تطوير منتجات التكافل يساعد مليار مسلم على التخطيط لمستقبلهم المالي
إن سوق التكافل العالمية، رغم أنها موجودة منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، إلا أنها ما تزال في طور طفولتها النسبية. صحيح أن بعض الأسواق في أماكن مختلفة من العالم أكثر تطوراً من غيرها، ولكن الصناعة بشكل عام لايزال أمامها طريق طويل. يجلب تطوير تكافل (التأمين الإسلامي) لأكثر من مليار مسلم الفرصة لمساعدتهم في التخطيط لمستقبلهم المالي. إن المبدأ الذي يقوم عليه جوهر التكافل هو تقديم الحماية لمن هم في أمس الحاجة إليها. وهذا المبدأ يتفق مع التعاليم الأساسية للإسلام.
إن الصناعة الآن في وضع يؤهلها للتوسع بشكل أساسي، بالنظر إلى النمو الاقتصادي الإقليمي وتوافر المزيد من الفهم لطبيعة التكافل، وبالنظر إلى أن الناس قد بدأوا في تقدير مزايا الإنصاف في هذا المنتج الذي يتفق مع أحكام الشريعة.
هناك عدد من المحركات الأساسية للطلب على التكافل. فالتوقعات الاقتصادية، على المديين القصير الطويل، تشير إلى أن الأمور مواتية. وهناك قدر أكبر من الوعي لدى جميع الطبقات الاجتماعية بالحاجة إلى التخطيط المالي. ثم إن النظرة الاجتماعية المعارضة للتخطيط التقليدي (الذي لا يراعي في العادة أحكام الشريعة الإسلامية) تجعل من التكافل الخيار الأمثل.
وللاستفادة من هذا المناخ الإيجابي، فإن شركات الخدمات المالية، خصوصاً شركات التكافل، في حاجة إلى التعامل مع السوق بأسلوب من المهنية العالية، وإرساء أسس ثقة المستهلكين بها من خلال تقديمها لمنتجات وخدمات فريدة.
كما أن تثقيف الجمهور بمفهوم هذا النظام المالي الإسلامي الفريد ومنتجاته وفوائده، سيتيح له الصعود إلى مستوى التحدي أمام المنافسة العالمية من خلال تفجير الطاقات الإبداعية والمهارة الاستثمارية في إدارة المشاريع المغامرة لدى مصنعي الخدمات المالية، من الذين يؤمنون بصحة النظام المالي الإسلامي.
إن العامل الأول ذا الأهمية القصوى في نجاح الصناعة هو التسويق من خلال العلاقات. ويقوم هذا النوع من التسويق على التعامل من خلال شبكات معينة، وعلى إدراك أن التسويق قائم أساساً على الإدارة الكلية لشبكات المؤسسة المالية والسوق والمجتمع. كما أن وجهته هي إنشاء علاقة طويلة الأمد مع الزبائن والموزعين تعود بالنفع على الجميع، وهي قيمة يعمل جميع الفرقاء على إنشائها فيما بينهم. وتتجاوز هذه العلاقة الحدود التقليدية بين المهام والأنظمة المتخصصة. وستظهر آثار هذا النجاح في صناعة التكافل العالمية، التي يتوقع أن تنمو بمعدل يراوح بين 20 و25 في المائة سنوياً.
مفترق الطرق
إن المؤسسات المالية، الإسلامية منها والتقليدية، تقترب بسرعة من مفترق الطرق. ولتطوير صناعة التكافل فإنها في حاجة إلى فهم وقبول وجهات النظر حول الأمور التي يطلبها المسلمون لرفاهيتهم المالية في المستقبل.
