تباين أداء الخليج في تقرير الاستثمار العالمي
صدر قبل أيام تقرير الاستثمار العالمي لعام 2006، الذي أشار إلى تزايد أهمية مجلس التعاون الخليجي على صعيد الاستثمارات الدولية. يكتسب هذا التقرير أهمية خاصة نظرا لجهة الإصدار وتحديدا مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو "الأونكتاد".
حسب تقرير"الأونكتاد" بلغ حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة (الواردة) في عام 2005 في العالم تحديدا 916 مليار دولار مسجلا نسبة نمو قدرها 29 في المائة. وقد أرجع التقرير أسباب الزيادة إلى ثلاثة عوامل رئيسية وهي النمو الاقتصادي ونمو الطلب العالمي على النفط وسعي مختلف الدول إلى تحسين بيئتها الاستثمارية.
تعرف الاستثمارات الأجنبية المباشرة بتلك الطويلة الأجل (وعلى هذا الأساس لا يدخل الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم ضمن هذا التعريف لأنها قابلة للتغيير في أي لحظة). يمثل الاستثمار الأجنبي مقياسا على وجود ثقة من قبل المستثمرين الأجانب باقتصاديات الدول الأخرى.
الإمارات في المقدمة
بلغ نصيب منطقة غرب آسيا التي تنتمي إليها دول مجلس التعاون الخليجي 35 مليار دولار مسجلا زيادة قدرها 85 في المائة أي الأعلى بين كل مناطق العالم. بيد أنه يعتبر الرقم (35 مليار دولار) صغيرا في حد ذاته حيث يشكل أقل من 4 في المائة من المجموع الكلي للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العام الماضي.
استنادا إلى التقرير, نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في استقطاب 12 مليار دولار، ما يعني تسجيل نسبة نمو قدرها 43 في المائة، الأمر الذي يعكس مدى نجاح السياسات الاقتصادية وخصوصا في إمارة دبي. وخير دليل على ذلك اتخاذ عشرات المؤسسات العالمية منطقة جبل علي مركزا إقليميا لأنشطتها المتنوعة. وقد استحوذت الإمارات على 34 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى منطقة غرب آسيا.
بدورها حلت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية بين دول المجلس حيث استقطبت 4.6 مليار دولار في عام 2005 مقارنة بأقل من ملياري دولار في عام 2004. وقد تحققت هذه النتائج الطيبة على خلفية انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي تطلب تطوير بعض القوانين والإجراءات التي بدورها أسهمت في تحسين البيئة الاستثمارية للمملكة أمام المستثمرين الأجانب.
أما بخصوص الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون فقد نجحت قطر في استقطاب نحو مليار ونصف المليار, تلتها البحرين بأكثر من مليار دولار, ثم عمان 750 مليون دولار، وأخيرا الكويت 250 مليون دولار.
مؤشر الجاذبية الاستثمارية
استنادا إلى التقرير, حلت الإمارات في المرتبة رقم 15 في العالم (من بين 141 دولة شملها التقرير) في عام 2005 فيما يخص الجاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة للفترة الماضية. وعلى هذا الأساس نجحت الإمارات في التقدم عشرة مراتب في غضون سنة واحدة. كما تقدمت البحرين عشر مراتب وحلت في المرتبة رقم 22 عالميا. وقد تمكنت البحرين من تحسين ترتيبها على خلفية الإصلاحات الاقتصادية مثل السماح لثلاث شركات أجنبية بشراء ومن ثم إدارة محطة (الحد لإنتاج الكهرباء والماء).
وجاء ترتيب بقية دول مجلس التعاون على النحو التالي: قطر (المرتبة 54), عمان (المرتبة 91), السعودية (المرتبة 110) وأخيرا الكويت (المرتبة 132). يعتبر أداء الكويت مخيبا ويعود بالضرورة للخلافات بين الحكومة ومجلس النواب بشأن عملية الإصلاحات الاقتصادية وخصوصا فيما يتعلق بإشكالية السماح لشركات أجنبية بالاستثمار في القطاع النفطي. يشار إلى أن الدستور الكويتي لا يسمح للشركات الأجنبية بامتلاك حصة في القطاع النفطي.
مؤشر الأداء المحتمل
من جهة أخرى حلت قطر في المرتبة العاشرة عالميا (أي النتيجة السابقة نفسها) من بين 141 دولة شملها التقرير على مؤشر الأداء المحتمل لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. يستند هذا المؤشر إلى 12 متغيرا يتعلق بالأوضاع والسياسات الاقتصادية. وتعكس هذه النتيجة الإيجابية تقديرا دوليا لاحتمالات نمو الاقتصاد القطري في الفترة المقبلة وخصوصا في قطاعات الغاز والنفط الخام والبتروكيماويات فضلا عن الخدمات.
بدورها حلت الإمارات في المرتبة رقم 27 دوليا ما يعني خسارتها أربع مراتب. بالمقابل خسرت البحرين مرتبة واحدة وعليه حلت في المرتبة رقم 30 على مستوى العالم. كما خسرت السعودية أربع مراتب وعليه تأخرت إلى المرتبة رقم 35 عالميا. أيضا فقدت الكويت مرتبتين وحلت في المرتبة 42 مقابل خسارة ثلاث مراتب لعمان، حيث تأخرت إلى المرتبة 57 دوليا.
يعتبر مؤشر الأداء المحتمل أكثر أهمية من مؤشر الجاذبية الاستثمارية لسبب جوهري وهو أن الأول يشير إلى المستقبل أما الثاني إلى الماضي. يبقى أن هناك مسألة مهمة تستحق الإشارة إليها مفادها أن مختلف دول العالم تعمل على تحسين بيئتها الاستثمارية شأنها في ذلك شأن دول مجلس التعاون الخليجي. فالتأخر النسبي لغالبية دول مجلس التعاون جاء نتيجة نجاح بعض الدول الأخرى في التقدم بخطوات أوسع إلى الأمام. الشيء المؤكد هو أن هناك تقديرا عالميا متزايدا لأهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإسهامها في حل التحديات الاقتصادية المحلية مثل إيجاد الوظائف وتعزيز المنافسة.
* رئيس وحدة البحوث الاقتصادية ـ جامعة البحرين