إصدار غير المسلمين السندات الإسلامية يدعِّم الروابط التمويلية
حين أرادت شركة Earth Cameron التي تتخذ من تكساس مقراً لها أن تجمع الأموال هذا العام، لم تتجه إلى البنوك أو إلى سوق السندات المحلية، بل توجهت إلى الشرق الأوسط. وأدى ذلك إلى إصدار أول سندات مكفولة بالموجودات الأمريكية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بدلاً من دفع الفائدة أو تقاضيها.
ويقول كامبيل إيفانز، مدير عام الشركة في هيوستن: "لم أسمع بالصكوك من قبل" مستخدماً الكلمة العربية للصكوك الإسلامية. "لدي كتاب (عنها)، وكان مليئاً بالرموز، ولكن في نهاية اليوم، حقق لنا الفائدة المرجوة".
التمويل الإسلامي والتقليدي
يختلف نظام التمويل الإسلامي عن نظام التمويل التقليدي، من حيث التزامه التام بأحكام الشريعة الإسلامية التي تحض على أن يكون التمويل أخلاقياً ومنصفاً، وتحرم المضاربات الضارة.
وتدفع السندات التقليدية التي تصدرها الشركات أو الحكومات فائدة سنوية ثابتة عن مدة السند، التي يمكن أن تكون عشر سنوات أو حتى 30 سنة، يتم بعدها رد رأس المال إلى صاحبه. وتتم كفالة بعض السندات بالموجودات، كالرهونات، أو ذمم البطاقات الائتمانية الدائنة. وفي حال تأخرت الجهة المصدرة عن الدفع، يتم بيع الموجودات للتعويض عن بعض الخسائر التي يتكبدها حامل السندات.
والصكوك تشبه السندات المدعومة أو المكفولة بالموجودات، ولكن بدلاً من دفع فائدة سنوية ثابتة، يتم اشتقاق الدفعات للمستثمرين طيلة مدة السند من عقود الإيجار، أو من أرباح أو مبيعات الموجودات العينية، كالعقارات، أو المعدات أو أعمال المشاريع المشتركة. ومن الممكن هيكلة هذه الأرباح أو المبيعات أو عقود الإيجار بحيث تعطي ما يعادل الفائدة السنوية الثابتة، ورغم ذلك، فهي ليست في حكم الفائدة المحرمة.
اندفاع الغرب نحو المالية الإسلامية
يتزايد استخدام الشركات والحكومات الغربية والآسيوية للسندات الإسلامية لطرق باب بئر مليئة بأموال النفط في الشرق الأوسط. وهناك طابور طويل من المقترضين المتمركزين في الخليج يفعلون الشيء نفسه لجمع الأموال السائلة من الخارج، وخاصة لتمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة التي تقوم الحاجة إليها من أجل تنويع مصادر نموها الاقتصادي وفقا للتقرير الصادر من صحيفة "وال ستريت جورنال" الأمريكية.
ونتيجة لذلك، أخذت سوق التمويل الإسلامية بالتوسع على النطاق العالمي بسرعة. ومع سعي البنوك الإسلامية والتقليدية إلى الحصول على نصيب من الأعمال، فإن هذه السوق تقيم الجسور بين الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية.
ووفقاً لما ذكرته خدمة معلومات التمويل الإسلامي في لندن، تم في الفترة ما بين كانون الثاني (يناير) وتشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام إصدار صكوك بقيمة 16.9 مليار دولار، وهذا يزيد بنسبة 43 في المائة على مجموع الصكوك الصادرة عام 2005. ويقول المحللون إن ما قيمته عشرة مليارات دولار من الصكوك في طريقها إلى الصدور في الأشهر القليلة المقبلة. ومن المتوقع أن تساعد أدوات التصنيف والتحوط الجديدة على توسع سوق السندات الإسلامية بسرعة أكبر.
وجمعت شركة East Cameron مبلغ 166 مليون دولار من الصكوك التي أصدرتها في تموز (يوليو) من أجل الدمج بين الموجودات والأموال اللازمة لتطوير حقول الغاز. وقال إيفانز "جمعنا من الأموال السائلة عبر الصكوك أكثر مما يمكننا جمعه في أمريكا، وبفائدة أقل نسبياً" أو دفعات أقل للمستثمرين.
