الزنا الإلكتروني بين التحريم والتقويم

الزنا الإلكتروني بين التحريم والتقويم

تتعرض الأسر العربية اليوم لتحديات شتى، فهي ليست بمنأى عن التطورات العلمية والتكنولوجيا المختلفة التي تحمل في جوانبها الخير والشر معا، ولعل الإنترنت هي إحدى هذه التحديات التي تكاد تعصف بالكثير من القيم من جانب، وتثريه من جانب آخر.
لذا تقف الأسرة العربية منه موقفا محيرا، فهي تريد اللحاق بركب المعلومات والتطور التقني من جهة، وأيضا تبدي قلقا شديدا وخوفا من انفلات زمام الأمور من يدها وفقدانها السيطرة على أفرادها بسبب ترويج الإنترنت للمواقع الفاسدة والتافهة، التي تقود متصفحيها للوصول إليها عن طريق ضغطة زر.

حول أسباب انتشار العلاقات الإباحية عبر الإنترنت، التقت "الاقتصادية" محمد بن صالح القحطاني صاحب كتاب "فتيات في شباك العنكبوت"، فقال: إن من الأسباب التي يقع فيها بعض الشباب والفتيات في هذه الآفة هي من وجهة نظري الخاصة كالتالي:
1 ـ الحرمان العاطفي: فقد يقع بعض الأبناء في علاقة عاطفية عن طريق الإنترنت مع طرف آخر بسبب فقدان العاطفة في البيت، لعدم وجود الحب والحنان والاهتمام، وقد يكون في البيت مُهمّشا، فيبحث عما يسد هذه الحاجة، فهو أو هي سريع التأثر بالكلام المعسول وكلام العشق والغرام. يقول القحطاني: لقد حاورت كثيرا من الناس متناولا هذا السؤال: هل تستطيع أن تقول لأختك، أو ابنتك، أو أخيك أو ابنك كلمة "أحبك" أو تمدحهم في أي علم يقومون به، فأجابت الأغلبية، ما لم يكن الكل، بالنفي، فماذا نفعل في قلوب قاسية؟
وعلاج هذا السبب ـ من وجهة نظري ـ والكلام لمحمد القحطاني، هو أن نحسس أبناءنا بالحب والحنان والاهتمام، وألا يكون دور الوالدين هو توفير الأكل والشرب فقط؛ بل الحاجة العاطفية تتطلب أكثر من ذلك، فقد مرت عليّ قصص كثيرة لفتيات وشباب وقعوا في غيابة هذه الآفة بسبب الحرمان العاطفي، ونظرا لأن الوالد أو الوالدة لا يُسمعا الأبناء كلمات الثناء والإعجاب على أي عمل يقومون به مهما كان صغيرا، فأنا أعول على هذا السبب النسبة الكبيرة من انحراف الأبناء بنسبة 75 في المائة، و25 في المائة على باقي الأسباب.
 2 ـ الشك والثقة الزائدة: يجب على الآباء أن يحرصوا على أبنائهم، وأن يزرعوا الثقة بنفوسهم، ومراقبة الله تعالى قبل كل شيء، وألا نحسسهم بأننا نشك في تصرفاتهم، بل نزرع في قلوبهم الثقة، وأن نثق بهم، لكن ليست ثقة عمياء، وكما يقول المثل "حرّص ولا تخوّن".
 3 ـ أصدقاء السوء: ومن الأسباب أصدقاء السوء، فإن لهم دورا كبيرا في تضليل أصدقائهم، وإن صديق السوء يجر صاحبه إلى الهاوية، لقول النبي, صلى الله عليه وسلم ـ "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة"، فالرسول, صلى الله عليه وسلم, يحذر من الصديق السوء، فكم من قصة عشتها ضاع فيها الشرف والعفاف بسبب أصدقاء السوء.
 4 ـ الفراغ: إن الفراغ يلعب دورا كبيرا في حياة الأبناء، خاصة في هذه الآفة، فيجب الاهتمام من قبل الوالدين والمدرسة والمسجد في ملء هذا الفراغ، فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ "‏نعمتان ‏ ‏مغبون ‏ ‏فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"، فإذا زاد وقت الفراغ في حياة الأبناء ولم يمُلأ بالمفيد، فإنه قد ينجرف وراء شهوات النفس، فالنفس أمارة بالسوء.
 
