فيرنر شتوربيك و توبياس بيللر
يمهّد العقد المبدئي بين اتحاد مؤسسات الغاز الطبيعي الروسي غاز بروم و اتحاد البترول والغاز الطبيعي الإيطالي "إيني" الطريق للأولى للدخول في السوق الإيطالية. صحيح أن هذا المشروع كان متنازعا عليه لفترة طويلة في إيطاليا، كما أن المفاوضات حول بنوده استغرقت كذلك أمدا طويلا، ولكن حصلت إيطاليا أخيرا على تمديد لعقود التزويد بالغاز الطبيعي لغاية عام 2035، وأصبحت بالإضافة إلى ذلك أكبر مستورد للغاز الطبيعي من الشركة الروسية وذلك بكمية قدرها 26 مليار متر مكعب في السنة.
ويبلغ نصيب الشركة الإيطالية "إيني" الخاضعة لقيادة الحكومة الإيطالية 23 مليار متر مكعب على الأقل، وأما الباقي، والذي يبلغ في أقصى حد 3 مليارات متر مكعب، فتستطيع "غاز بروم" تزويده إلى إيطاليا كيفما شاءت عبر خطوط أنابيب الشركة الإيطالية. ولا تعطي المعلومات الواردة لغاية هذه اللحظة عن الشروط المبدئية أي توضيحات حول إذا ما كانت "غاز بروم" ستقوم مباشرة بتزويد الغاز إلى المستهلك - ولكن ما هو واضح هو أن هذا هو مراد شركة الغاز الروسية، وقد تكون الحصة السوقية بنسبة 3 في المائة هي بداية الانطلاق في السوق الإيطالية.
هذه الواقعة تُذكّر بدخول أكبر شركة في العالم لإنتاج الغاز الطبيعي في السوق الألمانية. فقبل 16 عاما بالضبط أسست الشركة المتخصصة للطاقة والغاز في أكبر اتحاد شركات للصناعات الكيماوية في العالم "باسف" الألمانية BASF شركة فنترشال Wintershall والشركة الروسية "غاز بروم" مؤسسة تجارية للغاز الطبيعي تحت اسم ( وين غاز Wingas) وذلك من أجل أن تتولى مهام تزويد الأقاليم الألمانية الجديدة (أقاليم ألمانيا الشرقية سابقا) بالغاز الطبيعي بما مقداره ستة مليارات متر مكعب تقريبا. هذه النقلة كانت ذكية من الروس: فقد دخلوا تلك الشراكة كشريك ثانوي بنسبة ما زالت حتى اليوم 35 في المائة، وكان عليهم تحمّل جزء ضئيل نسبيا من تكاليف تمديد خطوط نقل الغاز والتي بلغت المليارات، كما أنهم لم يعترضوا بصورة مباشرة طريق أهم عميل لهم على الإطلاق، شركة تزويد الغاز الألمانية ( ايسنر روهر غاز Essener Ruhrgas) من غرب ألمانيا والتي انضمت أخيرا إلى اتحاد مؤسسات تزويد الطاقة العملاقة إيون (EON). فشركة تزويد الغاز المستورد آثرت التدخل في سوق ألمانيا الشرقية وانحصر دورها فقط في مساندة الشركة المساهمة ( في إن جي VNG) من مدينة لايبزيج في شرق ألمانيا. ولم يمض إلا وقت قليل حتى قامت ( وين غاز ) بتمديد خطوط أنابيب لنقل الغاز إلى غرب ألمانيا، وكثاني أكبر شركة لتزويد الغاز الطبيعي المستورد في ألمانيا، تحتل في هذه الأثناء الشركة الروسية - الألمانية بنسبة 15 في المائة حصة سوقية المرتبة الثانية بعد ( روهر غاز ) في سوق الغاز الألمانية.
ولغاية الآن ردعت العملاقة "ايون" محاولات "غاز بروم" الروسية للتغلغل أكثر في السوق الألمانية، فبالعرض الذي قدمته الشركة الروسية لشراء أسهم في الشركة المساهمة (في إن جي ) والتي طرحتها "ايون" باءت محاولاتها بالفشل مثلما باءت أيضا مطالبها لاقتناء حصص رأسمالية في الشركة الفرعية ( روهر غاز – ايون). ولكن في المقابل استعان الروس بشركة الكيماويات الألمانية "باسف" في بحر المفاوضات حول الشراكة في حقل جديد للغاز الطبيعي في ألمانيا - وحالفها الحظ هذه المرة. فبناء على استعداد "باسف" لرفع نصيب "غاز بروم" في الشركة المساهمة "وين غاز" إلى أقصى حد 49 في المائة، حصلت باسف و روهر غاز على نفس الحصص في حقل الغاز الجديد. وعلى الرغم من أن "باسف" ما زالت وستبقى الشريك الرئيسي في "وين غاز"، إلا أن غاز بروم استطاعت بهذه الخطوة التقرب أكثر إلى المستهلك الألماني للغاز الطبيعي. وتدور الأقاويل بين الأوساط الألمانية منذ أشهر حول من سيكون المزود الجديد الذي ستشارك فيه الشركة الروسية المملوكة بنسبة كبيرة للحكومة الروسية، فالاحتمالات تمتد من الشركة (إي دبليو إي EWE) المستحوذة على شمال ألمانيا، إلى (آر دبليو إي RWE) والتي تعتبر أكبر من "وين غاز" في قطاع التزويد النهائي للمستهلك في ألمانيا.
