البنك المركزي الأوروبي يخطط لتأسيس قاعدة للصفقات الأوراق المالية

البنك المركزي الأوروبي يخطط لتأسيس قاعدة للصفقات الأوراق المالية

مجرد التفكير في تأسيس قاعدة أساسية تحت اسم (تارجت تو سيكيوريتيس) لغرض إتمام صفقات الأوراق المالية، يزّج بالبنوك المركزية الخاضعة لنظام العملة الموحدة يورو في منطقة خطرة. فهناك الكثير من التفاصيل الضرورية التي مازالت غامضة، ناهيك أن أول قرار في هذا الشأن مازال ينتظر دوره في مجلس البنك الأوروبي المركزي (ECB) للنظر فيه حتى عام 2007. لكن جميع الدلائل تشير إلى أن البنوك المركزية في أوروبا تسعى إلى توسعة أعمالها. وفي هذه الحالة ينبغي على البنك المركزي الأوروبي أن يستنبط الحملة الهجومية من مهمته التي تتمثل في تمهيد الطريق بصورة انسيابية سلسة أمام أداء عمليات أنظمة الدفع. ومما لا يدع للشك مجالا، هو أنه في صفقات الأوراق المالية المنظمة في القطاع الخاص توجد احتياطات فعالة كبيرة يجب رفعها. والسؤال الآن هنا، هل هذه مهمة البنك المركزي الأوروبي ؟
لأسباب تعود إلى التاريخ القديم، يتم في الأغلب إنجاز صفقات الأوراق المالية في منطقة اليورو على المستوى المحلي. فهناك ما يقارب عشرين مركز حفظ رئيسيا، مهمتها تسجيل الأوراق المالية والتأكد من أن مشتري السهم أو القرض قد حصل على أوراقه المالية وأن البائع قد حصل على نقوده. هذه الأعمال منظمة كثيرا على المستوى المحلي بصورة احتكارية، كأثر ناجم عن المصالح المتناسبة في الحجم. لهذا السبب كانت مراكز الحفظ قديما تتعامل بصفة المعاونين للاقتصاد المالي كما هو الحال مع (اتحاد الصناديق الألماني). وفي يومنا هذا توجد العديد من الشركات ذات توجه ربحي تعمل في هذا القطاع مثل البورصة الألمانية مع شركتها الفرعية كليرستريم Clearstream. هذه النماذج المختلفة في تشكيلة مراكز الحفظ تُصعّب من مسألة الدعم والاتحاد على المستوى الدولي، حيث إن هناك القليل من مبادرات القطاع الخاص - كمبادرة مركز الحفظ الرئيسي (يوروكلير) Euroclear - والتي من شأنها توفير المزيد من الفعالية على النطاق الدولي.
الجزء الأكبر من صفقات الأوراق المالية تُنجز في ما يسمى "نقود البنك المركزي"، هذا يعني، أن عمليات الدفع تتم عبر أرصدة تتملكها بنوك الأعمال في بنوك الإصدار. هذا يضمن لبنوك الأعمال الكثير من الأمن والحماية، ويشترط في الوقت نفسه تدفق المعلومات ما بين الأرصدة المالية لبنوك الإصدار وأرصدة الأوراق المالية لمراكز الحفظ. وفي دول منطقة اليورو تتدفق في العادة هذه المعلومات عبر نقاط اتصال لأنظمة الحساب. ما عدا فرنسا، فهي تتبع طريقا مختلفا: ففي عام 1998 نقل بنك فرنسا Banque de France جزءا من إدارة الأرصدة المالية للبنك المركزي. في هذا النموذج المتكامل الذي انتهجته فرنسا يتم إنجاز الجانب النقدي وجانب الأوراق المالية لإحدى الصفقات من خلال قاعدة رئيسية في مركز الحفظ الأوروبي (يوروكلير) مما سيوفر في التكاليف. وحسب ما أفاد به البنك الفرنسي لم يتأثر استقرار أسواق المال من جراء ذلك.
ويخطط نظام العملة الموحدة بتطبيق مثل هذا النموذج المتكامل للصفقات في أموال البنك المركزي. حيث ينبغي أن تندمج جميع أرصدة مراكز الحفظ من أوراق المال مع أرصدة أموال البنوك المركزية في جميع منطقة اليورو على أساس القاعدة الرئيسية ( تارغت 2 سيكيوريتيس)، بيد أن هذه القاعدة لن تتم إدارتها من قبل القطاع الخاص، بل من نظام العملة الموحدة. هذه المبادرة قد يكون لها فوائد، فأولا السيولة النقدية سترتبط في هذه الحالة بحزمة مكثفة، كما أن التكامل المتعثر لصفقات الأوراق المالية سيندفع بهذه الطريقة إلى الأمام من الناحية الفنية. بالإضافة إلى ذلك ستسعد بنوك الأعمال