هل تفرض بريطانيا رسوما على استخدام الشوارع لتخفيف الضغط المروري؟
تشتهر الشوارع في بريطانيا بالازدحام المروري الكثيف بالدرجة نفسها التي تعاني منها الشوارع في ألمانيا. وفي لندن هناك طريق (إم 26) السريع (M26) الذي يطوق العاصمة بشكل دائري، صحيح أنه تحت توسعته في بعض المناطق إلى ست حارات مرورية في كل اتجاه، إلا أن هذا الطريق السريع الذي يسمى أيضا طريق (أوربيتال Orbital) لا يزال مكتظا بالمركبات والسيارات. لكن يبدو أن الوضع قد يتغير قريبا بعد أن حصل وزير المالية جوردون براون أخيرا على دعم من أجل تطبيق خطته التي طالما أراد تنفيذها وهي فرض رسوم على استخدام الشوارع والطرق السريعة وهي خطوة تشبه ما هو مطبق فعليا في فرنسـا.
وكان رئيس مجلس إدارة شركة خطوط الطيران البريطانية ( بريتيش ايروايز) السابق سير رود ايدينجتون قد استنتج أن التكاليف الاقتصادية الناجمة عن الازدحام المستمر في الشوارع البريطانية على عاتق الناتج القومي الإجمالي سترتفع حتى عام 2025 لتصل إلى نحو 22 مليار جنيه إسترليني. ومع هذا التطور ستصبح 13 في المائة من إجمالي الحركة المرورية في العاصمة تسير على وقع متقطع بطيء. واقترح على الحكومة أن تخطط لفرض رسوم على استخدام الشوارع والطرق السريعة، وذلك من أجل تخفيف ضغط المرور. هذا وقد كان المخطط قد وُضع للتنفيذ في الدرجة الأولى على المدن الكبيرة، والطرق الحيوية المزدحمة التي تربط بين المدن الكبيرة وكذلك على الشوارع التي تؤدي إلى الموانئ والمطارات.
وإذا طبقت هذه الخطة ستزداد الأرباح في خزينة الدولة بما مجموعه 28 مليار جنيه. وتأمل الحكومة من وراء هذا المشروع تحقيق إيرادات مباشرة، ودقة أكثر وأمانا أكبر في نظام الحركة المرورية في البلاد، وتأمل كذلك في المساهمة في حماية البيئة من خلال تقليل عدد السيارات وبالتالي تقليل انبعاث الغازات التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري. وخلصت لجنة رود ايدينجتون إلى أنه في السابق كانت قوة الإنتاج لأي اقتصاد قومي تزداد مع التوسع في شبكة الشوارع والخطوط السريعة. ولكن ما نراه اليوم هو العكس. فاليوم تزداد قوة الإنتاج للاقتصاد القومي إذا ما تم تخفيف عبء الحركة المرورية، وبالتالي تشكيلها إجمالا بصورة أكثر أمانـا.
هذا الاقتراح المقدّم من سير رود ايدينجتون يعود في الأصل إلى مهمة أوعز بها له وزير المالية غوردون براون في مطلع الشهر الجاري لتقديم تقرير حول مستقبل البنية التحتية للحركة المرورية في بريطانيا، ويتوافق الاقتراح كذلك مع الخطط التي وضعتها الحكومة حيث من المقرر أن تطرح الحكومة البريطانية خطة ميزانية الدولة و تتضمن مشاريع جديدة مثل ما يسمى ـمشروع (الضرائب الخضراء) المفروضة من أجل حماية البيئة ورسوم استخدام الشوارع. وفي لندن العاصمة يتم تجربة تطبيق هذه الخطة منذ فترة، فهناك تبلغ رسوم استخدام الشوارع في داخل المدينة ما يعادل 12 يورو - وهذا بحد ذاته يخفف الازدحام المروري من جهة وفي الوقت نفسه يجلب النقود إلى خزائن المدينة.
وتعتزم لندن اعتبارا من شهر شباط (فبراير) المقبل توسعة المنطقة التي ستشملها الرسوم، كما أنه من المحتمل أيضا أن ترتفع الرسوم في أي وقت. وفي هذا الشأن توجد خطط من جانب الحكومة تزويد السيارات برقاقات الكترونية، بحيث يمكن مراقبة حركتها عبر الأقمار الصناعية، وبذلك يتم تدوين الرسوم المفروضة عليها واحتسابها من رصيد السائق في البنك، على حسب عدد المرات والأوقات والمناطق التي قاد فيها المواطنون سياراتهم.
ومن جانبه يقر ايدينجتون بأنه من أجل توفير تغطية شاملة لخطة رسوم استخدام الشوارع، يستلزم الأمر استثمارات عالية من جهـة، وتقنية متقدمة خالية تقريبا من العيوب من جهة أخرى. ولهذا يجب في البداية اختبار وتجربة المشروع قبل اعتماده. وعموما، هنالك استثمارات ضرورية جدا يجب تخصيصها من أجل حل مشكلات نقط التقاء طرق المرور. والهم الثقيل التي ترعاه بريطانيا حاليا في هذه المسألة هو مطار هيثرو الدولي الذي يعتبر أكبر مطار دولي في العالم. فحاليا تتأخر 28 في المائة من جميع الرحلات الجوية حوالي 15 دقيقة، وهذا يعد بالنسبة للمستوى الأوروبي رقما قياسيا مؤسفا. ويقترح سير ايدينجتون لحل هذه المشكلة تطبيق خطة "الأسلوب المختلط" (mixed mode) في مطار هيثرو. ووفق هذا النمط يتم فتح مدرج الهبوط والإقلاع بصورة ثابتة وفي الوقت نفسه أمام الطائرات المقلعة والهابطة، مما سيعمل على رفع سعة المطار بصورة واضحة. هذا ويذكر بأن الطائرات حاليا تستخدم مدرج هبوط واحدا في حالة الإقلاع.