كيف تصطاد الذئاب الإلكترونية فريستها

يقول القحطاني "ثمة طرق كثيرة يلجأ إليها الشباب للإيقاع بالفتيات والتغرير بهن عبر الشبكة العنكبوتية ومنها:
* عندما يسجل أحدهم في منتدى ما، يبدأ باختيار إحدى الفتيات، ليبدي اهتمامه بها عن طريق متابعته مواضيعها بالرد عليها، ثم يأتي أحد الردود ويكون قاسيا نوعا ما، ثم ما يلبث أن يرسل رسالة خاصة يقول فيها "أنا آسف على الرد القاسي، بصراحة أنا غلطان وردي هذا كان بسبب حالتي النفسية هذه الأيام، فيا ليت تقبلين عذري، وإن شاء الله لن أرد على أي موضوع لك؛ لأنه لم يعد لي وجه للرد على موضوعاتك". وبالطبع هنا يريد ذاك الشاب أن يستدر عطف الفتاة ثم ينتظر الرد، وإذا لم تنجح الخطة توجه إلى فتاة أخرى، وهكذا حتى يجد من هي ضعيفة نفس، ثم يحدث ما لا تحمد عقباه.
* البعض منهم تجده جريئا جرأة غير عادية، فتجده يرسل رسالة مباشرة إلى إحدى عضوات المنتدى، ويبدأ يهددها بأنه سوف يدخل على جهازها ويدمر كل ما فيه ويفضحها إذا لم تضفه إلى قائمة المحادثة الفورية لديها (الماسنجر)"، ثم ينتظر الرد وإذا لم تفلح هذه الطريقة توجه إلى غيرها.
* تجد أحدهم يرسل رسالة إلى إحدى العضوات، يقول لها "أنت بصراحة كتاباتك رائعة وأنا من المتابعين لكتاباتك ويشرفني أن أكون أحد الأعضاء الذين يردون على كتاباتك"، ومن هذا القبيل.
* هناك نوع في الغالب يكون "باله طويلا"، ويمكن أن ينتظر أشهرا لكي تؤتي طريقته بنتائج إيجابية، وتجده مرسلا أكثر من رسالة في المنتدى وبالطريقة نفسها لأكثر من عضوة، ولا يتورع في إرسال رسالة ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة.
* البعض تجده يسجل باسم فتاة ويبدأ بعد مدة يرسل رسائل لعضوات المنتدى، وبحكم أن اسمه أنثوي، تجده دائما يعرض "الماسنجر" عليهن ويقول لهن يشرفني أن أكون صديقتك، بعضهن يصدقن، وتجدها ترسل له عنوان بريدها الإلكتروني الخاص بها, وتقول "وأنا يشرفني أن تكوني صديقتي"، ثم يبدأ الخبيث في كشف أسرار تلك الفتاة وبعد مدة تجده يكشف عن نفسه، ثم يبدأ في الابتزاز، لا تستغرب فقد حدثت مثل هذه القصة، ولكن نحمد الله أن الأمر لم يطل، هؤلاء الذئاب طرقهم متعددة ووسائلهم متنوعة، فاحذري أختي.