وعلى الجانب الإيطالي، فقد استغرقت المحادثات حول عقد "غاز بروم" أكثر من ثلاثة أعوام. فالساسة الاقتصاديون وهيئات حماية التنافس السوقي كانت لديهم في البداية اعتراضات عديدة حول الصفقة الجديدة، حيث إنه يوجد على جدول أعمال الحكومة الحالية في الواقع خطة لفصل شبكة توزيع الغاز الطبيعي التي تديرها الشركة المدرجة في البورصة "سنام ريتي غاز" Snam Rete Gas. وفي هذا القطاع ما زالت "ايني" هي الشركة المسيطرة، وتود الاحتفاظ بهذا المركز، ويمدّ العقد الجديد مع "غاز بروم" الهيئة الإدارية العليا في "ايني" بدعائم أقوى لتحقيق ذلك.
المعاهدة المعقودة بين "ايني" و"غاز بروم" تمثل شوكة في حلق المؤيدين لتحرير أوسع شمولا للسوق في إيطاليا، وذلك ليس لأن الاتفاقية تحوي في ثناياها انفتاحا للسوق، بل لأن وراءها يختفي اتفاق بين اثنتين من الشركات الصغيرة التي تنوي السيطرة على السوق الإيطالية في الغاز الطبيعي. لكن طالما أن إيطاليا ستحصل على الكمية التي تريدها من الغاز الطبيعي كيفما استطاعت من أجل استغلاله في التدفئة وتوليد الطاقة الكهربائية، وطالما أن هذا الغاز سيأتي إلى إيطاليا عبر خطوط أنابيب شركة ايني الإيطالية، فإن الحديث حينئذ عن منافسة سوقية ما هو إلا وهم وخيال. وتبذل الشركة الأولى في إيطاليا ايني بالتعاون مع الحكومة الإيطالية جهودا جبارة منذ أعوام لبناء وحدات لإسالة الغاز الطبيعي في العديد من الموانئ وذلك من أجل التمكن من تغذية كميات إضافية أكبر من الغاز الطبيعي مباشرة من السفينة إلى شبكة خطوط التوزيع. لكنه ولغاية الآن تقف اعتراضات مجالس تلك المدن ومقاومة المواطنين المحليين عقبة في تنفيذ كل تلك المشاريع.
من هذا المنطلق بالذات امتلكت "غاز بروم" في ايطاليا وضعا جيدا للانطلاق في المحادثات التفاوضية، لا سيما وأن العديد من محطات توليد الكهرباء في إيطاليا تحولت من استخدام النفط إلى استخدام الغاز الطبيعي في عمليات الإنتاج. كما أن الأزمة التي حدثت العام الماضي في عمليات تزويد الغاز الطبيعي من روسيا أدت إلى انخفاض ضغط ضخ الغاز في الأنابيب، وكانت نتيجة ذلك أن استنفدت إيطاليا في ربيع العام الجاري مخزونها الاحتياطي من الغاز الطبيعي.
في مقابل هذه الثروة الطبيعية تمتلك الشركة الإيطالية الكثير من التكنولوجيا المتطورة التي ستقدمها للروس، وذلك بدون أن تسبّب العلاقة الحثيثة مع الإيطاليين أي مضايقات سياسية قد تثيرها العلاقات القائمة مع شركات أمريكية وبريطانية. وفي خضم التعاون مع الإيطاليين خلال الأعوام الماضية ذاق قطاع النفط والغاز الروسي طعم التكنولوجيا الإيطالية والكفاءة الجديرة لشركة ايني. ففي عام 2003 أنهى الإيطاليون تمديد آخر خط من خط الأنابيب والذي يمتد طوله نحو 385 كيلومترا عبر البحر الأسود، ويصل في معظم المناطق إلى عمق ألفي متر تحت سطح البحر، لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا. والآن تسعى "غاز بروم" إلى اكتساب تقنية الضغط العالي من الإيطاليين والتي تمكنها من مضاعفة الكمية المنقولة في خطوط الأنابيب.
في نظر شركة النفط والغاز الإيطالية ايني ورئيس مجلس إدارتها باولو سكاروني يمثل ضمان الشركة الروسية للإيطاليين بالمساهمة في حقول النفط والغاز الطبيعي في سيبيريا أمرا مهما للكثير من الأغراض. لكن ولغاية الآن لم تذكر الاتفاقية شيئا مباشرا سوى أن الشركتين الروسية والإيطالية قد وجدتا سوية سلسلة من المشاريع المهمة في روسيا والدول النامية، حيث ستقوم كلتاهما بالتعاون على إنجازها. وحول تلك المشاريع والشروط المفروضة على الشركة الإيطالية ايني ما زالت المفاوضات قائمة.