شركات ألمانية بارزة متورطة في قضايا فساد

شركات ألمانية بارزة متورطة في قضايا فساد

"تصرف بأمانة ! ". هذه هي أولى الكلمات التي تخاطب بها شركة سيمنز العاملين فيها. أما في شركة دايملر كرايزلر فتقول أجندة سلوكيات العمل المهني في بندها الأول إن الشركة تطلب من العاملين فيها التمسك بالتصرف الأخلاقي والأمانة في جميع مناحي الاقتصاد. كما أن الكوادر القيادية وأعضاء مجلس الإدارة بشكل خاص مطالبون بالتمسك بأعلى القيم الأخلاقية لأن سلوكهم يطبع صورة الشركة ويضرب مثلا للآخرين".
هذا على مستوى الكلام. أما من حيث الممارسة فقد تكشفت في الأسبوع الماضي فضيحتا فساد, وقد اضطرت شركة دايملر كرايزلر في أعقاب ذلك إلى الاستغناء عن إداريين من الصف الأول ممن طالتهم الشبهات بدفع رشا في تركيا وغيرها من البلدان لكي يستطيعوا بيع حافلات، كما اتهم كبار المسؤولين في شركة سيمنز بدفع رشا مقابل حصولهم على عقود لقسم شبكات الاتصال الثابتة في الشركة.
ولعل ما يثير الانتباه في الفضيحتين أن كبار المسؤولين في كلتا الشركتين هم المتورطون, كما أن من اللافت أيضا, وكما تبين من التحقيق حتى الآن, أنه لا توجد ثمة دلائل على إثراء شخصي غير مشروع لمديرين على حساب الشركة التي توظفهم.

وهذا يدعم مقولة إنهم يعتقدون أنهم يخدمون شركتهم بمثل هذا التصرف. وفي الحقيقة أن التحقيق في تهم بالفساد ليس جديدا لا على شركة دايملر كرايزلر ولا على شركة سيمنز. بل على العكس من ذلك سبق أن وجهت تهم بالفساد والتهرب الضريبي لشركة دايملر كرايزلر في آب ( أغسطس ) 2004 من قبل هيئة الرقابة على البورصة الأمريكية. وقد اعترفت الشركة في تقريرها الأخير بأن " دفعات غير مشروعة قد حدثت بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية. " كما أن سيمنز كانت موضوع تحقيق في تهمة فساد في كوريا الجنوبية حيث كان الأمر متعلقا بإحالة عطاء لإنشاء خط للسكك الحديدية. وقد سبق لأحد مديري سيمنز السابقين أيضا أن أوضح في آذار ( مارس ) 2003 بأنه لا يعرف إلا عن قليل من المشاريع لتوليد الطاقة الكهربائية في مناطق جنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط والأدنى التي تمت دون دفع رشا.

وباستمرار يتكشف المزيد من مثل هذه الوقائع ليس فقط لدى الشركتين الألمانيتين البارزتين. فأخيرا حظر البنك الدولي إحالة أي مشاريع على الشركة الهندسية (لاميير إنترناشيونال) لمدة سبع سنوات, حيث كانت قد تمت إدانة هذه الشركة في دولة ليسوتو الإفريقية في قضية فساد. وقد قدر مدير الشركة تراجع حجم أعمال شركته نتيجة لهذه العقوبة بنسبة 6 في المائة.