ضوابط التواصل بين الجنسين عبر الإنترنت

ينصح أحمد سالم بادويلان، صاحب كتاب "ضحايا الإنترنت"، بعدم استخدام الصورة بأي حال "أولا لأن هذا ليس له حاجة مطلقا، فالكتابة تغني وتكفي. ثانيا لأن هذا مدخل عظيم من مداخل الشيطان في تزيين الباطل وتهوينه على النفس".
وقد يستغرب بعض الإخوة ويتساءل: هل هذه الفكرة واردة أصلا؟ والجواب: من الجيد ألا تكون الفكرة واردة، لكن الذي يعرف طرق الغواية ومداخل الشيطان على النفس الإنسانية لا يستغرب شيئا؛ بل أكثر من ذلك، لأن النفس المريضة أحيانا تلبس الخطأ المحض الصريح لبوس الخير والقصد الحسن، نحن نخدع أنفسنا كثيرا.
ومن ثم يجب الاكتفاء بالخط والكتابة دون محادثة شفوية، وإذا كانت الحاجة ملحة إلى المحادثة، فيراعى فيها الأمر الرباني "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا" الآية. وإذا كان هذا لأزواج النبي, صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيرهن من النساء؟ وإذا كان هذا في عصر النبوة فكيف بعصور الشهوة والفتنة؟.
كما يجب أن تكون هناك جدية في التناول وعدم الاسترسال في احاديث لا طائل من ورائها، وبالصدق، فالكثيرون يتسلون بمجرد الحديث مع الجنس الآخر بغض النظر عن موضوع الحديث. ويهم الرجل أن يسمع صوت أنثى، خاصة إذا كان جميلا ورقيقا، ويهم الأنثى مثل ذلك، فالنساء شقائق الرجال ويهم كل منهما أن يحادث الآخر، ولو كتابيا. فليكن الطرح جادا بعيدا عن الهزل والتميع.
الحذر واليقظة وعدم الاستغفال، فالذين نواجههم في الإنترنت أشباح في الغالب، فالرجل يدخل باسم فتاة، والفتاة تقدم نفسها على أنها ولد، ثم ما المذهب؟ ما المشرب؟ ما البلد؟ ما النية؟ ما الثقافة؟ ما العمل.. إلخ، كل ذلك غير معروف. وأنبه الأخوات الكريمات خاصة لخطورة الموقف، فإن المرأة سرعان ما تصدق وتنخدع بزخرف القول، وربما أوقعها الصياد في شباكه، فهو مرة ناصح أمين، وتارة ضحية تئن وتبحث عن منقذ، وهو في طور آخر عزب يبحث عن شريكة الحياة، وهو مريض يريد الشفاء .. إلخ.
وأنصح والكلام لبادويلان، الأخوات العاملات في مجال الإنترنت في التواصل بينهن حتى يحققن قدرا من التعاون في هذا الميدان الخطير، ويتبادلن الخبرات ويتعاون في المشاركة، والمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.