لأن السلطة الاحتكارية التي في يد مراكز الحفظ، والتي يحاول بعض المراكز منها الدخول في قطاع الأعمال البنكية، تلك السلطة سينقطع دابرها بتأسيس القاعدة الأساسية. إلا أن هذا النموذج له ميزات سلبية، فالقاعدة الأساسية لا تشمل دول الاتحاد الأوروبي التي لا تتعامل بعملة يورو، مما سيؤدى إلى تضخم الحاجز العائق أكثر فأكثر. ومن المحتمل، أن يكون على البنك المركزي الأوروبي الخضوع في إدارته للقاعدة الأساسية (تارغت تو سيكيوريتيس) تحت إشراف لجنة مراقبة ماليـة. والسؤال هنا أيضا، هل يريد البنك المركزي الأوروبي هذا فعلا؟
الريبة والقلق في هذه المسألة هما بالدرجة الأولى نابعان من سياسة الطبيعة التنظيمية. فهكذا يساور الشك والريبة بعض المصرفيين من بنوك الإصدار، إذا ما كان نظام العملة الموحدة سيعمل فعلا على دعم البنية التحتية لسوق يعمل هو أصلا فيه. بالإضافة إلى ذلك، سينتزع البنك المركزي الأوروبي من مراكز الحفظ جزءا من أعماله، ويتدخل بذلك في سوق خاص لا مكان فيه للعجز والتخاذل. ويبرّر البنك المركزي الأوروبي خطوته من باب توفير التكاليف. ولكن، كم ستكون سعة ومدى هذا التوفير، يبقى أمراً غير معروف، حيث إنه من أجل الصفقات في أموال بنوك الأعمال يجب على الاقتصاد المالي أن يواصل الحفاظ على بنية تحتية للصفقات. كما أنه في اقتصاد مثل اقتصاد السوق من واجب الشركات الخاصة، وليس المنشآت العامة، رفع قيمة الاحتياطات الفعالة. ولهذا، لا ينوي الاتحاد الأوروبي توفير شبكة تلفونات، وكذلك الحكومة الألمانية لا تعتزم تقديم خدمات عبر الإنترنت.
ويجادل البنك المركزي الأوروبي، بأنه هو الوحيد القادر على تقديم قاعدة أساسية متكاملة ذات فعالية جدية. هذه الحجة تصّح طبعا فقط، لأن بنوك الإصدار تريد أن تحتفظ أو - كما في حالة فرنسا - تسترجع كامل السيطرة على أرصدتها. وبهذا سيكون رئيس البنك المركزي "جون - كلود تريشيه" قد تراجع عن قراره الذي أصدره بصورة مخالفة لما أصدره محافظ بنك فرنسـا. ويؤيد هذا الحديث بضع نقاط، ليس آخرها الحاجة الماسة إلى مساعدات سيولة حكيمة في حالة الأزمات. ولكنها في الوقت نفسه ليس سببا كافيا لأن يقوم البنك المركزي الأوروبي بتأسيس بنية تحتية يديرها باستمرار، وليس سببا مقنعا لأن تتقدم كذلك بنوك الأعمال ومراكز الحفظ الرئيسية على مستوى منطقة اليورو في أوروبا أجمع وترتبط عبر نقاط اتصال مع أنظمة الحساب لنظام العملة الموحدة. مثل هذا الحل الذي يتعلق في الأساس باقتصاد السوق يصعب تحقيقه، حتى وإن كانت الفائدة المرجوة لا تكلف إلا قاعدة أساسية متكاملة واحدة فقط. ولكن هذا الحل في المقابل يقدم جميع الفوائد والمميزات للمنافسين من القطاع الخاص في خضم النزاع حول الحل الأمثل.
على خلاف نظام الدفع الرئيسي المرتقب (تارغت توTarget 2) فإن القاعدة الأساسية لصفقات أوراق المال (تارغت تو سيكيوريتيس) غير مفروضة على السياسة النقدية. فليس من الواجب على البنك المركزي الأوروبي دعم تداول القروض والأسهم من أجل تأمين الاستقرار للعملة الأوروبية الموحدة. في يومنا هذا، تنتقل شبكات الاتصال الهاتفية، وخطوط السكة الحديد، وكذلك شركات تزويد الطاقة والمياه من يد القطاع العام إلى يد القطاع الخاص، وذلك من أجل استغلال ما يمكن استغلاله من فوائد المنافسة في الأسواق. وحتى البنوك المركزية يجب عليها مراجعة مدى فهمها لنفسها، فالمنافسة اليوم ليست محصورة على شريط واسع عام من البنية التحتية، بل إن المنافسة اليوم أيضا على النيل من تلك البنية التحتية. فكما هو منطقي أن يزاحم نظام العملة الموحدة على تكامل صفقات الأوراق المالية، أيضا هي من مسؤولية الاقتصاد المالي وحده أن يرعى البنية التحتية لأعماله.

الأكثر قراءة