إن المنتجات المقدمة للجمهور، وقنوات التوزيع المستخدمة، وكذلك الالتزام بالقواعد والأنظمة، ليست هي الحل الوحيد. فهناك أمور أخرى تعين على بناء حماية تغذي ذاتها بذاتها لكبار السن والمقعدين والأفراد الأقل حظاً في المجتمع. من هذه الأمور نذكر استخدام منهج من البساطة النسبية يقوم على أساس من التنوع والتركيز الفطن، من خلال التخطيط المالي المتخصص وتقديم الإدارة للمشورة ضمن إطار مناسب من المنتجات التي تعمل على توليد الثروة المالية وتغطية المخاطر. فالمنتجات المالية بصرف النظر عن نوعها ستباع ولا تشترى. وهذا يعزز من القيمة المضافة التي يتعين على شركات التكافل إحضارها إلى السوق حين تعمد إلى تقديم التثقيف للمستهلكين، استناداً إلى الحاجة الحرجة للمستهلك للتخطيط لمستقبله بشكل شخصي. وهذا الأمر ليس من السهل إنجازه، وهو السبب في أغلب الأحيان وراء ابتعاد كثير من الناس من مختلف الأعراق والمذاهب والألوان والديانات عن مواجهة الأزمات المالية وشيكة الوقوع في حياتهم.
وربما لا يدرك هؤلاء الأفراد أن بمقدورهم تحمل مسؤولية شؤونهم، وعلى هدى من الأحكام الشرعية. وحين يتوصلون إلى إدراك ذلك، فإن الزبائن المحتملين سيتوصلون إلى فهم الحقيقة التي تقول إنهم في حاجة إلى المنتجات المالية الإسلامية. وبالتالي سينشأ طلب إضافي، مما سيؤدي بالتالي إلى المزيد من النمو، والمزيد من التطور والعمق، وسيساعد على التوجه نحو إعداد أفراد مسنين في المجتمع من الذين يقومون بحماية أنفسهم بأنفسهم من خلال التمويل الذاتي والاكتفاء الذاتي دون الاعتماد على تلقي الهبات والإحسان من المجتمع. بمعنى آخر من المهم بالنسبة للمستهلكين أن يفهموا الحاجة إلى الحماية المالية.
وتشير الإحصائيات الاقتصادية، خصوصاً في الشرق الأوسط، إلى أن البلدان آخذة في تقليص عوائد الضمان الاجتماعي، الأمر الذي يجعل كثيراً من الناس في وضع مكشوف إذا كانوا غير قادرين على العمل. وهذا يعني أن التكافل له وضعه وبيئته الطبيعية، التي يجري تطويرها وتغذيتها، حيث إن الشركات آخذة الآن بالاستعداد والانتباه لهذا الاتجاه العالمي المتنامي.
ومن الأمور المهمة في توسيع هذه السوق هناك حجم الشركة ونطاقها ومدى المساندة التي تتلقاها. ويكمن سر النجاح المتواصل في قدرتها على التطوير السريع للموارد البشرية التي تمتلك المعرفة والمهارات، ليس فقط في المجالات الإدارية والمالية والفنية، وإنما كذلك في الأحكام والمبادئ الشرعية.
وستواصل الكوادر الفنية المدربة تناول الخدمات المالية من خلال الأساليب التثقيفية لمساعدة المستهلكين في التحليل والتخطيط المالي لأموالهم الشخصية. وسيقدمون المشورة حول شراء المنتجات المناسبة لحاجاتهم المستقبلية، وسيديرون الأموال وفقاً لأحكام الشريعة.
زيادة الأموال
إن الزيادة في عرض الأموال، التي ستتولد من خلال هدفنا المشترك، ستعمل على توليد زيادة في القوة الشرائية للأفراد، والتي تستخدم بعد ذلك في الصناعات المالية وغير المالية وقطاعات السوق.
وستعمل الزيادة في الطلب الشرائي في القطاعات المذكورة على تحفيز نموها الرأسمالي. وسيعمل النمو الرأسمالي بدوره على رفع مستوى المعيشة في المجتمع. وحين تسعى المؤسسات لتحقيق حلم المستقبل للمجتمع الإسلامي المثالي في التكافل والازدهار، فإن صناعة المالية الإسلامية ستنمو وتزدهر.