رأي الشرع

يقول أحمد بادويلان "أتعجب ويزداد العجب، وقد يتعجب غيري مما يقوم به بعض شباب وشابات المسلمين من الاستخدام السيئ للشبكة العنكبوتية، فقبل سنين مضت، وقبل أن تنتشر هذه الشبكة في بلاد المسلمين سمعنا عنها أمورا غريبة على مجتمعنا ينكرها ديننا، فأصبح الجميع يتخوفون من هذه الشبكة من أن يستغلها شياطين اليهود والنصارى لكنها جاءتنا من شياطين من بني جلدتنا".
هل تصدق أن ابنا أو بنتا من المسلمين يتبنى موقعا للدعارة ويبث من خلاله كل ما فيه فساد في الشبكة العنكبوتية؟ بل هل تصدق أن يستغل أبناء المسلمين وبناتهم هذه الشبكة بقصد أو غير قصد لتكون خلوة بامرأة أجنبية أو برجل أجنبي وتنتهي المسألة في بعض الأحيان إلى علاقات غير شرعية، بل قد تنتهي إلى أعظم ذنب بعد الشرك، كما أخبر عنه ـ صلى الله عليه وسلم، مع أن بداية هذه العلاقة قد تكون احتراما وتقديرا ومحبة في الله ولكنهم نسوا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال "‏لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو ‏ ‏محرم" الحديث. وكم من بنت قد تعلقت بشاب وآذاها هذا التعلق، بل كم من رجل من هؤلاء خبب امرأة على زوجها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما معناه " ‏من خبب ‏ ‏امرأة أو مملوكا على مسلم فليس منا".
وكم من فتاة مسكينة سهرت وتعبت وكانت البداية أخوة في الله ومحبة في الله بين شاب وفتاة، وكم من زوجة كانت فاضلة تحب زوجها وتقدره تولاها أحدهم فشككها في زوجها وأوهمها أن الحب العذري لا يمكن أن يكون إلا عن طريقه, فيدخل المرأة المسكينة في دوامة عظيمة يكون من نتائجها أنها تخرج معه إلى أحد الأماكن؛ لأنها تبحث عن عاطفة جياشة صادقة ورومانسية لم تجدها عند زوجها الشرعي. وقد تتطور الأمور من لقاء عند الناس وأمامهم في الأماكن العامة إلى لقاء وحدهما والشيطان ثالثهما، وما أكثر الضحايا، وما أكثر الفضائح.
هل تصدق أن أبناء المسلمين وبناتهم يقعون في ذنوب عظيمة تؤدي إلى الشحناء والقطيعة ومن ثم الحقد والحسد والغل، وهذا يؤدي إلى الهدم، فالمتتبع لبعض المنتديات يجد أنها وقعت ـ وللأسف ـ تحت تأثير بعض الخطوات الشيطانية ونسي القائمون عليها أو تناسوا ما نهانا عنه الدين.

