تقرير مصرفي: بقاء جزء من الدين العام يشكل أحد أدوات السياسة النقدية

تقرير مصرفي: بقاء جزء من الدين العام يشكل أحد أدوات السياسة النقدية

أكد تقرير صحافي حديث عن ميزانية السعودية الأخيرة (2007)، أن بقاء جزء من الدين العام وبنسبة مقبولة إلى الناتج المحلي الإجمالي مهم لاستخدامه كإحدى أدوات السياسة النقدية حتى في حال وجود فوائض مالية ضخمة لدى الدولة.
وعلق التقرير الذي تلقت "الاقتصادية" صورة منه أمس، وتنشر أجزاء منه اليوم، على الميزانية الأكبر في تاريخ البلاد مبينا أنه يلاحظ حقيقة مفادها أن الميزانية لهذا العام هي انكماشية على صعيد النفقات، وذلك إذا ما تمت مقارنتها بالأرقام الفعلية لميزانية السنة السابقة 2006م. فعلى الرغم من تجاوز النفقات الفعلية النفقات التقديرية لسنة 2006م بنحو 55 مليار ريال عما هو مقدر، إلا أن تقديرات 2007م توضح توجهاً لتقليص الإنفاق وذلك بسبب النهج نحو تقديرات تتسم بالتحفظ للإيرادات النفطية كما ذكرنا.
معلوم أن مجلس الوزراء السعودي أقر الميزانية العامة للعام المالي الجديد 1427/1428هـ (2007م). تعد هذه الميزانية الأضخم على الإطلاق في تاريخ المملكة، حيث قدرت نفقاتها بـ 380 مليار ريال فيما قدرت الإيرادات بـ 400 مليار ريال بفائض قدره 20 مليار ريال.
معلوم أن السعودية توقعت وجود فائض لعام 2007م نحو 20 مليار ريال، وذلك مقابل فائض تقديري بلغ 55 مليار ريال وفائض فعلي بلغ 265 مليار ريال في ميزانية عام 2006.
وقال التقرير إن أرقام ميزانية العام 2006 تشير إلى تجاوز النفقات الفعلية ما كان معتمداً لها (الميزانية التقديرية)، مما يعبر عن حقيقة أن أوضاع الأسواق النفطية والإيرادات النفطية كانت مواتية وأن توجه الدولة نحو تقدير الإيرادات النفطية لايزال متحفظاً، وكما يتضح أيضاً من الميزانية التقديرية لعام 2007م. إن التحفظ في تقدير الإيرادات البترولية كان له ما يبرره إبان فترة العجز المالي المستمر في الميزانيات العامة وعندما كانت ظروف السوق النفطية مختلفة تماماً وغير مواتية، فأوضاع السوق النفطية الحالية توضح أن الطلب على النفط في نمو، والعرض منه محدوداً وسيستمر ذلك لفترة مقبلة غير قصيرةً.
وفي ضوء ذلك ومن الاستعراض والتحليل السابق لموازنة العام 2007م يلاحظ حقيقة مفادها أن الميزانية لهذا العام هي انكماشية على صعيد النفقات، وذلك إذا ما تمت مقارنتها بالأرقام الفعلية لميزانية السنة السابقة 2006م. فعلى الرغم من تجاوز النفقات الفعلية النفقات التقديرية لسنة 2006م بنحو 55 مليار ريال عما هو مقدر، إلا أن تقديرات سنة 2007م توضح توجهاً لتقليص الإنفاق وذلك بسبب النهج نحو تقديرات تتسم بالتحفظ للإيرادات النفطية كما ذكرنا. غير أنه يتوقع أن تكون النفقات الفعلية لعام 2007م أعلى من النفقات التقديرية للعام نفسه في ضوء اتجاه النفقات العامة في الموازنات الثلاث الماضية وذلك بسبب زيادة الإيرادات النفطية عما هو متوقع لها. فعند المقارنة بين الموازنات الفعلية والموازنات التقديرية للمملكة خلال السنوات الماضية نجد أن النفقات الفعلية تكون أعلى من النفقات التقديرية في حال أن الإيرادات النفطية أعلى من المقدر لها، والعكس صحيح.
