مصانع السيارات تنتقل من الغرب إلى الشرق

مصانع السيارات تنتقل من الغرب إلى الشرق

يبدو أن الخوف قد أمسك بتلابيب بروكسل، فألوف العاملين في مصانع فولكس فاجن قلقون على وظائفهم، لأن شركة صناعة السيارات تريد أن تنقل جزءا من الإنتاج. وفي بروكسل, حيث لا يزال 5400 من العاملين ينتجون سيارة جولف فولكس فاجن, يمكن أن تفقد قريبا 3800 وظيفة.
ومن المعروف أن لدى مصانع فولكس فاجن طاقات إنتاجية فائضة, وهي ليست الوحيدة التي تعاني من هذه المعضلة, ولهذا تدور حاليا وراء الكواليس معركة إزاحة, حيث إن شركة أوبل وكذلك شركة فورد تنتج كل منهما في مصانعهما في أوروبا الغربية أعدادا من السيارات أكثر بكثير مما تستطيعان بيعه. ويقدر الخبراء أن ربع الطاقات الإنتاجية المتاحة حاليا فائض عن الحاجة. وإزاء ذلك كان لا بد أن يكون لصانعي السيارات ردة فعل. فشركة جنرال موتورز, على سبيل المثال, قامت قبل أربع سنوات بإغلاق مصنعها في مدينة لوتون البريطانية, وتبعتها في السنة نفسها شركة فورد بإغلاق مصنعها في داجنهام, كما لم يعد وجود لشركة إم جي روفر MG Rover في لونج بريج, وبالمثل أيضا توقفت عجلة إنتاج سيارة بيجو 206 في رايتون. ولكن في موازاة ذلك وفي الوقت نفسه تم إنشاء مصانع جديدة لتجهيز السيارات في البلدان ذات الأجور المتدنية مثل التشيك أو سلوفاكيا.
أما قيام شركة فولكس فاجن بنقل إنتاج سيارة الجولف من بلجيكا إلى ألمانيا ذات الأجور المرتفعة, فيقول نوربرت فيتمان, خبير السيارات في مؤسسة PRTM للاستشارات، بأنه قادر تماما على تفهم هذه الخطوة : " حيث إن القضية هي قضية تكلفة الفرصة البديلة. ففي بروكسل يجري تخفيض الإنتاج لكي يصبح بالإمكان تحقيق الإنتاج بكفاءة أعلى في فولفسبورج المقر الرئيس لشركة فولكس فاجن.
ولا تعتبر بروكسل حالة فريدة, بل إن شركة جنرال موتورز تقوم في هذه الأيام بإغلاق مصانعها لإنتاج سيارات أوبل في مدينة أزامبويا البرتغالية. وقد أصبحت السيارة الصغيرة (كومبو) التي كان يجري إنتاجها هناك، تنتج حاليا في مصانع "أوبل" الإسبانية في مدينة سرقسطة ففقد بذلك 1100 شخص في البرتغال أماكن عملهم, وقد سبب ذلك نوعا من الهلع في أوساط العمال. وتعليقا على هذه التطورات, يقول كلاوس فرانز رئيس مجلس إدارة "جنرال موتورز" أوروبا: "المهم كخطوة أولى هو فقط استخدام الطاقات الإنتاجية المتوافرة في مصانع أوروبا الغربية, أما كخطوة ثانية فستشكل المصانع الجديدة في أوروبا الشرقية تهديدا للمصانع القديمة عندما يحين موعد اتخاذ القرارات بشأن إنتاج الموديلات المستقبلية", وهو يتوقع الأسوأ بالنسبة للمعنيين من العمال في أوروبا الغربية. والشيء الذي لم تظهر النقابات تفهما له هو سياسات الدعم المالي, وهو ما دفع فرانز لمطالبة اللجنة الأوروبية بعدم منح أي امتيازات لصانعي السيارات الذين يقيمون مصانع جديدة في الشرق بينما يقلصون في الوقت نفسه من الطاقات الإنتاجية المتاحة في الغرب.
