شركة حلويات تثير فوضى في نيويورك بسبب إعلان عن وظيفة
انتعش الشارع الأمريكي أخيرا، مع طرح إحصائيات نسبة البطالة في سوق الأيدي العاملة في الولايات المتحدة. فالأرقام الجديدة لنسبة اليد العاملة كانت مفرحة جدا، حيث إن نسبة البطالة في تشرين الأول (أكتوبر) كانت 4.4 في المائة فقط، بالغة بذلك أدنى مستوى لها منذ أيار (مايو) 2001، ومحققة تراجعا طفيفا عن نسبة الشهر السابق أيلول (سبتمبر) 4.6 في المائة، والتي تعتبر أصلا قيمة خيالية للاقتصاد القومي في أمريكـا.
لكن الفرحة لم تعم الجميع، ففي الوقت نفسه الذي تم فيه الإعلان عن الإحصائيات، عمت مركز ضاحية نيويورك الحيوية، مانهاتن، فوضى عارمة، أثارها إعلان وظيفة لشركة تصنيع الحلويات العالمية (مارس) Mars الذي كان قد دعا إلى مقابلات توظيف لمعرضه الجديد M&M's World الذي يعتزم افتتاحه في ميدان المدينة الرئيسي تايم سكوير . ويعرض هذا الفرع الجديد كل ما تنتجه شركة مارس من عالم الحبيبات الملونة بجانب الفرعين اللذين افتتحتهما مسبقا في لاس فيجاس وأورلاندو في ولاية فلوريدا. وكانت الشركة قد أعلنت في الصحف ومواقع العمل الإلكترونية في الإنترنت عن توافر 200 فرصة عمل، منها 65 وظيفة ثابتة بدوام كامل. وقد كان مخططا لتلك الحملة بأن تكون موعدا جماعيا يأتي إليه كل مهتم وراغب للعمل في الفرع الجديد. هذا وقد كانت (مارس)، كما قالت بعد ذلك، تتوقع قدوم بعض المئات من الباحثين عن عمل.
ولكن بدلا من ذلك، انهارت كتلة من الباحثين عن العمل على أبواب الشركة: الموعد كان محدّدا في العاشرة صباحا، ولكن منذ ساعات الصباح الباكرة أخذت مجموعات البشر المهتمين بالوظيفة تتضخم بصورة سريعة وبلغت أبعادا بدأت تنذر بالخطر. وكردة فعل لتنظيم تلك الحشود وتأمين الأمن في المجموعات البشرية أرسل مركز الشرطة القريب عشرات من رجال الشرطة الذين سرعان ما قاموا بإقامة الحواجز والموانع، كما بدأت شرطة الخيالة بعمل دوريات من وقت لآخر. وتفاقم الوضع العارم في ميدان تايم سكوير واضطرت الشرطة إلى استعمال القوة في فرض الهدوء والنظام، وألقت القبض على أربعة أشخاص بصورة مؤقتة، كما فرض الأمر قدوم طبيب الطوارئ لمعالجة شخص أصابته نوبة ربو حادة.
ومع اقتراب موعد بدء المقابلات بلغ عدد القادمين للتقديم والمقابلة، حسبما ورد عن الشركة من خمسة إلى ستة آلاف شخص، لدرجة أن طابور المنتظرين امتد إلى شوارع عدة. مع هذا الوضع اضطرت شركة مارس إلى إلغاء الفعالية المقامة بعد انطلاقها بفترة وجيزة. وبعد عدد بسيط من المقابلات، وعدد قليل جدا من التعيينات، بدا واضحا لـ "مارس" أنها لن تسيطر على الهجوم الحاصل . وإضافة إلى ذلك، أوصت الشرطة من باب الاحتياط الأمني بإنهاء تلك الفوضى في أسرع وقت ممكن. وأما بقية المتقدمين الذين لم يستطيعوا تقديم الطلبات، فقد طُلب منهم الذهاب على أن يبعثوا بطلباتهم إلى الشركة عن طريق البريد العادي أو الإلكتروني. فأخذت الحشود والمجموعات تتفرق، والشتائم تنهال من أفواه من رجع خائبا.
في الواقع، المناصب الوظيفية التي أعلنت عنها مارس لن تكون سيئة بهذه الدرجة، ولكنها في الوقت نفسه ليست المنصب الذي يحلم به كل شخص. فأجر الساعة الذي وعدت به الشركة هو 10.75 دولار، وهو أجر ممتاز لاسيما أنه يزيد على الحد الأدنى للأجور المقرر قانونيا في الولاية الأمريكية نيويورك بأربعة دولارات. ووعدت الشركة أنها ستقدم للموظف المثالي ـ بجانب الأجر السخي ـ سلسلة متكاملة من الضمانات الاجتماعية، من بينها التأمين الصحي والتقاعد. وإضافة إلى ذلك، وعدت مارس في إعلانها الوظيفي بأنها ستعين مباشرة بعد المقابلة من تراه مناسبا للوظيفة، فاجتذبت بذلك العديد من الباحثين عن العمل لوعودها الحافلة بتجاوز صعوبات التوظيف البيروقراطية كافة وسرعة التعيين.
