفات البيئية في تغير مستمر، ومن أجل ذلك أنشأت الدول الصناعية الكبرى وكالات تعنى بدراسة العلاقة بين البيئة والوقود. فعلى سبيل المثال يوجد في الولايات المتحدة وكالة حماية البيئة EPA، وهي تعنى بكل ما من شأنه أن يمس بالبيئة. يذكر أن هذه الوكالة مستقلة عن شركات النفط ولديها سلطات واسعة لتطبيق ما تراه مناسباً حيال أي تجاوزات تصدر عن المصافي أو الصناعات المختلفة، وبناءً عليه فإن إنشاء معهد دراسات وطني (بالشراكة مع إحدى جامعاتنا المختصة) يعنى بشؤون الوقود في المملكة من حيث الاستهلاك والصناعة والمواصفات البيئية واقتصاديات الوقود قد أصبح مطلباً وطنياً ملحا، خاصة أن بلادنا الحبيبة تستهلك كميات هائلة من الوقود سواء جازولين أو ديزل أو زيت وقود أو غيره، وسيساعدنا هذا المعهد على أن نكون دائماً في طليعة الدول المعنية بصناعة النفط والبتروكيماويات والمهتمة بالوقود والبيئة على حد سواء.

* أكاديمي متخصص في صناعة تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران
[email protected]

الأكثر قراءة