الخطاط عدنان الشيخ: قواعد الخط وضعت لضبط الجمال لا لتقييده

الخطاط عدنان الشيخ: قواعد الخط وضعت لضبط الجمال لا لتقييده

تتجلى روعة الفن والإبداع في انسيابية الخط، وتجسيد الحرف، ونحت الكلمة، والبحث عن فضاءات جديدة في مساحة الفن التشكيلي، وإخراجه من حدود الكلمة ومعناها اللغوي إلى استعماله في إطار آخر ليقترن الحرف المجرد بالمعنى. هذه الحروف بما وهبها الله من قدرة وثراء وشخصية متحركة تكون قادرة على التحول إلى عوالم أخرى ومجالات أوسع، والخروج عن النمطية والحدود الضيقة، والنظر إليه كقيمة إبداعية، وهندسة بصرية، وتأتي ممارسته في الفن التشكيلي ليعطي مناخا زاخرا بالإمكانيات الرمزية والزخرفية.
الحديث عن الخط والخطاطين يجعلنا نقف أمام تجربة فنية كان لها حضورها على الساحة العربية الإسلامية من خلال الجوائز التي حققها في المسابقات والمنافسات الدولية. كان لنا حديث مع الفنان الخطاط عدنان الشيخ عثمان عقب انتهاء معرضه الذي أقيم في حوار غاليري.
* نود منك أن تتحدث عن بدايتك مع هذا الفن؟
منذ الصف الرابع الابتدائي وعيني بدأت تتعلق بعناوين الكتب فكنت أرسم تلك العناوين في حصة الرسم بدلا من المناظر الطبيعية، في ذلك الوقت لم أكن على علم بأنواعها، فهذه الطريقة أكسبتني قوة في تقدير نسب الحروف الصحيحة، وفي المرحلة الإعدادية اطلعت على كتاب للخطاط هشام البغدادي وبدأت في محاكاة خطوطه والتعرف على أنواعها، واستمر الحال بالاطلاع على الكتب في هذا المجال، فتعلمت تعليما ذاتيا فكانت تلك مهمة شاقة إلا أنها أعطتني خصوصية وتفردا والسبب في ذلك لأن الأساتذة في ذلك الوقت لا يقبلون من تلميذهم إلا أن يسير وفق منهجهم ويسلك طريقتهم، ولا يعطونه مجالا ليعبر ويبدع، فتنقلت بين حدائق الخط دون وصاية من أحد فظهر خطي يحمل أسلوبي وشخصيتي.
*هل هناك نوع معين من أنواع الخطوط تميل إليها نفسك؟
ليس هناك منزلة لخط دون آخر، ولكن هناك خطوط أكثر مطاوعة في العمل التشكيلي، فالخطوط تتفاوت في ذلك، وأكثر الخطوط مطاوعة الديواني والديواتي الجلي، فأميل إليها في التشكيل لأن حروفه قابلة للمد والقصر والاستدارة، حروفه أقواس من دائرة، والدائرة حركة لا تنتهي، وتكويناته لا نهائية, ومن الخطوط كذلك الثلث ذلك الخط العظيم الذي يعبر عن تاريخ الأمة الإسلامية والعربية فهو مطواع كذلك وقوي جدا, أما بقية الحروف فهي أقل مطاوعة وتشكيلا.
* تحكم الخط العربي قواعد محددة ومقاييس ونسب ذهبية، هل هذه القواعد تشكل عائقا أمام المبدع؟
قواعد الفنون بشكل عام وليس الخط فقط وضعت لضبط الجمال لا لتقييده، وهناك فرق شاسع بين التقييد والضبط، فالضبط الهدف منه صيانة الخط، وليس الحبس, فالشعر مثلا يسير وفق بحور محددة ومن اسمها تظهر لنا المساحة الواسعة والحرية المفتوحة للمبدع ليقول ويعبر بطريقته وفق هذه المنظومة، أما غير المبدع فيرى أن البحور أقفاص تحد من حريته وتعطل مجال الإبداع لديه، لكن الخطاط المتمكن لا تقف هذه القواعد أمامه فهي قابلة للتجديد, لأن فن الخط فن تجريدي ليس منقولا من الطبيعة ولا يشبه شيئا حسيا، فحروفه لدى الخطاط متكونة في عقل معتق بالرؤى الجمالية، وهذا ما يجعلها مجالا خصبا للإبداع وقابلة للتطور والتجديد.