إن الشرق يشكل نقطة جذب ليس بسبب تدني تكاليف العمل وارتفاع مستويات الدعم فقط, وإنما أيضا لأن فيه ثمة آفاقا رحبة للنمو الاقتصادي السريع. يقول كريستوف شتورمر من معهد التنبؤ " جلوبل إنسايت – Global Insight " إن " جميع منتجي السيارات يقومون ببناء طاقات إنتاجية في البلدان المتدنية الأجور لكي يتمكنوا من تلبية الطلب المتزايد. " وهو يقدر أن الإنتاج في أوروبا الشرقية وحدها سوف يرتفع حتى عام 2009 من 4.3 مليون إلى ستة ملايين سيارة.. أما سبب ذلك فهو الاستثمارات التي يجري ضخها في المواقع الجديدة, حيث قامت تويوتا عام 2005 بالتعاون مع بيجو – ستروين ببناء مصنع في مدينة كولين في سلوفاكيا, كما يقيم الفرنسيون في ترنافا السلوفاكية أيضا مصنعا آخر بطاقة إنتاجية قدرها 300 ألف وحدة. ويضاف إلى ذلك قدوم الآسيويين, حيث شيدت شركة كيا لنفسها مصنعا جديدا في سلوفاكيا أيضا, وهي تنتج في زيلينا منذ بضعة أسابيع سيارة سيياد (Cee'd ) المنافسة لسيارة الجولف والمخصصة لطرقات وشوارع أوروبا الغربية. وبالمثل وضعت شركة هونداي حجر الأساس قبل فترة وجيزة لمصنع جديد في مدينة نوسوفيتسه التشيكية حيث سيشرع ابتداء من عام 2008 في إنتاج 250 ألف سيارة سنويا. ويتبدى من خلال ذلك كله اتجاه واضح : حيث يتبع بناء كل مصنع جديد انخفاض في الأسعار, وهو ما ينبئ بزيادة حدة معارك الخصومات في المستقبل.
هذا وقد أظهرت دراسة لمؤسسة برايس ووتر هاوس كوبرز إن هناك ركودا في إنتاج السيارات في البلدان الصناعية, بينما من المتوقع أن تكون البلدان الصاعدة هي مصدر 84 في المائة من الزيادة في الإنتاج حتى عام 2010. ويقول كارل جاديسمان, خبير شؤون صناعة السيارات لدى برايس ووتر هاوس : " إن رد فعل بعض منتجي السيارات على تراجع حصصهم في الأسواق يجيء على شكل تقليص طاقاتهم الإنتاجية, بينما يقوم البعض الآخر بنقل ما لديه من تجهيزات إنتاجية إلى بلدان متدنية الأجور لكي تظل قادرة على المنافسة", ويعتقد جاديسمان أن التوقعات بنمو اقتصادي كبير يظل هو الدافع الرئيس وراء نقل التجهيزات الإنتاجية, فهو يقول إن : " العديد من البلدان الصاعدة تقف الآن فقط على عتبة ازدهار في السيارات. " ومن المتوقع أن يتم في أوروبا خلال الفترة من 2005 إلى 2010 إنتاج مليوني سيارة إضافية, وهذا يشكل ما نسبته 21 في المائة من الزيادة البالغة 9.1 مليون سيارة على نطاق العالم. ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الزيادة لن تتحقق في البلدان الأصلية للشركات المعنية, أي في فرنسا وإيطاليا وألمانيا, وإنما في الدول الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي, ويجيء على رأس القائمة الجمهورية التشيكية بمعدل نمو قدره 13 في المائة بين أهم عشرين من الدول المنتجة للسيارات. وبموجب تقديرات مؤسسة برايس ووتر هاوس فإن نحو نصف النمو المتوقع في إنتاج السيارات سيكون مصدره تويوتا ( 20 في المائة ) ورينو – نيسان ( 15 في المائة ) و هونداي ( 14 في المائة ).
وينطلق خبير ووتر هاوس كوبرز في تحليلاته من التقدير بأن مواقع الإنتاج الجديدة في أوروبا الشرقية لن تكون في وضع منافس لمواقع الإنتاج في أوروبا الغربية إلا بعد عشر سنوات. ومع ذلك فإن مواقع الإنتاج الجديدة تمارس منذ اليوم ضغوطا متزايدة على استغلال الطاقات الإنتاجية المحلية. ففي المصانع الجديدة يمكن تحقيق الأرباح حتى بحجم إنتاج ضعيف. ويفترض الخبراء أن هذا بالضبط هو ما ينتظر صناعة السيارات في أوروبا الغربية. وليس لزاما على المصانع القديمة دائما أن تصغر من نفسها. غير أن طموح المنتجين للوصول إلى كفاءة في التكاليف يؤدي إلى اختزال عمق القيمة المضافة, أو قد يلجأ البعض لنقل الطاقة الإنتاجية كما فعلت شركة فولكس فاجن في بروكسل. ومما لا شك فيه أن هذا هو أسوأ ما يمكن أن يحدث للعاملين.

الأكثر قراءة