رسالة إلى المشاركين في توعية الحج

رسالة إلى المشاركين في توعية الحج

الحمد لله الذي فاضل بين الأزمان والأوقات، وجعل الحج من أفضل العبادات، والحمد لله القائل: "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك"، والحمد لله القائل: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، والحمد لله القائل: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"، والصلاة والسلام على من رغب أمته في التزود من الطاعات وحذرهم من مغبة المعاصي والسيئات، وعلى آله وصحبه ومَن سار على نهجهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين . أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى تفضل على عباده بمواسم للخيرات، تضاعف فيها الحسنات، وتحط فيها السيئات، يزداد فيها الصالحون من القربات، ويندم فيها المفرطون على ما فاتهم من الأوقات، قال تعالى: "والفجر وليالٍ عَشْر"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
ومن الواجب على أهل الإسلام إدراك حقيقة الحج ومفهومه والأهداف والغايات من مشروعيته، وأن يعلموا أنهم بالحج يؤدون عبادة من العبادات لله عز وجل، ومن المعلوم أن كل عبادة لا تصح ولا تقبل إلا إذا تحقق فيها الإخلاص لله تعالى وموافقة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، وكانت صادرة عن إيمان صحيح، كما يدل على ذلك قول الله تعالى: "ومَن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا"، فعلى مَن يريد الحج أن يتحرى الإخلاص ويحرص على تحقيقه، وأن يجتهد في أداء المناسك على الوجه الذي أداها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يجتنب ما ينافي الحج أو ينقص ثوابه من التصرفات القولية والفعلية، فقد قال تعالى: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج".
وإن حكمة الله تبارك وتعالى اقتضت إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنزال الكتب لتبيين الحق الذي من أجله خلق الله الخلق، ولإيضاحه وتفصيله للعباد ليعبدوا الله على بصيرة ومعرفة، ولإقامة الحجة على الناس، قال تعالى: "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حُجة بعد الرسل".
إخواني الدعاة: إن ما تقومون به من الدعوة إلى الله من أوجب الواجبات وأفضل القربات، ولأجل ذلك جعلها الله تعالى وظيفة خير العباد من الرسل والأنبياء وأتباعهم وكلفهم بها، فقاموا بذلك خير المقام وبلغوا رسالات ربهم أتم بلاغ، قال تعالى: "الذين يُبلَّغون رسالاتِ الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيبا".
وفي هذا الموسم يأتي الحجيج وهم متخففون من مشاغل الدنيا وأمورها، مقبلين على الله عز وجل، وهذا مما يسهل عليكم المهام التي تقومون بها.
ومما يعظم مسؤوليتكم أيضا: أن كثيراً من الحجاج لا يتسنى لهم الحج إلا مرة في العمر، فحري بكم أن تجعلوا حجتهم على سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأن تبذلوا لهم النصح والوعظ والإرشاد فيما يتعلق بعقيدتهم وعبادتهم.
وإن أهم صفة تنبغي في الموعظة أن تكون حسنة كما نص على ذلك القرآن الكريم، وهذه تشمل جميع المعاني الحسنة والصفات المطلوبة في الموعظة في لفظ جامع.
ووصفها بالحُسن تحريض على أن تكون لينة مقبولة عند الناس، أي حسنة في جنسها، فتكون حسنة من حيث الأسلوب، وكذلك حسنة من حيث الإقناع. قال ابن القيم رحمه الله: عن قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة": "أطلق الحكمة ولم يقيدها بوصف الحسنة، إذ كلها حسنة. ووصف الحسن لها ذاتي، وأما الموعظة فقيدها بوصف الإحسان إذ ليس كل موعظة حسنة". انتهى.
إن الموعظة الحسنة لا بد أن يكون حُسنها موافقا للكتاب والسنة، لا لهوى الواعظ أو رغبة المستمعين.
ومن الحكمة إذا كانت الدعوة لأهل علم أن تكون بالأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة، الكاشفة للحق، الداحضة للباطل.
وإن كانت مع سائر الناس وعوامهم فبالموعظة الحسنة، المشتملة على الرأفة بالمدعو، والحرص على هدايته، واللطف به، وإيضاح ما يُدعى إليه حتى يطمئن قبله ويلين للحق.
وإن كان لدى المدعو شبهة فيما يُدعى إليه، أو هو متأثر ببعض الشبهات، من بيئة أو فكر، فهذا يجادل بالتي هي أحسن مع الصبر على مناقشته وإقناعه، وكشف شبهاته، وعدم التعجيل عليه والتعنيف له.
وإني أوصي نفسي وإخواني بإخلاص النية لله تعالى، فإن إخلاص النية مما يعين على قبول الدعوة، فتكون أعمالنا لله، لا نريد بها عرضا من الدنيا، قال بعض السلف: "إن العالم إذا لم يُرِد بموعظته وجه الله زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا".
كما أوصي إخواني الدعاة بالتواصل مع كبار العلماء، والتشاور معهم في مسائل العلم، وأن يرجعوا إليهم في المسائل المشكلة، ليستبين الصواب، وتتوحد الأحكام وتتقارب.
وفي الختام أشكر معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، على إشرافه ومتابعته أعمال التوعية في الحج وبرامجها.
وأشكر أصحاب المعالي والفضيلة زملائي أعضاء هيئة التوعية الإسلامية في الحج على جهودهم التي بدأت منذ انتهاء الموسم الماضي.
ولا أنسى ما يبذله الإخوة القائمون على أعمال الأمانة العامة للتوعية في الحج.
كما لا يفوتني أن أشكر الزملاء في قطاعات الوزارة المختلفة على جهودهم المساندة لنا في أعمال التوعية الإسلامية في الحج، وأخص أخي سعادة الأستاذ سعود بن عبد الله بن طالب وكيل الوزارة للشؤون الإدارية والفنية، والأستاذ سلمان بن محمد العُمري المدير العام للإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام، والزملاء في فرعي الوزارة في منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة.
أسأل الله تعالى أن يوفق الحجاج وسائر المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه، وييسر لهم أداء مناسكهم في طمأنينة وصحة وعافية، ويتقبل منهم، ويعيدهم إلى أهليهم سالمين، وأن يضاعف مثوبة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده، وسائر إخوانهما ومعاونيهما، وأن يجزيهم خيرا عما قدموه ويقدمونه في خدمة الإسلام ورعاية الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وتسهيل السبل على الحجاج والمعتمرين والزائرين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.

الأكثر قراءة