هل غرف الدردشة خلوة إلكترونية؟

أصبحت الإنترنت الملاذ الشعبي الذي يلجأ إليه الشباب في العالم العربي لقضاء معظم أوقاتهم خلال شهور الصيف، بعد أن نجحت برامج الدردشة في كسر الحواجز بين الشباب والفتيات العرب، لسهولة التعارف والمحادثة عبر الصوت والصورة، وهو ما أثار الجدل بين الفقهاء وعلماء الدين واعتبروا تلك المحادثات خلوة إلكترونية قد تثير الغرائز وتشجع الشباب على الانحراف.
وأكدت الداعية الإسلامية الدكتورة سعاد صالح لـ "ميدل إيست أون لاين" أن ما يحدث الآن في غرف الدردشة "الشات" إثم وحرام، فطريق الحرام حرام مثله، وقد قال رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ‏ـ "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس" الحديث. والإنترنت والجوال مثل السكين من يستخدمها في تقطيع الطعام فلا حرمة عليه ومن يقتل بها نفسا فهو قاتل يستحق القصاص. وقد يحدث ذلك كأن يستخدم البعض الهاتف الجوّال في المعاكسات, فهو حرام ويجوز منعه. وغرف الدردشة إذا كانت بين شاب وفتاة يتبادلان فيها مشاعر محرمة وصور ومشاهد غير لائقة وكلمات تخدش الحياة فهي حرام، وعلى ولي الأمر منعهما. أما كانت بين أشخاص ناضجين يتعاملون في معاملات نافعة كالتبادل الثقافي والتجاري والعلمي, فهي حلال.
ويقول الدكتور عرفة عامر أستاذ الشريعة في كلية أصول الدين وعضو مجمع البحوث الإسلامية، إننا في عصر تبادل الثقافات والمعلومات، خاصة مع انتشار استخدام الإنترنت، وهو سلاح ذو حدين يمكن أن نستخدمه فيما ينفع أو فيما يضر، وبرامج الدردشة وسيلة للتواصل بين الناس وتصبح نعمة من الله؛ لأنها توفر اتصالا بالعالم الخارجي وتحث الشباب على متابعة الثقافات والمعلومات بصورة دورية، وهذا شيء جميل وجائز، فالتبادل الثقافي مطلوب ونحن نحتاج إليه حتى نستطيع أن نصبح أمة متقدمة وذات حضارة وثقافة فهو دون شك نافع وإنما أضراره تقع على من يستخدمه الاستخدام السيئ، فهو المخطئ وهو الآثم. وإذا كان يستخدم الإنترنت في الإثارة فهو ملعون ويقع عليه الوزر؛ لأنه يساعد على نشر الفتنة مثله مثل من يتصفح المواقع الجنسية، إذا يساعد على نشر الإباحية بين الشباب والفتيات.
ويضيف الدكتور عامر أن "التكنولوجيا وثورة الاتصالات مطلوبة حتى ترقى الأمة، ونحن نحتاج إليها؛ لأنها تفيدنا وتطلعنا على أخبار من حولنا، وإنما استخدامنا الخاطئ هو الضرر بعينه. ولهذا فالوزر يقع على مرتكب هذه الإباحية".
ويتفق الدكتور عبد المعطي البيومي أستاذ الفقه بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر مع ما اعتبرته دكتورة سعاد صالح محرما، إذ يقول "إن تحريم الدكتورة سعاد برامج الدردشة التي تثير الغرائز وتسمح بتبادل الصور الإباحية هو أخطر ما يكون، خاصة أنه بات يسيرا ومتاحا بالبيوت وسبب مشكلات عديدة، ولهذا يجب أن تكون تلك المحادثات تحت رقابة الآباء وتحت سيطرتهم لمنع الشباب من الانزلاق في تلك الأخطار حتى لا نهدم البشرية؛ لأننا مسلمون وشرقيون ونخشى أن ينتشر بيننا الاستخدام الخاطئ للإنترنت بصفة عامة وبرامج الدردشة بصفة خاصة التي تحث الشاب على تقليد الغرب تقليدا أعمى.
ويرى دكتور الخشوعي محمد، أستاذ الفقه في كلية أصول الدين جامعة الأزهر "أن الاتصال الإلكتروني بين الشباب والفتيات عبر غرف الدردشة محرم وغير جائز لعدم وجود علاقة شرعية بين الشاب والفتاة، فكيف يتم الاتصال بين اثنين دون أي علاقة أو رابط شرعي بينهما. وهذا حرام شرعا. ناهيك عما يمكن أن يحدث بين الشباب والفتيات عبر كاميرات الفيديو والمايكروفونات. ومن الطبيعي أن ينحدر الحديث إلى النواحي الجنسية وإثارة الغرائز، خاصة إذا كان الشباب في سن المراهقة، وهم أكثر فئة من الشباب تستخدم تلك البرامج للحديث والتواصل.
ويؤكد الدكتور الخشوعي أن "تلك الاتصالات عبر غرف الدردشة بين الشباب والفتيات محرمة كتحريم الخمر، ولهذا أناشد أمة الإسلام والمسلمين الثبات على أصول الدين الحنيف، ولا تتبعوا خطوات الشيطان فإن الشيطان عدو مبين، فالشيطان يريد بكم الخطيئة حتى يكثر أعوانه فلا تتبعوه واتقوا ربكم ولا تقربوا تلك المحادثات التي تسهل وقوع الفاحشة وارتكاب المعاصي والمحرمات التي نهانا عنها الله عز وجل".

