مالفا وبهرام يتجاوزان الحدود الفنية بصفاء اللون وجمال الأسلوب
مالفا وبهرام يتجاوزان الحدود الفنية بصفاء اللون وجمال الأسلوب
أعمال إبداعية تستجيب لمخيلة فنان مرهف الإحساس، تتجلى في روعة التكوين، وموسيقي لونية عذبة، وانسيابية للخط، عبر تشكيلات فنية تحمل بين عناصرها سمة الخصوصية والتجديد، وتوحي بمكانة الإبداع وجدية المبدع.
أمام تجريد لوني، ولون انطباعي نقف بين تجربتين مختلفتين تحملان ثقافة الشرق بأصولها العربية، ممتزجتين بالحضارة الغربية المنفتحة، وذلك في صالة حوار التي تستضيف هذه الأيام معرضا تشكيليا عالميا لكل من الفنان التشكيلي النمساوي مالفا والفنان التشكيلي الألماني بهرام. قدم كل واحد منهما تجربته الفنية، وصور مشاعره ضمن أطوال ومقاسات محددة لتفتح آفاقا للمتلقي ليقرأها من خلال تجربته الشخصية.
يؤكد ذلك الدكتور عبد الواحد الحميد عقب افتتاحه هذا المعرض حيث قال: عندما تحضر معرضا ترى اللوحات وهي تمثل ثقافتهما ونحن أمام فنانين تمتزج تجاربهما التي تحمل ذاكرة الشرق وواقع الغرب، فهذا التكوين النفسي ينعكس على لوحاتهم، وشعرت أن هذه اللوحات تعكس التركيبة الشرقية الغربية، وأشعر أنني في حاجة إلى العودة مرة أخرى لتأمل هذه الأعمال لكي استنطق اللوحة وتستنطقني.
الفنان رسم تلك اللوحات من وحي تجربته وأنا لي تجربتي الشخصية وقد أفهمها بشكل مختلف عن الفنان كأي عمل أدبي إبداعي، في هذا المعرض الفنانان لهما أسلوبان مختلفان وبالتالي نرى كيف يمكن أن تستمتع بالعمل الفني بغض النظر عن المدرسة التي ينتمي لها الفنان، وكما هو واضح الاختلاف فكل فنان يمارس الرسم بما توحيه موهبته وتجربته، فالفنان بهرام ينتمي إلى المدرسة التجريدية الألمانية، في حين نجد الفنان مالفا يتجه نحو المدرسة الانطباعية ومع ذلك الدهشة والانفعال اللذين يتولدان لدى المتلقي الذي لا يفرق بين هذه المدرسة وتلك، فهو أمام عمل فني في النهاية.وحول السبب لاتجاه الفنان مالفا لتصوير الطبيعة أجاب بقوله الطبيعة التي أرسمها أحاول أن توحي بمدى اهتمامي بالتفاصيل والجزئيات وجماليات الأشياء حتى أؤكد من خلال التجربة اللونية الانطباعية أن الحياة جميلة، وعندما نكتشف جمال الحياة من خلال تلك التفاصيل نعرف قدسية الأشياء وأهميتها، حينها نكتشف الخلق وأهميته وعلاقته من جانب روحي، وإنساني من جانب آخر فبداياتي في الغربة منذ 30 سنة كانت طبيعية وبعدها تحولت إلى أحجام ورسومات كبيرة كانت مزيجا من التجريدية والواقعية، فأنا دائما أعمل وسط خليط من التجارب التي عشتها، فأنا واقعي، انطباعي، تجريدي في لحظة واحدة وفي جسم واحد لا أربط نفسي بتيار محدد أو أسلوب فني معين، رائع أن تغامر وتكتشف، ومن الأفضل ألا يكون لك حدود وأن تنفتح على كل شيء تتأثر بكل شيء تبدع باللغة التي تريد بانطباعك، بثقافتك، بانفتاحك على العالم كله، رسالتي رسالة ثقافة وسلام، وحب. وعن رأيه في الفنون الحديثة التي نشأت في الغرب كالفيديو آرت والمفاهيمية والتركيبية قال: أقبل كل التيارات المعاصرة والمستقبلية كلها عبارة عن شهادة على أن العصر الإنساني اليوم مادي، وأنا أحاول بقدر الإمكان أن أتمسك بالروح، لأن المادة من دون روح تكون قاسية غير أبدية. أقبل التمدن والعولمة والتقنية بإيجابياتها فقط أنا لا ألغي هويتي وانتمائي وثقافتي أحاول أن أؤكد أنني من هذا العالم ضمن هذه الرؤى نكتشف العالم ونتعرف عليهم ونحترم بعضنا البعض. وحول الكيفية التي يرسم بها هذه الأعمال الطبيعية قال: الطبيعة هي المادة الوحيدة التي لا يمكن رسمها من الذاكرة إلا بأسلوب آخر أنا أسلوبي الطبيعة، وأنا انطباعي لابد أن أخرج للطبيعة مباشرة أتأمل الشجرة لكي أتحول إلى شجرة حتى أستطيع أن أرسم شجرة هي شجرة مالفا أو وردة مالفا