وفي حين أن هذا التوجه نحو التحفظ في تقدير الإيرادات النفطية يساعد على تمويل النفقات المقدرة وتقليص العجز خلال فترات تراجع الإيرادات النفطية كما هو الحال خلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات، إلا أنه قد يعطي إشارات غير صحيحة للقطاع الخاص خلال الفترة الحالية؛ إذ إن الإعلان من قبل الدولة باحتمال أن النفقات العامة العام 2007م ستكون أقل منها في عام 2006م، وكما هو الحال خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ربما يفيد بتوجه مالي متحفظ من قبل الدولة وبما قد يلقي بظلال سالبة على مستوى ثقة القطاع الخاص في البيئة العامة للاستثمار خلال العام المقبل ويبرر نمو ناتج القطاع الخاص بأقل من المتوقع لعام 2006م رغماً عن وجود نفقات عامة فعلية عالية - وفي ظل التوقع باستمرار بقاء الإيرادات النفطية مرتفعة في المنظور القريب. وتتوافر عوامل أخرى أضعفت من نمو القطاع الخاص عما يجب أن يكون عليه ومنها الاختناقات الهيكلية التي عانت منها بعض القطاعات والأسواق المحورية (مثل البناء والتشييد وسوق العمل)، إضافة إلى التراجع الحاد في سوق الأسهم وأثره السلبي على المدخرات وخاصة تلك التي لصغار المساهمين، التي بدورها أدت إلى تحجيم الزيادات المتوقعة في الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الاستثماري للقطاع العائلي.
تحكم في تقليص الدين العام ومن جانب آخر، يستشف من ميزانية عام 2007م وكذلك الميزانية السابقة لعام 2006م بلورة توجه واضح نحو التحكم في وتقليص حجم الدين العام، حيث يلاحظ تحقيق فائض يبلغ 22.7 مليار ريال في الموازنة العامة لعام 2000م لأول مرة عندما ارتفعت الإيرادات العامة بصورة كبيرة، في حين عاود العجز ظهوره مرة أخرى في عام 2001م واستمر كذلك في عام 2002م. ومنذ عام 2003م اتجهت الدولة نحو تقليص الدين العام في ضوء التحسن الذي بدأ في السوق النفطية الذي انعكس بزيادة الإيرادات النفطية، وكان ذلك واضحاً لعام 2004م حيث تمت إراحة 46 مليار ريال من الدين العام ليتراجع إلى 614 مليار ريال، ثم انخفض مرة أخرى في عام 2005م إلى 460 مليار ريال. وحسب بيان الميزانية فإنه سينخفض خلال العام الحالي إلى 366 مليار ريال ليشكل ما نسبته 28 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
وبين التقرير المصرفي أنه ما من شك فيه أن التحكم في الدين العام سيقلص من حجم النفقات الحكومية الموجهة نحو تسديد خدمة الدين (العجز الثانوي) ويساعد على تفادي آثاره السلبية على الاقتصاد الوطني وعلى سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تنتهجها المملكة حالياً عبر آليات التخصيص وحفز الاستثمارات الأجنبية وتحسين كفاءة الأسواق والسعودة وغيرها من الإجراءات ويحرر المزيد من الموارد التمويلية لتلبية احتياجات القطاع الخاص الاستثمارية. إلا أن الدين العام يمثل في المقابل إحدى الوسائل المهمة التي تساعد على التأثير على الكتلة النقدية في الاقتصاد، وبالتالي على حجم النشاط الاقتصادي الكلي عبر آلياته وأدواته التمويلة المعروفة من سندات حكومية وغيرها. لذا فإن بقاء جزء من الدين العام وبنسبة مقبولة إلى الناتج المحلي الإجمالي مهم لاستخدامه كإحدى أدوات السياسة النقدية حتى في حال وجود فوائض مالية ضخمة لدى الدولة.

الأكثر قراءة