رأي القانون

وحول هذه القضية التقت "الاقتصادية أيمن كمال السباعي، المحامي وعضو المنظمة العربية لمناهضة التمييز، لإلقاء الضوء حول مدى تجريم هذه القضية, فقال "يهدف المنهج الإسلامي إلى حفظ العقل، والنسل، والنفس، والدين، والمال. وهذه هي الأمور الأساسية لصلاح الفرد والمجتمع. ولما كان النسل هو إحدى أهم هذه الضروريات، حرص الإسلام علي تدبير الإجراءات والقوانين التى تكفل تماماً نقاء النسل وسلالته".
"من أجل ذلك شرع الله تعالى الزواج كمنهج مقدس يقوم بتنظيم العلاقة بين الذكر والأنثى، وحصر العلاقة الجنسية في إطار شرعي قائم على الزواج وحذر من الخروج عن هذا الإطار، واعتبر كل نوع من أنواع الممارسات الخارجة عنه بمثابة لوثة أخلاقية وجريمة خطيرة".
وتدخلت التشريعات والقوانين الوضعية وتمشياً مع منهج الله تعالى لتبسط سيطرتها من خلال وضع ضوابط ومعايير للحفاظ على الزواج، وكفل حقوق الزوجين والأولاد باعتباره النواة الحقيقية لبناء المجتمع. فالزواج نظام اجتماعي وقانوني ينشأ عنه حقوق والتزامات متبادلة بين الزوجين، ومن أهم هذه الحقوق أن يكون كل من الزوجين وفياً مخلصاً للطرف الآخر, وأن تكون العلاقة الجنسية مقصورة عليه وحده دون غيره. وبناء عليه، فإن جريمة الزنا تعد من أخطر الجرائم التي ترتكب في حق الزوجية بصفة خاصة، لما لها من تبعات وآثار بالغة التأثير بين الزوجين وفي المجتمع ككل".
وأضاف السباعي "بدأت تظهر في الآونة الأخيرة ممارسات متطرفة وشاذة تحقق الإشباع الجنسي عبر التصور الخيالي، الذي بدأ يرمي بثقله علي العلاقة بين الزوجين، وهو ما يعرف بـ "الجنس الإلكتروني".

مفهوم الجنس الإلكتروني

ووفق السباعي فإن مفهوم الجنس الإلكتروني هو إشباع لرغبة جنسية عن طريق التخيل، والمشاهدة والثرثرة الداعرة بواسطة الإنترنت، وهو يختلف بمفهومه هذا عن باقي الأنواع المختلفة للحصول علي المتعة الجنسية كالمكالمات الهاتفية، ومشاهدة الأفلام المخلة بالآداب، لكن الجنس الإلكتروني يتحقق فيه وجود طرف أو شريك آخر في الفعل يقوم بالفعل نفسه في وقت واحد.

إشكالية ظاهرة "الجنس الإلكتروني"

وأردف السباعي "انتشرت هذه الظاهرة وبدأت تتفاقم وتتوغل داخل المجتمعات العربية بين أوساط الشباب غير القادرين علي الزواج. أما المشكلة الحقيقية فهي قيام المتزوجين باقتراف هذه الفعلة، مما أنتج كما من المشكلات الاجتماعية والنفسية، والتي نضحت بآثارها على العلاقة بين الزوجين. فهناك أعداد لا حصر لها من النساء والرجال يمارسون الجنس على الشبكة بالمحادثات الداعرة الصريحة والمشاهدات عن طريق الكاميرات، مما يحقق لهم النشوة الجنسية الخيالية العارمة.
وزاد"المشكلة الحقيقية, في رأينا، هي إفراز نوع جديد من الممارسة الجنسية المقروءة، والمسموعة، والمرئية والتى أصبحت في متناول الجميع، مما تولد معه مشكلات تبلورت في عمليات زنا حقيقي، وزواج عرفي، وعمليات إجهاض. وهذه هي الخطورة الحقيقية في هذه الممارسة؛ أو بمعني آخر أن تتعدى الممارسة خارج الأجهزة لتكون فعلا على أرض الواقع ويصبح المقترف مسؤولاً أمام القانون والمجتمع.

