حقيقة المخاوف الأمريكية من وفاة عمر عبد الرحمن

[email protected]

تناثرت أنباء عديدة خلال الأسابيع الماضية حول تدهور صحة الدكتور عمر عبد الرحمن المعروف بأنه الراعي الروحي والديني للجماعة الإسلامية المصرية، سواء أثناء سنوات تطرفها وغلوها وممارستها العنف منذ بداية الثمانينيات وحتى قبل نهاية التسعينيات أو بعد تحولها عن تلك الأفكار والممارسات حيث أصبحت جماعة سياسية ـ اجتماعية إسلامية ذات طابع سلمي. ومن المعروف أن الشيخ البالغ من العمر نحو 71 عاماً كان يعمل أستاذاً للتفسير في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر في مصر، وأنه تولى موقع المفتي والمرشد الروحي للجماعة الإسلامية المصرية منذ بداية توجهها للتشدد والعنف في بداية الثمانينيات وإن لم يتول أي موقع تنظيمي أو حركي فيها، وذلك كما أكدت أحكام القضاء المصري عدة مرات حين برأته من ذلك الاتهام. وبالرغم من ذلك فقد كان للشيخ عمر ولا يزال بداخل صفوف تلك الجماعة مكانة لا تضاهيها مكانة أي واحد من قياداتها أو مؤسسيها، فهو بالنسبة لهم "العالم" الإسلامي المتخصص والأكبر سناً ومقاماً. ومن المعروف أن الشيخ عمر حكم عليه بالسجن المؤبد من محكمة أمريكية أدانته بالتورط في محاولة فاشلة قام بها بعض الإسلاميين لتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، وذلك بعد أن دخل الولايات المتحدة الأمريكية بتأشيرة سليمة حصل عليها من البعثة القنصلية الأمريكية في السودان.
وقد أثار خبر تدهور صحة الشيخ الضرير المريض ردود أفعال واسعة على حد سواء في كثير من الأوساط الأمنية الأمريكية والإسلامية المتصلة بطريقة أو بأخرى مع الشيخ عمر. فالأولى عبرت عن خشيتها من أن يؤدي تدهور صحة الشيخ الضرير ووفاته إلى أعمال انتقامية ضد المصالح الأمريكية ممن تعتقد أنهم أتباعه على مستوى العالم وبخاصة المنتمين منهم لتنظيم أو شبكة القاعدة. أما الأوساط الإسلامية وبخاصة الجماعة الإسلامية التي توقفت تماماً عن العنف في مصر وخرجت كل قياداتها والأغلبية الساحقة من أعضائها من السجون، فقد عبرت عن قلقها الشديد على صحة الشيخ السجين وكثفت من حملتها التي أطلقتها قبل عدة شهور من موقعها على الإنترنت المطالبة للسلطات الأمريكية بالإفراج عنه بسبب ظروفه الصحية المتدهورة. وبداخل منتديات وأوساط المجموعات الإسلامية ذات الطابع المتطرف والجهادي تعالت أصوات هنا وهناك تنادي بالإفراج عن الشيخ باستخدام القوة والضغط على الحكومة الأمريكية منددة في نفس الوقت بالمنهج "السلمي المتخاذل" الذي تتبعه الجماعة الإسلامية المصرية في المطالبة بالإفراج عنه.
والحقيقة أن هذا الخلاف الواضح والجلي بين هذين المنهجين في المطالبة أو السعي للإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن يعكس حقيقة الاختلاف العميق بين هذين النوعين من الجماعات ذات الطبيعة الإسلامية في الرؤية والمنهج والأساليب الحركية. كذلك فهذا الخلاف البين يوضح أن المخاوف الأمنية الأمريكية لا أساس حقيقي لها، حيث إن الشيخ السجين لم يكن يوماً من رعاة الجماعات والتنظيمات ذات الطابع الجهادي الذي تكتسي به اليوم القاعدة، بما في ذلك أثناء سنوات تبنيه أفكار العنف في مصر، حيث لم يكن على صلة بجماعة الجهاد التي خرج منها أيمن الظواهري إلى تنظيم القاعدة، بل كانت صلته الوثيقة طوال الوقت مع الجماعة الإسلامية سواء في سنوات عنفها وغلوها أو سنوات سلمها ورجوعها عن الغلو. وقد لعب الشيخ عبد الرحمن في المرحلتين دوراً رئيسياً في تحديد وبلورة أهداف وسياسات وتكتيكات الجماعة الإسلامية. فقد كانت فتاواه وكتاباته في مرحلة الغلو والعنف من المصادر المهمة التي استند إليها الفعل الحركي للجماعة الذي اتسم باللجوء إلى العنف والإرهاب. كذلك كانت مواقف الشيخ حاسمة وهو في محبسه في الولايات المتحدة عندما أصدرت قيادات الجماعة مبادرتها لوقف العنف في تموز (يوليو) 1997، حيث أيد المبادرة بلا تحفظ وأعطاها زخماً واسعاً بين أعضاء الجماعة وصولاً إلى القرار النهائي الذي اتخذه مجلس الشورى في آذار (مارس) 1999 بالتخلي عن منهجها القديم والعودة إلى وسطية الإسلام، وهو القرار الذي حظي أيضاً بموافقة علنية أرسلها الشيخ من محبسه الأمريكي كان لها تأثيرها البالغ على التحول النهائي للجماعة عن طريق العنف والغلو.
كذلك من المعروف أن الشيخ عمر والجماعة الإسلامية لم يكونا على علاقة طيبة حتى وهما في مرحلة الغلو والعنف مع أفكار القاعدة وتشكيلاتها الحركية. فلم تكن الجماعة الإسلامية قبل المبادرة وبعدها جماعة دولية مركزها في مصر، فقد ظلت منذ قيامها في النصف الثاني من السبعينيات وحتى اليوم لا تركز عملها ونشاطها سوى في مصر. وقد كانت الجماعة تركز على النظام المصري وحده في عملياتها العنيفة بين 1981 و1997 دون أن تتورط في مهاجمة أي نظم أو مؤسسات أو أفراد خارج مصر ولم تعلن قط في أي من أدبياتها أن لها أهدافاً دولية ولا حتى إقليمية. وظلت الجماعة وفية لطبيعتها المصرية الصرفة وهي مرحلتها السلمية التالية لإعلان مبادرة وقرار وقف العنف، وهو ما تظهره كل الوثائق التي صدرت عنها وكافة تصريحات قياداتها للإعلام المصري والأجنبي. وعلى الرغم من أن المرحلة السابقة على المبادرة قد عرفت هجرة لعديد من أعضاء وقيادات الجماعة إلى دول خارجية منها السودان وأفغانستان باكستان، ودول أوروبية عديدة، إلا أنها ظلت بعيدة عن أن تكون ذات نشاط دولي بعيد عن أهدافها المصرية ولم ترتبط في أي مرحلة بالقاعدة سواء بصفتها التنظيمية كجماعة أو عبر قيادات منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي