هل بدأ الصدام المسيحي ـ الصيني؟

[email protected]

يقوم الدكتور ويليامز كبير أساقفة كانتربري بزيارة للصين هذه الأيام. ورغم أهمية الرجل والمكان الذي اختاره للزيارة إلاأإنها لم تحظ بتغطية إعلامية صاخبة, وكبير أساقفة كانتر بري هو رأس الكنيسة البروتستانتية ويناظر بابا الفاتيكان في الكنيسة الكاثوليكية بابا الكنيسة والارثوذكسية في مصر. كما أن الكنيسة البروتستانتية هي راعية المسيحية في دول مثل إنجلترا، الولايات المتحدة، ألمانيا، بلجيكا، هولندا، كندا، وأستراليا، وهي كما نرى دول ثرية وقوية لها أنياب ومخالب. ولذلك عهد للكنيسة التي تضم هؤلاء الأثرياء الأقوياء باختراق الصين، والإسراع "بإنقاذ" الإخوة المسيحيين. تتمثل مشكلة الصين مع المسيحية في أن حكومة بكين ومنذ ثورة ماوتسي تونج 1949 تعتبر الأديان مجرد ثقافات، وتجري لها احتفالات مبهرة تشهد ألوانا من الرقص والغناء، وتستعرض فيها كل ثقافة فنونها وملامحها الخاصة ولا ينبغي أن تتجاوز أي ثقافة هذا الإطار لإثبات تميزها، وإلا فإنها تكون قد حاولت اجتياز الخط الأحمر وعبرت إلى آفاق التحدي السياسي، حيث إن العقيدة الشيوعية هي الدين الوحيد الذي اختاره ماو أما غيرها فهو في حساب ما أطلق عليه أفيون الشعوب.
من هذا المنطلق العقائدي بدأت مناطق الصدام حيث تأتي زيارة ويليامز بناء على شكاوى المسيحيين الصينيين من قيام السلطات الصينية بعدة تجاوزات هي:
أولا: هدم الكنائس التي تم بناؤها دون ترخيص والتي تسميها السلطات " كنائس غير مسجلة unregistered.
ثانيا: تعويق عمل بعثات التنصير وإحراق كتبهم وموادهم الدعائية.
ثالثا: اعتقال الناشطين المسيحيين وسجنهم لممارسة أنشطة مخالفة لتوجهات الدولة.
وقد أعلن الدكتور ويليامز أنه وصل إلى الصين حاملا في حقائبه صورا لعمليات القمع والاضطهاد والاعتقال، وأنه يتمني أن تستجيب الحكومة الصينية لطلبه بإطلاق سراح المعتقلين والتصريح ببناء الكنائس، والسماح لبعثات "التبشيرmissionaries" بالعمل.
ويبلغ عدد المسيحيين الصينيين حسب تقديراتهم وتقديرات الجهات الغربية ستة عشر مليون صيني، وفي ضوء تعداد الصين الأخير فإنهم قطرة في بحر قوامه مليار وثلاثمائة وخمسون مليار نسمة، بينما يبلغ عدد المسلمين 70 مليونا، منهم 40 مليونا من قومية الايجور وحدها. ولكن الحكومات الغربية التي لا تتوقف عن المطالبة بإخراج الدين من الحياة، والفصل بين الدين والدولة خاصة في الدول الإسلامية، تبذل جهودا تنصيرية ودعائية هائلة تتكلف ما يصل إلى 20 مليار دولار سنويا لاختراق القلاع السكانية مثل الصين، الهند، باكستان، وجمهوريات وسط آسيا (أوزبكستان- كازاخستان"تحقق فيها نجاحا كبيرا" ـ قرقيزيا، تركمانستان- أذربيجان وطاجكستان)، مع الاستمرار بأساليب جديدة مع الأفارقة الذين كانوا على امتداد القرون الخمسة الماضية هدفا أساسيا للكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية.
والمتابع لهجمة البابا الكاثوليكي بنييدكت السادس عشر على الإسلام والحملة المنسقة للهجوم على رموز الإسلام وتسفيه الدين في الدنمارك، النرويج، فرنسا، وهولندا مع الاختراق البروتستانتي للصين وإيقاظ ثورة التبت البوذية من بين جمرات خامدة، كل ذلك لا يدع مجالا للشك أن هناك فورة مسيحية جامحة لضرب الإسلام من ناحية واستقطاب أنصار في مواقع غير تقليدية وغير مؤهلة مسيحيا. والبطاقات الأساسية التي تشهرها الحملة تتمثل فيما يلي:
أولا: منظمة التجارة العالمية الحرة، وهي خنجر موجه لصدور من يخالفون الدول الغربية، وتأكيد على تلاحم الرابطة بين المسيحية والغرب، على عكس ما يدعي الغرب من انه علماني ولا يدخل الدين في أمور السياسة. وقد يفعلون ذلك في بلادهم ولكنهم يخرجون مدعومين بالبلايين لفرض دينهم على العالم كله.