مسببات "الجنس الإلكتروني"

وحول أسباب هذه الظاهرة يقول السباعي "هناك أسباب متباينة أوجدت هذه الظاهرة وهي، أولا: المناهج التعليمية، فما زالت المناهج التعليمية في المنطقة العربية تتعامل بالمنطق النظري البحت وإقصاء التطبيق العملي للمواد العلمية عن الحياة العملية، مما أوجد فجوة حقيقة بين الطالب والحياة العملية، فقد معها التمييز بين الأشياء وكسرت بداخله روح الطموح والإبداع, ومن ثم أصبح فريسة سهلة لمثل هذه الممارسات لفقدانه الهوية والحس الديني ومبدأ الانتماء إلى الجماعة.
ثانيا: قصور الخطاب الديني، لما كان الدين هو أهم عنصر من محركات الحياة، فإني أري، والكلام لأيمن السباعي، أن الفرد يستمد سلوكه من عقيدته والفرد في حاجة دائمة لتثبيت هذه العقيدة وترسيخها، مما يتبع ذلك تقويم لسلوكه وضبطه. ولما كان الخطاب الديني المتمثل في الوعظ والإرشاد هو المنهج الذي يقوم به رجل الدين لتقويم سلوك الفرد وتثبيته علي العقيدة، فإن تجاهل الوعظ والإرشاد حول هذه الظاهرة والاكتفاء بتجريم هذا الفعل شرعاً وإدخاله في نطاق المحظورات قامت بتوسيع الفجوة. ويتبين ذلك في اكتفاء رجال الدين بالتحريم فقط دون بيان الأسباب المنطقية التي يقبلها العقل. فكان من الأحرى أن يقوم رجال الوعظ والإرشاد ببيان الفائدة من استعمال منجزات الثورة الرقمية، والتي أصبحت واقعا لا مفر منه، والنصيحة بالسعي إليها والتزود بها مع بيان خطورة الوقوع في المحظور شرعاً.
ثالثاً: سوء وتعقيد فكرة الاستمتاع بالعلاقة الحميمة بين الزوجين؛
نظراً لحالة الجهل بالثقافة الجنسية التي تعتري المجتمعات العربية والخوف من الاقتراب من هذه النقطة الحساسة، واعتبارها من الخوارج عن نطاق الثقافات التي ألفها العقل العربي، بدأت تثور مشكلات عدم انتظام العلاقة الحميمة للزوجين وقصور فكرة الاستمتاع المتبادل، فأمست هذه العلاقة روتينية يصحبها الملل، مما يدفع إلي التجديد عن طريق ممارسة "الجنس الإلكتروني". فالمتهم هنا يتخيل ويمارس ويستمع مع ألوان مختلفة من البشر، مما يكبح عنده القصور الناتج عن سوء فهم الاستماع مع الطرف الأخر في نطاقه الشرعي.
رابعاً: تفشي المادية داخل المجتمعات العربية؛ حيث أخذت قيم جديدة موقع الصدارة في مجتمعاتنا العربية، وهي قيم فريدة تطمع للمصالح الشخصية وتحقيق العائد المادي والمنفعة المالية حتى ولو خالف ذلك مبادئ الشرع والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع.
خامساً: غياب المشرع عن تجريم هذه الظاهرة "الجنس الإلكتروني"؛ فلكي نضمن سريان القانون يجب أن يوضع الجزاء لمن يخالفه، مع وضع منظومة منهجية علمية لمعالجة المشكلة التى وضع القانون لها قاعدة لحلها. فما زالت هذه الظاهرة غريبة وجديدة، ولم تتفاقم آثارها بصورة توجب تدخل المشرع لسن قانون يجرمها خوفاً من الاعتداء على الحريات الفردية أو نشوء تخمة من التشريعات القانونية؛ بالإضافة إلى استناد القانون لوسائل الإثبات التقليدية وعدم تضمينه الوسائل والتقنيات الحديثة كوسيلة معترف بها قانوناً في الإثبات.
سادساًً: البطالة وغلاء المعيشة؛ لا شك أن العدو الأول لقهر الشاب ـ في رأينا ـ هو البطالة أو عدم وجود فرص العمل المناسبة مع مؤهلاته، وارتفاع تكاليف المعيشة، مما يدفعه لليأس والإحباط وإفراز همومه في هذه الممارسة و قضاء وقت ينسى فيه مشكلاته.
من جهته، يعزو سيد يوسف، الذي يعمل مترجما، أسباب انتشار هذه الظاهرة, إلى ضعف دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية، وشلة الرفاق الفاسدة، وما يثيرونه من محاولات التجريب، وغياب البديل المتاح مع تعقيد المباح بأغلال متعددة، منها المادة وغلاء المهور وغياب ثقافة الزواج.

