الصورة السلبية لعمل المرأة في وسائل الإعلام تجعل المجتمع يرفض عملها
أرجع خبراء في التنمية وعلم الاجتماع والنفس عدم قبول المجتمع بكل أفراده والفتيات بشكل خاص عمل المرأة في كل المهن المتاحة إليها إلى طبيعة الصورة التي تنقلها وسائل الإعلام المختلفة عن المرأة، والتشويه المتواصل الذي يتعرض له العمل النسائي في الإعلام.
وقال لـ"المرأة العاملة" عدد من الخبراء إن وسائل الإعلام العربية ركزت على الدور السلبي لعمل المرأة ولم تبرز الدور الإيجابي له، حيث أظهرت الدراسات الحديثة أن وسائل الإعلام تركز على إبراز صورة المرأة الجميلة بنسبة 76 في المائة من الذي تعرضه عن السيدات العاملات.
كما تظهر الدراسات أن الكاريكاتير لعب دورا سلبيا في عدم قبول المجتمع المهن الجديدة وتصوير المرأة العاملة على أنها تعتمد على المؤهلات الشخصية للحصول على المناصب، منوهين بأن هذا أدى لعدم ترسيخ ثقافة العمل لدى جيل الفتيات ودخول الكثير منهن العمل كنوع من التسلية وليس بغاية الاستمرار والعطاء.
وبينت الدكتورة وفاء الرشيد خبيرة التنمية في الأمم المتحدة أن الخطاب الإعلامي العربي مناقض ومتناقض، إذ إن الخطاب الدرامي تحديدا يعتبر المرأة مؤدية لوظائفها التقليدية أو مستهلكة فقط، مشددة على أن البرامج النسائية تلعب الدور الأكبر في عدم ترسيخ ثقافة العمل لدى الشابات وبقاء الكثير منهن دون هدف تنموي يرغبن في تحقيقه، بحيث تركز على موضوعات الأزياء والموضة والتجميل وفنون الماكياج وتستحث المرأة على الاهتمام بجمالها باعتبارها عدتها في الحياة, وبالتزين كأداة لجذب الرجل, وعلى كيفية إعداد الطعام وبهذا فإن الفتاة لا يتكون لديها مسؤولية وإحساس بقيمة العمل وقدسيته.
وهنا تقول الرشيد " إذا رغبنا في الرفع من مساهمة المرأة في سوق العمل فعلى وسائل الإعلام إيلاء اهتمام أكبر بإبراز الصورة الإيجابية والناجحة لعمل المرأة وعليها بالتعاون مع المناهج التعليمية لخلق هدف واضح للفتاة الشابة وترسيخ مفهوم أن العمل هو خدمة مجتمع وليس بوابة مرور وقضاء وقت.
على الجانب نفسه أظهرت إحدى الدراسات الإعلامية الحديثة قلة الشخصيات النسائية التي تناولتها وسائل الإعلام وتركيز تلك الشخصيات على وظائف تقليدية للمرأة مثل صورة ربة المنزل أو صورة الطالبة، إذ كانت نسبة الشخصيات النسائية 33 في المائة بينما نسبة الشخصيات الرجالية عموماً 67 في المائة.
وتشير الدراسات إلى أن أكثر الوظائف التي قدمتها الشخصيات الدرامية هي 11.6 في المائة لربة منزل و9.9 في المائة طالبة ولم تتعد نسبة المرأة المناضلة والباحثة والمبدعة 0.8 في المائة في الصحف و0.76 في المائة في المجلات.
ووصف تقرير التنمية الإنسانية الأخير " نحو نهوض المرأة في الوطن العربي" ملكية وسائل الإعلام السياسية والإخبارية بأنها معقل للرجال وأشار إلى أن اهتمام النساء العربيات بالإعلام مازال محصورا بشواغل مثل الطبخ والتدبير ومواد التجميل بحيث يظل عدم التركيز على ثقافة وقيمة العمل بالنسبة للمراة ودورها الإيجابي عائقا لنهوض المرأة ومساهمتها بفعالية في المجتمع.
في المقابل أوضحت الدكتورة هويدا عبد المنعم إخصائية علم الاجتماع أن مشكلة الفتاة هي أنها نشأت منذ الصغر وهم يقولون لها إن النهاية إلى البيت والأسرة حيث لا توجد طموحات أخرى إمامها، قائلة إن هذه التنشئة لعبت دورا في عدم إحساس الشابات بقيمة العمل الحقيقية ودخوله من باب التسلية أو المال فقط وليس لفائدة المجتمع والمساهمة في تنميته.
وقالت الدكتورة هويدا إن وسائل الإعلام لعبت دورا أيضا فهي عادة تظهر المرأة لعاملة إما كونها لعوبا أو فاشلة أسريا وهذا ما دفع الكثيرات للاعتقاد أن مسيرة العمل يتعارض مع الزواج وأن العمل بوابة ومرحلة مؤقتة وليست دائمة.
وتقترح إخصائية علم الاجتماع لمعالجة المشكلة، تدعيم ثقافة العمل في المناهج وترسيخ أن العمل هو واجب لخدمة الوطن والمجتمع، إضافة إلى تركيز وسائل الإعلام على إبراز النواحي الإيجابية لعمل المرأة وتسليط الضوء على المهن المختلفة وغير التقليدية التي من الممكن أن تخوضها المرأة وألا يلعب دور المستهجن والمستنكر مثل أفراد المجتمع للمهن غير التقليدية فالإعلام جزء من رسالته تربوية وتثقيفية.
وهنا يرى الدكتور خالد العيد متخصص في علم النفس أنه من الناحية النفسية لا يمكن أن يتكون لدينا جيل من الفتيات واع لقيمة العمل ومحدد لهدفه منه دون أن نزرع فيهم من الصغر هذا الشعور، مشيرا إلى أن نحو 80 في المائة من فتيات الجيل الحالي يفتقدن هدف العمل وطموحا يسعين إليه.
ونوه العيد بأن المشكلة الأكبر هي أن وسائل الإعلام والبيت والتي من المفترض أن تقود المجتمع وتغير تفكيره فإنها ترسخ هذا الأمر بإظهار المرأة العاملة على أنها فاشلة أسريا أو إظهار الفتاة العاملة بصفة لعوب، مشددا على أهمية تغيير تعامل وسائل الإعلام بإظهار المرأة العاملة بجدية وترسيخ ثقافة العمل في المناهج قبل أن نطلب من الفتيات بأن يكون لهن هدف في الحياة.