البيئة وأهميتها في الإسلام
البيئة وأهميتها في الإسلام
البيئة ليست قضية جديدة! إن مشروع تأسيس مركز للمعلومات البيئية الذي أعلن عنه خلال المؤتمر الإسلامي الثاني لوزراء البيئة في جدة، يضع الجميع في مواجهة التحدي للقيام كل بواجبة نحو المحافظة على البيئة وحمايتها للأجيال الحالية واللاحقة، فالمملكة بصفتها منبع الإسلام الحنيف وأرض الرسالة المحمدية فقد بدأ الاهتمام بالبيئة والحيوانات في مرحلة متقدمة، حيث إن البيئة جزء من تعاليم الإسلام منذ ظهوره فقد أعطى الإسلام الإرشادات في جميع المسائل بما في ذلك كيفية التعامل مع العالم المادي حولنا إضافة إلى المخلوقات الأخرى.
وقد ذكر الله في كثير من نصوص القرآن أنه خلق أشياء كثيرة في هذا الكون وسخرها لمنفعة الإنسان، يقول الله عز وجل في سورة لقمان (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة).
لهذا يفهم من ذلك دور البشرية في هذا الكون فقد أخبر الله المسلمين في القرآن الكريم عن دورهم هذا، حيث قال إن جعل من الناس خلفاء في الأرض، كما ذكر جل جلاله (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض)، لذلك يعتقد المسلمون أن الإنسان هو خليفة الله في الأرض وهو مطالب بأن يتصرف ويعمل وفق ما وجهه به من جعله خليفة له وأن يكون محل ثقة في تحمل هذه المسؤولية.
لذلك فالبشرية مطالبة بأن تستخدم وتدير ما تجده على هذه الكرة الأرضية وفق توجيهات الله، وبما أننا نسخر هذه الأشياء لمنافعنا فإننا ندين بواجب إظهار الشكر والحمد لله المعطي وأن نستخدمها حسب أوامره وليس ضدها.
لقد أخبر الله المسلمين بأن جميع الناس مستخلفون في الأرض ومديرون لها، كما أنهم جزء من هذا الكون، وأن المخلوقات الأخرى لها مجتمعاتها الخاصة مثلنا تماماً. قال الله تعالى في سورة الأنعام: "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم.." فالآية تشمل كل ما يعيش على هذه الأرض من دواب وطيور وخلافها كالتي تعيش في المياه كالأسماك والزواحف والحشرات إضافة إلى البهائم التي تمشي على أربع.
لقد خلقت جميع الأشياء في هذا الكون ضمن توازن دقيق وكما يقول الله عز وجل:"والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون"، إن المعادن في الأرض تفيد النباتات والنباتات بدورها تفيد الإنسان والحيوان. بعد ذلك يقوم الإنسان والحيوان بدعم النباتات بواسطة الفضلات وهي علاقة تبادلية بين المخلوقات، حيث إن فضلات فئة تكون مصدر طاقة لفئة أخرى، وهو ما يسمى في علم البيولوجيا الحديث بالنظام البيئي.
وبما أن الإنسان خليفة الله في أرضه فعلينا كخلفاء ومديرين في التواصل حيث يجب على الناس أن يتواصلوا مع الأشياء الأخرى في الكون وذلك بطريقتين:
الأولى في أننا نستخدم هذه الأشياء من خلال الإنتاج والعمليات الأخرى لغرض تحسين الحياة على هذا الكوكب, وهذا ما قصد به رب العزة عندما بين: إنه سخر للإنسان كل ما في السماوات وما في الأرض".
والثانية علينا أن نضمن الحفاظ على هذه العمليات في إطار الحدود التي خطها لنا الله العزيز الخالق حيث يجب أن نعي أيضا أن هذه الأشياء المخلوقة هي لأجل منفعة البشرية جمعاء وليس لمجموعة معينة على حساب مجموعة أخرى. وهي ليست لمنفعة البشرية اليوم على حساب مستقبل الأجيال القادمة لذلك يجب ألا تكون أي مجموعة من الناس تتصف بالأنانية بحيث تدمر الموارد والبيئة الخاصة بجميع البشرية، أو أن تسبب أي ضرر لها.
