البنوك البريطانية تبحر في مياه مضطربة
يشارك سوق الأسهم البريطاني في موجة التحليق التي تشهدها البورصات الأخرى، ففي الأيام القليلة الماضية وصل إلى ذروة لم يصل إلى مثلها منذ خمس سنوات ونصف. ولم يثبط من اندفاعه سوى حركة التصحيح في سوق المواد الخام وتراجع أسعار أسهم الصناعات التعدينية، ومع ذلك فإن الإقلاع لن يكون دون صعوبات: وقد حدد بنك إنجلترا نسبة الفائدة الأساسية 5 في المائة وهي أعلى نسبة بلغتها الفائدة منذ خمس سنوات. وعلى الرغم من أن البنك المركزي طمأن الرأي العام بأن معدل التضخم سينخفض في منتصف العام المقبل إلى 2 في المائة، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه ليست ثمة خطوات أخرى في اتجاه ارتفاعات أخرى في أسعار الفائدة. ومن الواضح أن مستوى سعر الفائدة الحقيقي في بريطانيا أعلى مما هو في الولايات المتحدة وأعلى مما هو في الاتحاد النقدي الأوروبي. وقد انعكس ذلك على سعر صرف الجنيه الإسترليني القوي. ولعل من الجدير بالذكر أن الشركات البريطانية تحقق 61 في المائة من حجم أعمالها في الخارج، وأن ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي وارتفاع سعر صرف العملة البريطانية لا يشكلان بالضرورة وصفة للنجاح. هذا، وقد قامت بعض البنوك بشمول السوق البريطاني في حقائبها الاستثمارية.
في السابق كان الاستثمار في السوق البريطاني متواكبا مع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي حيث إن مؤشر (فاينانشيال تايمز 100) الذي لا يشمل سوى القليل من الأسهم الصناعية ويركز بشكل أساسي على أسهم المؤسسات الخدمية والمؤسسات المالية يعتبر مؤشرا لسوق (دفاعية). ولكن ذلك كله قد مضى وانقضى حيث أصبح 24 في المائة من الأرباح الرأسمالية من نصيب الشركات العاملة في قطاعي المناجم ومواد البناء، وبهذا يكون سوق الأسهم البريطانية قد خضع أخيرا للدورة الاقتصادية.
ولكن ما حال الأسهم البريطانية؟ من زاوية نسب حصة السهم من الأرباح فقط يمكن القول إن السوق البريطاني الذي تبلغ فيه حصة السهم من الأرباح 12.2 في المائة هو أرخص من بقية السوق الأوروبي حيث تبلغ هذه النسبة 13.4 في المائة وفقا للأرباح المتوقعة لعام 2007. أما مقارنة بسوق الإقراض فإن السوق البريطاني يظل أغلى من أسواق الأسهم في القارة الأوروبية.
إن من الصعب على المستثمرين أن يختاروا في السوق البريطاني قطاعات مغرية، طبعا باستثناء أسهم قطاع النفط التي تتداول بأقل من قيمتها الحقيقية، بينما يوجد عدد من القطاعات المثيرة للاهتمام، ولكن المبالغ في قيمة أسهمها وخصوصا قطاعات التموين التي يجري الاستحواذ عليها من قبل الشركات المساهمة الخاصة.
إن أسهم البنوك والسندات في تجارة التجزئة وأسهم شركات بناء الشقق السكنية تحتل مرتبة متأخرة جدا في سلم أولويات مديري الحقائب الاستثمارية. ويخشى المستثمرون من أن يشد المستهلكون البريطانيون الأحزمة على بطونهم لأنهم مضطرون إلى دفع أقساط أكبر على قروضهم السكنية، وتسديد فواتير دسمة مقابل ما يستهلكونه من غاز وكهرباء. أما البنوك ذات المستقبل الواعد، بغض النظر عن الدورة الاقتصادية في بريطانيا، والمستفيدة من النمو الاقتصادي الآسيوي فهما بنك ستاندارد أند تشارترد وبنك HSBC.
ويبدو أن أسهم البنوك البريطانية التي تعتمد في عملياتها إلى حد بعيد على الداخل تتعرض لحالة من التراجع عندما تزداد التوقعات بارتفاع أسعار الفائدة نتيجة للقلق من تعاظم حجم الديون الرديئة. ويذكر في هذا السياق أن حجم الدخل القابل للتصرف الذي يستخدمه البريطانيون لسداد قروضهم قد عاد للارتفاع إلى مستوى مماثل للمستوى الذي بلغه في فترة الركود خلال فترة بداية التسعينيات من القرن الماضي.
وثمة متسابق آخر في سوق الأسهم البريطانية لم يعد قادرا على التقاط أنفاسه هو بنك (HSBC ) الذي يحذر من عواقب الاستثمار حاليا في أسهم شركات الاستثمار العقاري التي تشكل مع شركات أخرى اتحادا احتكاريا في سوق العقارات. لقد كان الاستثمار في مثل هذه الشركات منجم ذهب فيما مضى، حيث استطاعت كبريات الشركات في هذا القطاع أن تحقق خلال السنوات الثلاث الماضية ارتفاعا في قيمة أسهمها بلغ في المتوسط 128 في المائة. أما الآن فيحذر بنك (HSBC) من احتمالات تراجع قيم هذا القطاع، لأن العديد من الشركات استثمرت أموالها في مراكز تجارية للتسوق مبالغ في قيمتها رغم تراجع الاستهلاك في الآونة الأخيرة إضافة إلى منافسة الإنترنت والأسواق الكبيرة المتخصصة بما سيشكل في المستقبل تحديا لمراكز التسوق تلك. وفي النهاية فإن بنك (HSBC ) ينصح بعدم الإقبال على الاستثمار في شركات هامرسون، وليبرتي إنترناشيونال، ولاند سكيوريتيز، وينصح بالمقابل بالاستثمار في شركتي بريتيش لاند وسلو إستيتس كهدفين مثيرين للاستثمار.