أو أفق مالفا بهذه اللغة أرسم الطبيعة بشكل مباشر ككل الفنانين العالميين. أما الدكتور أسعد السعود فقال عن المعرض وعن الفنانين عندما أتحدث عن هذين الفنانين اللذين ينتميان إلى أصول عربية ويحملان بساطة الطبيعة التي عاشاها في أرض الجزيرة السورية ومن خلال احتكاكهم بالفنانين في المدن الكبيرة عندما انتقلوا إلى هناك أصبحت رؤيتهم أكثر عمقا فلم يختلطوا بالأفكار الغريبة فتجاوزوا المدارس الغربية والحدود الفنية المرسومة التي كنا نتلقاها في المدارس تجاوزوا ذلك برؤيتهم الخاصة المحلية البسيطة، وحينما انتقلوا إلى حياة جديدة في أوروبا منحهم ذلك احتكاكا أوسع مع الفن الأوربي حيث لا توجد قيود ذهنية معينة أمام الفنانين مع أنفسهم فتمازجت واحتكت البيئة العربية مع تلك الأوروبية فأعطت نتاجا رائعا وصافيا، في هذا المعرض مدرستان متضادتان في الأسلوب، وفي اللون، وفي الريشة، فالفنان مالفا ظل يعانق ببساطته الريفية حيث نشأ مع البساطة الأوربية المتمثلة في نقاء الهواء والخضرة الدائمة فأبدع هذه اللوحات الجميلة، ففي أعماله ترى الهواء أمامك يحرك أغصان الشجر فهذا هو الإبداع، حيث استطاع أن يلغي القيود الذهنية وأطلق الفنان ريشته لتتحرك بكل حرية فجاء صفاء اللون والأسلوب، أما الفنان بهرام فهو يختلف عن سابقه فهو بعيد عن الطبيعة والواقعية، وإنما هي واقعية ذهنية اعتمد فيها على اللون البسيط الذي نراه ينساب ويشكل اللوحة فلم تكبله الأزمات النفسية والاجتماعية، فأعطى مجالا واسعا أمام اللون ليتجاوز تلك المسائل ويتخطى تلك القواعد، نتمنى أن يستفيد الفنانون المقيمون على هذه الأرض من هذه التجارب وهذه الإبداعات.
ومن جانب آخر تحدث الفنان بهرام عن أعماله بقوله أعيش التحدي مع نفسي ومع اللوحة حيث تستهويني المقاسات الكبيرة التي تحتاج إلى كفاح و تتطلب قدرة للتغلب عليها والسعي المتواصل للفت انتباه المشاهد وجعله يتفاعل مع العمل الإبداعي، أستخدم ألوانا متعددة وخامات مختلفة كالرمل والفحم والزيت وغيرها، اللوحة هي التي تسيرني وتتحكم في خطوطي وكذلك موضوعي ونوعية المواد التي أستخدمها، في البداية كنت أعتمد على رسم تصور مبدئي للعمل الذي أريد تنفيذه، أما بعد وصولي إلى مرحلة الاحتراف صار العمل روتينيا أتعامل مع اللوحة حسب الحالة النفسية، فأبدأ بالعمل بوضع الألوان بعشوائية على اللوحة ومن ثم الخطوط والنقاط والمساحات وبعد ذلك أجد نفسي في عالم آخر تسيرني اللوحة ففي النهاية يتضح الموضوع أمامي أحيانا أشخاص وأحيانا أخرى طبيعة. وحول هذه المرحلة يقول إن الفنان يصل إليها بعد أن يتقن رسم الطبيعة ويتمكن من التعامل مع تفاصيلها ومن ثم يستطيع تجريدها، فالتجريد مرحلة تأتي بعد إتقان الفنان لرسم الطبيعة وهي حصيلة العمل الانطباعي أو الفوتوغرافي، وعن الفنون الحديثة وتأثيرها على اللوحة التصويرية قال ظهرت الفنون الحديثة في الثمانينيات وزاحمت في فترة من الفترة اللوحة التصويرية، لكن بقيت اللوحة تستعيد مكانتها لأنها هي التي تبقى في المتاحف وتتناقلها الأجيال. وعن مدى الفائدة التي يمكن للفنانين السعوديين أن يجدوها من خلال إقامة مثل هذه المعارض تحدث الفنان عبد العزيز الناجم بقوله هذه الفعاليات تفتح آفاقا أمام الفنان وتوسع مداركه وتجعله يلتقي رموز الفن العالمي، ويستفيد من تجاربهم فهم يقدمون خلاصة الفنون التي مروا بها فمنهم ومن خبراتهم تكون الفائدة، كما كان للفنان علي الرزيزا رأي حول ذلك حيث قال هذه المعارض هي التي كانت تنقص الفنان السعودي، فالاطلاع على فنان من بيئة ودولة أخرى تعطي قوية وتحفز الفنانين لتقديم ما لديهم وتفتح مجالات جديدة وتعرفهم على مدارس واتجاهات حديثة نتمنى أن تعم الفائدة، وأن تستغل هذه المعارض لإضافة رصيد إبداعي لدى الفنان.