ثانيا: التهديد بتأليب الأقليات والصين بها اثنتان وثلاثون قومية مهمة وبها تسعة وعشرون إقليما جغرافيا ولها ملفات سياسية مخيفة ونائمة مثل ملف التركستان الصينية (سينكيانج) وملف الايجور وملف الفولاج وملف التبت والملف المسيحي وغيرها، وتهدد دول مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، والصين، بإشعال النيران الداخلية وتأجيج حرب أهلية، قد تقضي على معدلات النمو الصيني الكبيرة التي تؤرق الغرب، خاصة بعدما أصبحت أكبر عميل يشتري النفط لتغطية متطلبات التنمية الهائلة، مما خفف الضغط عن الدول التي ترى واشنطن عزلها والضغط عليها مثل إيران وكوريا الشمالية.
ثالثا: البطاقة الخالدة التي تشهرها الدول الغربية وهي ورقة حقوق الإنسان، ولذلك لم يكن مستغربا أن تبدأ حملة عالمية ضد قيام الصين بمراقبة الإنترنت ومصادرة وإلغاء مواقع عديدة ويتبع ذلك استنكار غربي هائل، مع أن تجارب أبو غريب وجوانتانامو ومراقبة مواقع الإسلاميين من قبل الأمريكيين تؤكد أن الممارسة واحدة.
إن ما أعلنه صمويل هنتنجتون عن صدام الحضارات (ولا ندري من الذي كتب هذا الكتاب في هذا التوقيت لتبدأ حرب ضد العالم الإسلامي في أفغانستان والعراق وكافة أعداء اليهود) وأن الحضارة الغربية ستقع في حرب حتمية ضد الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية، يظهر لنا واضحا بعد بداية الحملة المسيحية ضد الصين. لقد كان من المقرر تأجيل الاختراق الصيني ولكن النمو الكبير والتفوق الاقتصادي ورفض الصين الاستفزازات المتتالية للصدام المبكر، جعله آلة الصدام تسرع بالاتجاه نحو الصين، فضلا عن أن الساحة الإسلامية أثبتت أنها ليست نزهة سريعة عابرة، بل ثبت أنها سوف تستغرق عشرات السنين، مما يفسد جدول أعمال مؤججي الصراع ومفترضي صحة أفكار هنتجتون وفوكوياما.
ومع التسخين الكوري والعناد الإيراني والورطة العراقية والمستنقع الأفغاني، وجه الغرب أسلحته مؤقتا إلى الصين التي حققت بالسلم نجاحات هائلة، فحصلت على هونج كونج وماكاو من البرتغال وتهيمن على جنوب شرقي آسيا اقتصاديا ولها جالياتها الثرية في ربوع الكرة الأرضية، ورفضت الصدام مع الهند التي يدعمها الغرب مقابل استفزاز الصين وإيقاظ مشكلة الحدود في التبت. كل هذه العوامل تجعلنا ننظر شرقا ونتابع رحلة الدكتور ويليامز التي ترمي إلى التصوير والتشخيص وتحديد أبعاد الموقف، ليلقي بأوراقه عند عودته أمام حكومته وليبدأ مهرجان دعائي مسيحي عن الاضطهاد الصيني. فيضاف إلى حملات حقوق الإنسان والإغراق الاقتصادي وقمع الرأي الآخر لأعداء الرأي العام الغربي الساذج الذي يتحرك بالريموت كنترول ليتقبل العدو الجديد. وما علينا إلا مراجعة سنوات ما قبل الصدام الأمريكي - الإسرائيلي بالعالم الإسلامي، لنعلم أن ساحة جديدة يجري إعدادها.
ويبقى الدين في يد الغرب ورقة لا معنى لها، تستخدم للتبرير وتحقيق الأهداف، ولا يستحي الإنجليز والأمريكيون من معاملتهم للمواطن الصيني في بلادهم، حيث يمنع من كل شيء إلا الطعام والشراب، وهو دائما معرض للقمع والاستجواب وزيارات الأجهزة الأمنية، مع ذلك يحظى بالشق الأعظم من النقد والتحريض من جانب أجهزة الغرب الإعلامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي