القادم الجديد إلى "أوبك"

القادم الجديد إلى "أوبك"

القادم الجديد إلى "أوبك"

تسلم أنجولا مقعدها عضوا في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) ابتداء من الأول من كانون الثاني (يناير) المقبل يتجاوز الجانب الشكلي بانضمام دولة جديدة إلى عضوية المنظمة لأول مرة منذ عام 1975، وبعد تخلي دولتين عن عضوية المنظمة هما الجابون والإكوادور في العقد الماضي، رغم أن الأخيرة ترسل إشارات عن رغبتها العودة مرة أخرى إلى نادي المصدرين.
أنجولا تأتي وهي منتج صغير يسعى إلى زيادة حجم إنتاجه الذي يبلغ في الوقت الحالي نحو المليون ونصف المليون برميل يوميا، يخطط لزيادته إلى مليوني برميل في غضون عام، وهي بالتالي لم تعايش سنوات الجمر ومجابهة المنتجين للشركات الأجنبية وسعيها الدائم لتأكيد حقها السيادي في السيطرة على مواردها والعمل على توظيفها لخير مواطنيها.
دخول أنجولا نادي المنتجين والمصدرين وتبوأها المرتبة الثانية في القارة الإفريقية جنوب الصحراء بعد نيجيريا، تم بمساعدة من الشركات الأجنبية التي لمعظم أعضاء "أوبك"، خاصة تلك الدول المؤسسة جولات وجولات تاريخية من الصراع معها.
ونظرة على وجود تلك الشركات في أنجولا تعطي الانطباع بالمطالعة في سجل الشركات الأجنبية الكبرى التي تهيمن على صناعة النفط، فهناك الأمريكيتان "شيفرون تكساكو" و"إكسون موبيل"، إلى جانب "توتال فينا" الفرنسية، "بي. بي" أو "بريتش بتروليوم" سابقا البريطانية، "رويال دتش شل" البريطانية الهولندية، والإيطالية "أجيب".
هؤلاء عمالقة الصناعة، الذين لا يزالون ينظرون بأسى إلى خروجهم من ميدان العمليات الأمامية في الدول الأعضاء في "أوبك" قبل ثلاثة عقود من الزمان، ومع أن معظم تلك الدول فتحت كوة للشركات الأجنبية في شكل مشاريع مشتركة أو تقديم بعض الخدمات الخاصة بعمليات الإنتاج، إلا أن وضعها لا يزال هامشيا.
دخول أنجولا نادي مصدري "أوبك" يمكن أن تكون له انعكاساته من جانبين: أولهما أنها تدخل والمنظمة تتهيأ لسلسلة خطوات لخفض الإنتاج من أجل دعم الأسعار، الأمر الذي سيثير قضايا ثنائية بينها وبين تلك الشركات وهل يتم تقليص برامج التوسع في الطاقة الإنتاجية في أنجولا، أم تفعل كما تفعل بعض الدول الرئيسية في "أوبك" والاستمرار في التوسع لكن دون إرسال الكميات إلى السوق، وهو وضع لا ترضاه الشركات المشغولة بالحصول على عائد سريع لاستثماراتها خاصة وعينها على النتائج ربع السنوية التي تصدرها لمساهميها، وأهم من ذلك هل ستتحمل الشركات أي عبء وتخفض نصيبها من النفط المنتج أم يترك كل العبء لتتحمله الحكومة الأنجولية وحدها، وهي صاحبة القرار في اكتساب عضوية "أوبك". أما الأمر الثاني فيتعلق بالنظر إلى أي مدى يمكن لهذه الخطوة أن تفتح جسرا للتواصل بين "أوبك" والشركات النفطية ولو عبر أنجولا.
علاقة الدول الأعضاء في "أوبك" والشركات الأجنبية مرت بثلاث مراحل رئيسية: أولاها كانت السيطرة مطلقة للشركات على كل مفاصل العملية الإنتاجية التي يشير إليها التعبير السائد من فوهة البئر إلى محطة الوقود لتزويد المستهلك باحتياجاته. وكانت للشركات اليد العليا التي تجعلها تفتي وتقرر في أمر سعر البرميل الذي تنتجه ودون مشاورة لأصحاب الحق، وهو ما أدى إلى قيام منظمة "أوبك" عندما رأت الدول المنتجة أن عائداتها القليلة تلك يتم الانتقاص منها كلما حصلت في السوق تخمة ودون اعتبار لهمومها ومتاعبها المالية.
المرحلة الثانية وبدأت منذ أواخر الستينيات وتبلورت في مطلع السبعينيات عندما بدأ نوع من التشاور بين الاثنين فيما يخص وضع سعر البرميل، لكن تلك المرحلة انتهت عمليا مع اندلاع حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل، ومنذ ذلك الوقت أكملت الدول الأعضاء سيطرتها الكاملة على مفاصل صناعتها النفطية في بلدانها وتوجتها بسيطرتها على تحديد سعر البرميل منفردة، هو ما دفع إلى المرحلة الثالثة التي لا تزال مستمرة إلى اليوم بقسمات مختلفة أبرزها أن الشركات ليس لها دور في تحديد السعر وفي القرارات الأساسية الخاصة بالصناعة النفطية في البلدان الأعضاء في "أوبك"، ولو أنه تتم الاستعانة بها لشراكات على مستويات مختلفة.
خلال هذه الفترة جرت مياه كثيرة تحت الجسر. وفي منتصف عقد الثمانينيات اكتشفت "أوبك" أنها لا تستطيع وحدها ضبط السوق وتحمل عبء الدفاع عن الأسعار، فهناك منتجون آخرون من خارجها لا يتقيدون بأي ضابط سعري. ولهذا شهدت السنوات القليلة الماضية محاولات متعثرة لأحداث تنسيق بين المنتجين من داخل "أوبك وخارجها لتقاسم عبء خفض الإنتاج، وهي مجهودات لم يكن نجاحها واضحا للعيان.
على أن الشركات تبقى الضلع الثالث خاصة الكبرى منها وبعضها إنتاجه اليومي من النفط يتجاوز إنتاج بعض الدول الأعضاء في "أوبك"، فهل من سبيل لإشراكها في جهود السعي إلى إحداث استقرار في السوق النفطية، خاصة والكل له مصلحة في ذلك الاستقرار والحصول على عائد مجز من بيع براميل النفط التي ينتجها، كما أن تجربة الكثير من المنتجين في الاستقلال بصناعتهم النفطية لم تكن ناصعة خاصة في ضوء الحاجة الماسة إلى التجديد التقني وتوفير الرساميل لجعل الصناعة منافسة، وهو ما تملكه هذه الشركات.

[email protected]

الأكثر قراءة