*ظهرت في العصر الحديث الكثير من الخطوط التي تنفذ بالكمبيوتر، هل ترى أن ذلك سيقضي على مستقبل الخط؟
البرامج الخطية التي تقدمها أجهزة الكمبيوتر بمختلف أنواعها ودرجة إتقانها عالم آخر لا علاقة له بفن الخط القائم على حركة اليد وتوافقها مع ما تختزنه العين والدماغ، بل إن هذه الخطوط الموجودة لها أثر سلبي على جماليات الخط, لأن العاملين على تلك الأجهزة ليسوا بخطاطين فيقومون بعمليات مد أفقي وعمودي وشد لليمين والشمال ليتناسب الخط مع المساحة المحددة للكلمة أو الجملة، وهذا من الجرائم في حق الخط العربي لأن المسافات بين الكلمات والارتفاع نسب ذهبية لا يمكن اللعب فيها ، كما أن هناك علاقة بين الخط والخط الذي قبله من مد وتطويل, لأن تناسق الحروف مع بعضها لا تدرك إلا ذوقا ومعرفة وخبرة و كذلك حسب الحالة النفسية لدى الخطاط، وخلاصة القول الخط فن وإحساس ومشاعر ولا يمكن للآلة مهما أوتيت من مهارة أن تقوم مقام الإنسان.
* هل تستغرق اللوحة وقتا لكتابتها؟
إنجاز اللوحة أحيانا يتم في يوم واحد وأحيانا أخرى تستغرق شهرا أو أكثر وهي أمامي غير مستقرة والفكرة ليست واضحة بل قد تمتد لسنوات قبل أن أجد الفكرة، وفي حالة التجلي والصفاء الذهني يكون القلم أسرع من اليد والعكس صحيح وفي تلك الحالة أترك القلم حتى تأتي الفكرة فيما بعد.
* ماذا عن الحركة الخطية في الوطن العربي ومستوى الخطاطين؟
يعيش الخط العربي هذه الفترة حالة ازدهار، ففي كل عام تقام المسابقات وخاصة تلك التي تشرف عليها منظمة المؤتمر الإسلامي التي تتخذ من تركيا مقرا لها مثل هذه المسابقات تخرج عددا من الخطاطين المبدعين، وهذا يبشر بالخير، فهناك حركة خطية مزدهرة, إلا أننا نجد أربابها من الطبقة المتوسطة فهم يواجهون مصاعب الحياة ويصعب عليهم التوفيق بين إبداعهم ومتطلبات المعيشة، فالتكريم لا يأتي إلا في سنوات متباعدة ويكون التكريم رمزيا لا يرضي ولا يعين هذه الفئة التي تحمل تراث أمة فهم محتاجون لتكريم مادي يغنيهم ويجعلهم يتفرغون لإبداعهم.
*هل من كلمة توجهها للخطاطين المبتدئين؟
الخط صعب التمكن سهل التفلت فهو يحتاج إلى العمل والمثابرة والاستمرار والاطلاع على المبدعين في هذا المجال وعدم النظر بتعال والقناعة بما تخطه اليد, ففي كل يوم يخرج مبدعون, فمتى ما رأى الخطاط في نفسه أنه وصل لمرحة ومستو عال تكون هي النهاية، فأقول للمبتدئين والخطاطين المعروفين العمل المتواصل هو الطريق للإبداع والرقي بالمستوى, ويقول أحد الخطاطين حيث كان يقوم بنسخ المصاحف كل يوم يرتاح يوم الجمعة، فكان يقول لو عرضت علي خطوطي التي كتبتها لعرفت أي خط كتب يوم السبت فهو أضعفها لأنه جاء بعد يوم إجازة.

الأكثر قراءة