وقالت رولا سليمان، الشريك الأول في شركة Bemo Securitization SAL، التي قامت بترتيب الصفقة مع ميريل لينتش وشركاهم،:" يمكن أن يصل السند الإسلامي إلى أيدي المستثمرين التقليديين، الأمر الذي يوسع قاعدة المستثمرين، ولكن العكس غير صحيح".
ومنذ قرون، تتطلع المجتمعات الإسلامية في الخليج إلى منطقة الجوار من أجل جمع الأموال. أما الآن فهي تتطلع خارج بلدانها لجمع الأموال وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بغرض تمويل المشاريع التي تهدف إلى تحويل المنطقة إلى مركز للسياحة والأعمال.
وقامت هيئة الموانئ والجمارك والمناطق الحرة في دبي في كانون الثاني (يناير) ببيع 11 في المائة من صكوكها البالغة قيمتها 3.5 مليار دولار- وهي أكبر عملية بيع حتى الآن - إلى مستثمرين أوروبيين. وذهب نصف هذه الصكوك تقريباً إلى أيدي مستثمرين غير إسلاميين.
وقال رافع حنيف، مدير الأعمال المصرفية الإسلامية في "سيتي جروب إنك"، في كوالا لمبور: "في السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة، تتطلع البحرين، الكويت، السعودية، الإمارات، وعُمان إلى تمويل مشاريع (في البنية التحتية) بقيمة تزيد على 50 مليار دولار. وباستطاعتي القول إن 30 في المائة من هذا المبلغ يحتمل أن يكون على شكل صكوك".
ولا ترغب البنوك، خاصة في الخليج، أن تنكشف كثيراً لقطاع العقارات، بينما تجد شركات التطوير أن طرق أبواب سوق الأسهم أكثر تكلفة من جمع الديون.
معضلة مواءمة أدوات الاستثمار
يقول المراقبون إن انتشار الصكوك يتخذ منحى جيوبوليتيكياً تصاعدياً. ويقول رودني ويلسون، الأستاذ في معهد الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية في جامعة دورهام في المملكة المتحدة: "إن ذلك يتيح للناس فرصة تعلم شيء إيجابي عن الإسلام، كما أنه يشكل حلاً للأمور السلبية في نواح أخرى".
وتدفع مبيعات الصكوك العابرة للحدود نحو إيجاد مزيد من الانسجام في طريقة هيكلة الصكوك.
وكانت ماليزيا في الماضي تحبذ هيكليات الصكوك التي لا تتماشى مع تفسير بلدان الشرق الأوسط للشريعة، وخاصة مبدأ البيع بثمن آجل، الذي يقوم البنك بموجبه بشراء شيء ما بالنيابة عن العميل، ثم يبيعه إياه في وقت لاحق بسعر التكلفة مضافاً إليه هامش ربح. ولكن الحكومة الماليزية أخذت تعرض في السنوات الأخيرة تقديم تخفيضات ضريبية لتشجع استخدام الهياكل التي تلقى قبولاً عالمياً أفضل، في محاولة منها لتصبح مركزاً للتمويل الإسلامي.
إن الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية يمنع المستثمرين الإسلاميين من استخدام وسائل التحوط التقليدية - كمبادلات أسعار الفائدة، وعمليات الشراء المقدم، أو الخيارات، وذلك للتعويض عن التقلبات في أسعار الفائدة والعملات. وركزت وسائل التحوط التي ابتكرها المتعاملون والمستخدمة حالياً هذه المخاطر في أيدي عدد صغير من المستثمرين. ويقول المصرفيون، إن من شأن المعايير العالمية أن تنشر هذا الأسلوب بشكل أكثر توازناً.
ويقول باد ليشا عبد الغني، رئيس القسم الإسلامي في بنك CIMB: "إذا أرادت السوق الإسلامية أن تقوم بشكل مناسب، يجب أن تكون لديها كل المنتجات التي تلائم السوق المالية، كما أن عليها إيجاد منتج إسلامي مكافئ لكل منتج تقليدي".