هذا الاندفاع الشديد على الوظيفة أظهر فعليا أن أمريكا, وعلى الرغم من تدني نسبة البطالة فيها، تعيش موقفا متأزما من باب الفرص الوظيفية - على الأقل من منظور الوظائف ذات الأجور الكافية. ولا تتميز ولاية نيويورك عن باقي الولايات الأمريكية من حيث نسبة البطالة، فقد بلغت أخيرا نحو 4.5 في المائة. ولكن من جانب آخر تعتبر نسبة الأشخاص الذين يعيشون في نيويورك تحت خط الفقر والبالغة 19 في المائة من عدد السكان، أعلى من المتوسط، وهذا يعني أن ما يزيد على 1.5 مليون شخص من إجمالي عدد سكان نيويورك البالغ 8.2 مليون نسمة يعيشون في فقر. المفارقة في الأمر أن العديد من هؤلاء الأشخاص ليسوا عاطلين عن العمل، ولكن أجورهم غير كافية لانتشالهم وعائلاتهم من ضائقة الفقر. وفي الولايات المتحدة أجمع تبلغ نسبة الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر 12.6في المائة. وقد أسس عمدة نيويورك بلومبيرج في هذا العام هيئة لمحاربة الفقر في المدينـة.
النسبة العالية من الأشخاص المتدنين اجتماعيا تلفت الأنظار بصورة متميزة كونها في مدينة تنعم بالرخاء والرفاهية تفوق باقي الولايات الأمريكية. وسواء في المطاعم أو المحال أو العقارات، في كل مكان يلمس الناظر في عاصمة المال العالمية طعم الغنى والرخاء والفخامة الذي يغذيه مجموعة غير مستهان بها من أثرياء العالم. وتبعا لقائمة مجلة فوربس (Forbes) لأغنى 400 شخص في أمريكا، يعيش منهم 45 شخصا في نيويورك - لا توجد أي مدينة في العالم تمتلك هذا العدد من المليارديرات.
الجزء الأكبر من الفقر يوجد خارج حدود المدينة الساطعة والمركزية مانهاتن، وبالأخص ينتشر بين الأقليات الطائفية التي كانت تمثل الجزء الأكبر من المتقدمين لوظيفة إم أند أمس، ففي ضاحية برونكس والتي تعتبر محط أنظار المستويات الاجتماعية المتدنية، تبلغ نسبة الفقر بين السكان 29 في المائة. وحتى في مانهاتن توجد تناقضات فظيعة بين السكان, فوفق استطلاعات قامت بها دائرة التعداد السكاني, يوجد في مانهاتن كمقاطعة أمريكية أكبر فارق في دخل الفرد من بين جميع المقاطعات في الولايات المتحدة، حيث إن نسبة الـ20 في المائة من السكان ذوي الدخل العالي في مانهاتن يزيد دخلهم بـ41 مرة على الـ 20 في المائة من الأشخاص ذوي الدخل المتدني.
بعد الكارثة المفاجئة التي وقعت مع موعد مقابلات التوظيف يوم الجمعة الماضي عبرت (مارس) عن أسفها العميق، فعلى موقع الإنترنت الخاص بها صرحت الشركة مدافعة عن موقفها لم نكن نتوقع أبدا مثل هذا الإقبال الجماهيري على الإطلاق، وأضافت معترفة بأنها قد سببّت المضايقات للمتقدمين للوظيفة. وعلى لسان المتحدث باسم الشركة صرحت مارس بأن مثل هذا الاندفاع للباحثين عن وظيفة لم يحدث مع افتتاح فرعي إم أند أمس وورلد السابقين في كل من لاس فيجاس وأورلاندو، لا من قريب ولا من بعيد، كما أن الشركة لم تسمع أبدا عن وقوع مثل هذه الحادثة في عدد المتقدمين من قبل لأي محل من المحال. هذا وقد وصل إلى "مارس" خلال الأيام القليلة الماضية ما يزيد على خمسة آلاف طلب توظيف خطي، الجزء الأكبر منها كان عبر الإنترنت.
وأكد المتحدث أن الشركة ستطلع على الطلبات المقدمة كافة، وأضاف أن موعد افتتاح الفرع الجديد في كانون الأول (ديسمبر) لن يتأجل بسبب عناء الاطلاع على الطلبات الكثيرة، وقال "قسم شؤون الموظفين في الشركة يعمل على الدوام ساعات إضافية لأجل الالتزام بالموعد".