ويحاول العديد من الشركات الصناعية الغربية, المشهورة بنجاحاتها في مجال التصدير, أن تدفع عن نفسها مثل هذه التهم. ومن المعروف أن الشركات التي يتكرر ظهور أسمائها على قائمة الفساد هي الشركات التي تنفذ مشاريع كبرى من كل الأصناف مثل محطات توليد الطاقة, والسدود المائية, والطرقات السريعة, والسكك الحديدية, وشبكات الكوابل. ويبدو أن ثمة علاقة ما بين كبر حجم العطاء وخطر وقوع الفساد. وغالبا ما تكون الوكالات الحكومية هي الجهة المخولة بإحالة العطاءات الكبيرة.
إن متابعة الادعاء الألماني العام للسلوك غير السوي في بلدان العالم الخارجي ليست بالأمر البديهي, حيث كان القانون الألماني لسنوات طويلة يسمح لمديري الشركات الألمانية برشوة المسؤولين في الدول الأجنبية. بل إن الشركات كانت تعتبر ما تدفعه من رشا "كنفقات نافعة " غير خاضعة للضريبة. غير أنه ابتداء من شباط ( فبراير ) 1999 أصبح دفع الرشا للمسؤولين الأجانب يعاقب عليه القانون.
ويقول بيتر آيجن, مؤسس منظمة الشفافية الدولية المناهضة للفساد, بسعادة غامرة : " ومنذ ذلك الحين أصبحت مجازفة بالنسبة إلى أي رجل أعمال ألماني أن يقدم رشوة في شانجهاي كما هي في فوبرتال ".

ولكن هذا لا يعني أن العالم قد أصبح الآن أفضل مما كان عليه في السابق, بل أصبح أكثر تعقيدا خصوصا في بعض المناطق حيث أصبحت " بخششة " الموظفين أمرا يومي الحدوث , حيث يضطر المرء في بعض بلدان العالم إلى وضع ورقة نقدية في جواز سفره لكي يحصل على الخدمة المطلوبة.

وقد لا يكون لذلك أي تأثير ضار, مثله في ذلك مثل هدايا التعارف, التي تنتمي إلى الثقافة التجارية في بعض البلدان, والحقيقة أن الحدود الفاصلة ما بين تعهد العلاقات بالرعاية وبين الفساد هي حدود عائمة. ولكن من العلامات المؤكدة على وقوع العمل المخالف للقانون وفقا لمعايير منظمة الشفافية الدولية, دخول الحسابات البنكية السويسرية في المعادلة. وهو ما أثار الشكوك, وفقا للتقارير الصحفية الأخيرة, بشركة سيمنز.

وعندما يكون الفساد ممنوعا, ولكنه في الوقت نفسه يمارس يوميا, تقع الشركات في معضلة. ويقول أحد كبار مديري صناعة الإنشاءات : " إن شركات المقاولات في العديد من البلدان لا تحصل على أي عقود دون رشوة, والأسوأ من ذلك أن المقاول النظيف يخسر أمام من يدفع الرشوة."

ولعل أضمن السبل هو تحاشي مثل هذه البلدان : من أمثال إندونيسيا على سبيل المثال. ومن المعروف أن ألمانيا تورد لهذه الدولة الصاعدة بضائع وخدمات بما قيمته 1.5 مليار يورو. ولكن إندونيسيا تحتل المرتبة 122 على مؤشر الشفافية وهو ما يعني استشراء الفساد فيها إلى حد بعيد.

هذا وقد جاء في استطلاع لنحو 1700 مؤسسة أجراه المعهد الإندونيسي للبحوث الاقتصادية والاجتماعية أن الرشا تشكل 10 في المائة من تكاليف الإنتاج. وبالمثل تعتبر بولندا وروسيا والصين من البلدان التي لا مندوحة عن الرشوة فيها لتسيير المصالح.

كل هذه الدول شريكة تجارية مهمة لألمانيا. فالصين وحدها اشترت من الصين عام 2005 ما قيمته 21.3 مليار يورو من البضائع والخدمات. ويقول أحد المهندسين ممن لهم خبرات واسعة في الخارج : " من السهل القول إن المرء يعزف هناك عن العوائد عندما يكون الناس في الوطن في انتظار العمل والمستثمرون في انتظار الأرباح. "

أما أن الفساد يؤذي فهو قول أصبح في هذه الأثناء موضع خلاف بين الاقتصاديين, ولكنه, على أية حال , يشكل ظاهرة لا يبدو أن من السهل اقتلاعها. وسؤال ما إذا كان الفساد قد اتسع في السنوات الماضية فهو أمر مشكوك فيه, ولكن المؤكد, على أية حال, هو تزايد التظاهر بالصلاح والاستقامة.

الأكثر قراءة