الصين تخطط لتصبح أكبر بناة السفن في العالم
ثمة خطة لكل شيء في الصين, وخطة أحواض بناء السفن بسيطة للغاية: إن الصين ستصبح الدولة الأولى في العالم في بناء السفن حتى عام 2015. ومن أجل تحقيق ذلك تستثمر الحكومة مبالغ تقدر بالمليارات. وهي تعمل حاليا على إنجاز أحواض السفن الجديدة على شواطئها مما دفع بعض الخبراء للاعتقاد أن الخطة الزمنية متحفظة جدا. ولكن من المؤكد أن الصينيين قادرون على التفوق على كوريا الجنوبية في هذا المضمار.
ومن المعروف أن كوريا تحتل المرتبة الأولى عالميا في بناء السفن بلا منازع. حيث تبلغ حصتها في هذا المجال نحو 40 في المائة, وتليها في المرتبة الثانية اليابان التي تبلغ حصتها 28 في المائة. أما الصين فقد كانت حصتها في النصف الأول من عام 2006 نحو 14 في المائة.
وتبين الطلبيات المؤكدة الطريق الذي تسير فيه إمبراطورية الوسط (الصين), حيث بلغت نسبة هذه الطلبيات لدى أحواض السفن 18 في المائة من الطلبيات العالمية. ومن الجدير بالذكر أن لشركات الملاحة الألمانية دورا في هذا النمو. فبسبب الأسعار المناسبة, ولكن أيضا بسبب عمل غالبية أحواض السفن الكورية بكامل طاقتها في ضوء ازدهار صناعة بناء الحاويات, تتجه هذه الشركات بطلبياتها إلى الصين لبناء سفن الحاويات.
هذا وسيكون للحملة الصينية لغزو صناعة بناء السفن عواقب وخيمة. فبسبب الطلب الكبير لن تتوافر لدى غالبية الأحواض طاقات إضافية حتى عام 2009 أو 2010. ولكن ماذا يحدث بعد ذلك؟ يقول جيرهارد كارلسون, من رابطة الملاحة والتقنيات البحرية, محذرا من: " أن إنشاء أحواض عملاقة لبناء السفن سيؤدي لظهور طاقات إنتاجية فائضة عن الحاجة, وبمجرد تراجع الطلب على السفن, ستنشب منافسات الإقصاء من خلال الأسعار, وعندها ستكافح العديد من أحواض بناء السفن من أجل البقاء. " ومن المعروف أن أحواض بناء السفن الألمانية لم تعد, منذ زمن, قادرة على منافسة الآسيويين في بناء سفن الحاويات, ولهذا أصبح بناة السفن على بحر الشرق والشمال يركزون بشكل أساسي على بناء سفن خاصة ذات قيمة عالية من حيث النوعية كسفن الرحلات, وناقلات الغاز, وبواخر النقل الثقيلة. ولكن عندما يتمكن الصينيون من دحر الكوريين في بناء سفن الحاويات, فإن الكوريين سيحاولون على الأرجح البحث عن مخرج من ورطتهم في ميادين مثل ميدان بناء السفن الخاصة وهذا يعني أن الهجوم الصيني المدعوم من قبل الدولة سيعرض أحواض بناء السفن الألمانية للضغوط, طال الزمن أم قصر.
إن النهوض الاقتصادي في الصين لا يدفع أحواض السفن فقط على التصرف, حيث يقول بيتر ريك, رئيس مجلس بنك الشمال HSH Nordbank: " لقد أصبح التوسع فرضا في الصين, فإذا لم ندخل ذلك السوق, فسيكتب علينا الخسران. " ولكن لماذا ينبغي على بنك هامبورج وشليسويج – هولشتاين القابع في أقصى الشمال الألماني أن يكون ممثلا في الصين؟ ألا يوجد ما يكفي من البنوك التي منيت بخسائر باهظة سواء في الصين أو في غيرها من البلدان الأجنبية؟ إن الجواب على هذه الأسئلة موجود في بنية أعمال بنك هامبورج: فهذا البنك هو أكبر ممول لخطوط الملاحة. فقد بلغت قروض البنك لهذا القطاع نحو 25 مليار يورو. وإذا ما توجه المزيد من عملائه من شركات الملاحة إلى الصين لشراء ما يحتاجون إليه من السفن, يصبح لزاما على بنك هامبورج أن يتعرف على السوق الصيني ويثبت أقدامه فيه. ومن أجل ذلك قام البنك في بداية هذا الأسبوع بافتتاح فرع له في شانجهاي, بينما كان البنك لفترة طويلة ممثلا هناك بممثل واحد لا غير, وكان هذا الممثل يقوم بدور الوسيط في إنجاز بعض العمليات المصرفية.