تجريم الجنس الإلكتروني

وفيما يتعلق بتجريم هذه الظاهرة، يقول المحامي أيمن السباعي "إننا بصدد جريمة زنا تفتقر إلى ركن الوطء غير الشرعي، ولذلك فإني أذهب لتسميتها بـ "جريمة الزنا السلبي"؛ وهو اتصال شخص متزوج – رجلاً أو امرأة – اتصالاً جنسياً غير مباشر خارج نطاق الزوجية. وهي جريمة لا توجب الجزاء الجنائي وإنما توجب الجزاء المدني المتمثل في إسقاط حق مدني مخول بواسطة القانون".
وحول مقترحات الإجراءات القانونية المترتبة على وقوع تلك الجريمة يرى السباعي "إن ثبت بالدليل القطعي وأدلة الإثبات الأخرى التي يبديها المتضرر أمام القضاء أن الزوج اقترف جريمة الزنا السلبي في حق الزوجة، كان للأخيرة الحق في طلب التطليق من قاضي الأمور المستعجلة للضرر الواقع عليها جراء هذه الجريمة مع الاحتفاظ الكامل بحقها في النفقة والحضانة ومؤخر الصداق. أما إذا ثبتت الجريمة في حق الزوجة، وطلقها الزوج بالإرادة المنفردة، فيسقط حقها في النفقة والحضانة ومؤخر الصداق. مع الحق في التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية للطرف المتضرر".

خاتمة

في النهاية لا يمكن الوثوق بإنسان إلكتروني، ويجب أن تكون الإنترنت تمهيداً للقاء سريع بين الراغبين في الزواج للبت في الموضوع، وألا ينتظروا طويلا في الدردشة وإطلاق الآهات والزفرات وعبارات الحب الإلكترونية. وقبل التورط فيما يمكن أن يكون ورقة تهديد يرفعها شخص بوجه فتاة عندما يحين وقتها.
هناك قصص ناجحة لكنها قليلة؛ لأنها تحتاج إلى أن يتحلى كل طرف بالصدق والالتزام والمسؤولية وهذا ما ندر!
اعلم أن شبكة الإنترنت إما أن تصيدك وإما أن تصيدها، فإن جعلتها طوع يديك تأخذ منها نفعها وتدع ضرها، فقد حزت ما فيها من صيد نفعك الله به، وإن هي جعلتك طوع يدها تسحرك بالمتعة واللذة العابرة لتأخذ مالك ووقتك وعمرك وحقوق أحبابك عليك، فقد أسرتك في شباكها فأنت حينئذٍ الفريسة من حيث لا تشعر، فادرك نفسك قبل فوات الأوان وانج من حبالها قبل أن تهلك.
والعلاقات عبر الإنترنت لا يربطها سوى الوهم الكاذب، وربما لو التقى العاشقان لأعرضا عن بعضهما بعضا، فكم من صوت جميل وراءه دمامة وقبح:

مما أضر بأهل العشق أنهم هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
ذابت نفوسهم عشقا وأعينهم وراء كل قبيح صوته حسن

إن العلاقة العاطفية عبر الإنترنت هي علاقة وهمية تربطها خيوط عنكبوتية تنمو في عالم افتراضي تتحكم فيه الرموز والمعادلات الرقمية وينسج لنا ألوانا خلابة فتبهرنا وتعجبنا لكنها ليست حقيقية.

الأكثر قراءة