إن التسويق من خلال العلاقات له أهمية قصوى في الوفاء بالتحديات التي تواجهها الصناعة. فهذا النوع من التسويق يعمل على تحديد العلاقات المربحة مع المشاركين وأصحاب المصالح الآخرين وتأسيسها والمحافظة عليها وتعزيزها، بما يضمن تحقيق أهداف جميع الأطراف من ذوي العلاقة.
وهناك مكونات أخرى تعتبر جزءاً لا يتجزأ مما تقدم، وهي تقييم السوق، وتحديد الفرص، والتحليل التنافسي، وتقييم الكفاءات. إن العمل مع التنوع وتطبيق خطط العمل من خلال دوائر مساندة من المتخصصين سيساعد على تحقيق جاهزية السوق، وهو أمر ضروري كذلك لفهم موقعنا وتحديد الوجهة التي نرغب في الذهاب إليها.
إن الشركات التي تقدم منتجات التكافل العامة والعائلية في حاجة إلى تطبيق أفضل الممارسات العملية في عملياتها، بهدف المساعدة في تنمية مستويات المعيشة الشخصية للمجتمع الإسلامي من خلال إنشاء الثروة وحمايتها.
إن التكافل بالتأكيد هو موجة المستقبل، حين نتطلع إلى تحقيق إمكانياته الهائلة لكل من الصناعة والمستهلك. ومن الأهمية بمكان أن نفهم احتياجات العملاء وتفضيلاتهم في تطبيق الاستراتيجية الناجحة، وكذلك فهم مدى بروز أهمية الاحتفاظ بالعملاء باعتبارها حجر الزاوية لأية خطة تسويقية سليمة. ويجب أن نتحرك كذلك، جنباً إلى جنب ما تقدم أعلاه، نحو تطوير ثقة العملاء بالمنتج، وبالجهة التي تقدمه.
إن تطوير مقاييس معروفة للجودة، وقدرة المزودين على الوفاء بالمتطلبات التشريعية والتنظيمية والتكيف المتواصل معها، وضمان اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الجرائم المالية، هي جميعاً من الأمور الأساسية في تعزيز وتغذية ثقة العملاء.
الاستفادة الكاملة من الإمكانات
إن التركيز القوي على المسؤوليات المشتركة هو السبيل لتحقيق الإمكانات الكاملة لنظام التكافل. وفي الوقت الحاضر ما يزال التكافل سوقاً ضيقة الانتشار، ولكنه يتمتع بإمكانات هائلة في سوق تستوعب ما يزيد على مليار مسلم، أي أكثر من 20 في المائة من سكان الكرة الأرضية. إننا ندرك الحاجة ليس فقط إلى إنشاء وعي للسوق بطبيعة التكافل، وإنما كذلك إلى تطوير منتجات تتطلبها السوق.
يركز التكافل بشكل قوي على المشاركة في المسؤوليات. وتقوم مبادئه الأساسية على تحقيق الإنصاف للجميع، أي المشاركين الأفراد، بمن فيهم أصحاب المصالح وأفراد المجتمع بشكل عام. إن العمل من خلال المشاركة يتيح المجال لاستخدام أساليب توزيع متنوعة لتناسب طبيعة كل سوق. ومن المتوقع أن يكون معدل النمو السنوي للسوق ما بين 15 إلى 20 في المائة. معنى ذلك أنه يكاد يكون من المستحيل استبعاد التكافل من الإطار العام للمنتجات المالية، نظراً لما يتمتع به من مزايا متفوقة عموماً مقارنة بالسمات التقليدية للتأمين والضمان.
إن التكافل، سواء كان عائلياً أو عاماً، يسمح للأفراد بتخطيط مستقبلهم ويعينهم على تزويد أنفسهم بالضمان والأمن المالي اللذين هم في حاجة إليها.
* المدير العام لشركة التأمين سوليداريتي في البحرين
حق النشر حصري لجريدة "الاقتصادية" بناء على اتفاق بين "الاقتصادية" و"إسلاميك بانكنج آند فينانس" المجلة البريطانية المتخصصة في المصرفية الإسلامية.