وجنبا إلى جنب مع امتداداته في هونج كونج وسنغافورة وهانوي يسعى بنك هامبورج إلى توسيع أعماله في الصين بخاصة وآسيا بعامة, حيث يمكن أن يقوم بعمليات تمويل لشركات الطيران وشركات المواد الخام أيضا.
ومن الجدير بالذكر أن 2 إلى 3 في المائة فقط من عوائد العمليات كان مصدرها هذه المنطقة. وقد قال كريستوف روميل, مدير الدائرة الآسيوية في البنك: " إننا نسعى لزيادة هذه النسبة حتى عام 2010 إلى 10 في المائة على الأقل".
ومما لا شك فيه أن في هذا التحرك بعض المخاطر, فبنك هامبورج قام حتى الآن بتمويل شراء سفن من الصين بقروض بلغت 3.1 مليار دولار. وعلى البنك أيضا أن يتنبه كيلا تظهر خسائر تراكمية في سجلاته المحاسبية. ولهذا فإن رئيس مجلس إدارة بنك هامبورج أليكساندر شتولمان لا يريد لفرص النمو الواعدة أن تعميه عن الواقع, فهو يقول: "علينا أن نفكر بدقة في وتيرة النمو التي تناسبنا". ومن الجدير بالذكر أيضا أن وكالات التصنيف تتابع من كثب أنشطة البنوك في الصين, ولذلك علاقة بالشك الذي يحيط بالنظام القضائي الصيني. فضمانة القرض الممنوح لإحدى شركات الملاحة هي السفينة التي جرى تمويلها. وعندما تعجز شركة الملاحة عن الوفاء بالالتزامات التي رتبتها عليها اتفاقية القرض, يصبح من حق البنك وضع يده على السفينة, وعرضها, عند اللزوم, للبيع بالمزاد العلني. فهذا هو ما تنص عليه اتفاقية القرض. ولكن السؤال هو ماذا يمكن أن يحدث عندما لا تكون السفينة المعنية مبحرة في المياه الدولية وإنما في المياه الإقليمية الصينية ؟ ترى هل سيحكم القاضي الصيني وفقا لنص الاتفاق الذي يقدمه الشريك الأجنبي, وبالتالي يجيز بيع السفينة. هذا بالضبط ما لا يستطيع أن يضمنه أحد. ومن هنا كان قرار بنك هامبورج بعدم تقديم تمويل لأية شركة ملاحية محلية تبحر سفنها قبالة الشواطئ الصينية فقط.
عندما تتدحرج أسعار السفن وعندما يزيد المعروض منها عن الطلب عليها لا بد أن تتراجع أيضا أسعار شحن البضائع. إن أسعار الشحن هذه تشكل أساسا بالغ الأهمية في حساب التدفقات المالية لشركات الملاحة وبالتالي اقساط القروض وفوائدها بالنسبة لممولي الخطوط البحرية كبنك هامبورج، والدويتشه بانك, وبنك الرهونات HypoVereinsbank وبنك أمرو ABN Amro. وعندما تخطئ البنوك في تقديراتها بالنسبة لتطور أسعار الشحن وغيرها من العوامل المؤثرة كأسعار الوقود فإن من الممكن أن تكتشف فجأة أن ضمانة القرض, المتمثلة في السفينة, لم تعد تشكل ضمانة كافية كما كانت عند منح القرض.
في خضم هذه العمليات المعقدة وبعيدا عن الوطن, لا بد أن يكون بنك هامبورج بحاجة إلى الدعم. وبالفعل قامت أخيرا مجموعة من المستثمرين وعلى رأسها المصرفي الأمريكي كريستوفر فلورز بشراء حصة في البنك بلغت نحو 27 في المائة تقريبا. ويعلق شتولمان على ذلك بقوله: " إن فلورز لم ينضم إلينا فقط بسبب مكانتنا البالغة الأهمية كبنك إقليمي في شمال أوروبا وإنما أيضا بسبب مكانتنا الراسخة في ميدان التمويل الملاحي الدولي". يثق رئيس مجلس إدارة بنك هامبورج أن فلورز سيساعد البنك في عملياته في الخارج, فهو يقول: " إن باستطاعة فلورز أن يكون عونا لنا ليس في آسيا فقط, فهو يملك شبكة من العلاقات ممتدة على نطاق العالم".