و الوقت ذاته فإن أي جيل من البشرية عليه ألا يقوم بأي فعل من شأنه تدمير أو إفساد هذه الموارد أو البيئة لحفظها للأجيال القادمة. وبما أن الجمال هو جزء من هذا التكوين الخلقي لرب العالمين، فإنه يجب السعي إلى ضمان حماية البيئة والحفاظ على صحتها وجمالها.
لهذا فإن الصيغة التي يجب أن نعود من خلالها على مخلوقات هذا الكون هي التفكير العميق بمعجزات الخلق العظيمة إضافة إلى المنافع التي نستخلصها منها، إذ يجب علينا أن نقدر ونجل آيات الله وصورة وحكمته ألا محدودة وقدرته العظيمة ورحمته ورعايته لكونه.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ألا يخبرنا هذا الشيء عن أهمية المخلوقات حسب ما علمنا الإسلام؟ بالتأكيد نعم!، إنه يخبرنا أن عناصر ومعجزات الخلق هي برهان قاطع على وجود الحكمة والقدرة والرحمة والتألق الإلهي. وهو ما يشكل سببا آخر يدفعنا للحفاظ على هذه النعم واستخدامها وفق المنهج الإلهي.
الإنسان في سعيه لإشباع رغباته المادية، عمل على اختراق هذه القوانين التي قصد منها المحافظة على البيئة، وهنا يقول الله عز وجل "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون".
أليست هذه العبارة صحيحة حتى في وقتنا الحالي؟ إننا نحن البشر وبسبب تعجرفنا وعصياننا قمنا بتدمير جزء كبير من بيئتنا، لكن رحمة الله وسعت كل شيء، فالله تعالى يذيقنا فقط بعض ما ارتكبناه من إفساد حتى نعي وندرك ونعود عن هذا الفعل الخاطئ .
أخيراً وليس آخرا اسمحوا لي بهذه الهمسة أو التوصية البسيطة فإنني أرى أنه لا بد من الاتجاه مباشرة إلى الجانب التطبيقي وذلك عن طريق تفعيل أنشطة أسابيع التوعية البيئية لمراجعة ما أنجز من حلول للمشكلات البيئية والسعي لدفع الوعي البيئي الفردي الذي سيكون له دور مهم في إنجاح حملات إعادة تصنيع النفايات للمساهمة في المحافظة على البيئة، وبالتالي الاستفادة منها اقتصاديا بطريقة عملية حديثة مما يسهم في المحافظة على مصادرنا الطبيعية سليمة من التلوث ويحافظ على جمالها الفريد لنا ولأجيالنا المقبلة بإذن الله تعالى.
ويقال إن هناك أربع مدارس فكرية حول البيئة والتنمية هي: الوقائيون: وهم من يرون وقف التنمية لوقاية البيئة، والمحافظون:من يرون إمكانية التنمية مع الحفاظ على البيئة بطرق انتقائية، والاقتصاديون: وهؤلاء يرون أنه لا يمكن منع التلوث من أجل البيئة لأنه يمكن إزالة التلوث البيئي بعد تحقيق العائدات النقدية، والاستغلاليون: وهؤلاء يرون المواصلة بلا تحفظ لأن البيئة قادرة على امتصاص التلوث عند حدوثه.
ونظراً لأن الشريعة الإسلامية قد نظمت هذه العلاقة فبينت الضوابط والتوجيهات التي تجعل علاقة الإنسان بالبيئة والتنمية على قدر كبير من الانسجام والتوازن، وبما أن علاقة الإنسان بالبيئة علاقة انتفاع، لذا يتعين الأخذ في الاعتبار في عدة أمور مثل: ضرورة الإلمام الكامل الكافي بالمعلومات والمفاهيم البيئية والمبادئ المرتبطة بها، التعرف على الجهاز البيئي وأسلوب التعامل معه بشكل إيجابي، معرفة إدارة أمور البيئة وتقديم النفع العام على الخاص، وبما أن الله سبحانه وتعالى سخر البيئة للإنسان، لذا يجب عليه أن يتعلم العلم الذي يستطيع بسببه الانتفاع ومعرفة طريق الاستفادة منها بطريقة إيجابية.
* مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.