البورصات تستفيد من شعبية البلدان الصاعدة لدى المستثمرين الدوليين

البورصات تستفيد من شعبية البلدان الصاعدة لدى المستثمرين الدوليين

تشهد سوق الأسهم الهندية من جديد نزوعا لتحقيق مستويات قياسية. حيث يبدو أن السقوط المدوي للبورصات الصاعدة منذ منتصف أيار (مايو) وحتى حزيران (يونيو) الذي أصابها بشدة قد أصبح في هذه الأثناء طي النسيان. ومع ذلك فإن الكلمة النهائية في هذه المسألة لم تقل بعد. فالصعود المستمر منذ منتصف حزيران (يونيو) قد بدأ يفقد شيئا من حركيته. يضاف إلى ذلك أنه لم يتضح بعد ما إذا كان هذا الاستعداد المستجد للمخاطرة, خاصة لدى المؤسسات الاستثمارية, سيظل متواصلا. ومن الجدير بالذكر أن هذا الاستعداد للمخاطرة هو الذي دفع أسواق الأسهم في البلدان الصاعدة مسافة لا بأس بها نحو الأعلى بحيث أن بعضها تمكنت من تعويض الخسائر التي تكبدتها في الربيع الماضي, بينما استطاع البعض الآخر كما, في حالة الهند مثلا, تسوية الخسائر وتحقيق بعض الأرباح. أما إذا ادلهمت ظروف الاقتصاد الجزئي, وهي ليست وقفا على الهند, فإن المؤسسات الاستثمارية ستسارع لجني الأرباح.
ولعل الأمر الحاسم في ذلك هو كيفية تطور الاقتصاد الأمريكي وما إذا كان بنك الإصدار الأمريكي في واشنطن سيستمر في سياساته النقدية المتشددة, كما يتوقع الكثيرون. صحيح إن الاقتصاد الهندي لا يعتمد إلا بدرجة محدودة على الدورة الاقتصادية في أميركا, لكن انتهاج واشنطن سياسة نقدية متشددة, وربما تجاريها بلدان مهمة أخرى في ذلك, سيؤدي إلى تقليص السيولة الدولية.

ولا بد من الانتباه في هذا السياق إلى أن البنك المركزي الهندي يتوخى جانب الحذر حاليا لإبقاء التضخم تحت السيطرة, وقد بات من المؤكد الآن أن نقص السيولة الدولية سيصيب الأسواق الصاعدة خاصة بضربة شديدة, حيث إنها كانت لفترة طويلة من الزمن, وخصوصا منذ صيف العام الماضي, هدفا مفضلا للسيولة. وبالتالي لم يكن أحد من المستثمرين الممأسسين يستطيع أن يستغني عن الاستثمار في حقائب استثمارية لبلدان كالبرازيل وروسيا والهند والصين التي شهدت خلال السنوات الأربع الماضية ارتفاعات مذهلة في أسعار الأسهم. وقد لاحظ بنك ميريل لينش أن تدفق رؤوس الأموال نحو بورصات هذه الدول قد ازداد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة بعد أن كان قد تراجع بشدة في أعقاب هزة الربيع الماضي.
ويقول الخبراء الاستراتيجيون إن المؤسسات الاستثمارية, كمجموعة كبيرة, لن تلبث أن تنهمك " حتى آذانها " في البورصات الصاعدة التي تبدو مغرية. غير أنهم يقولون أيضا إن ذلك يخفي كثيرا من المخاطر. وفي هذا السياق يجري التذكير عادة بما قاله ذات يوم بارتون ريغز, عندما كان الخبير الأكثر أهمية لدى بنك مورغان ستانلي الذي قال في حينه إنه لا يوجد صنف من صنوف الاستثمار في منأى عن التدمير من قبل مثل هذه الكميات الكبيرة من رؤوس الأموال. ويرى المتشككون بأن الخطر في حالة سوق الأسهم الهندية يصبح واقعا عندما يطرح سؤال حول من يستطيع أن يتقدم بطلب للشراء بعد أن يكون الجميع قد اشترى ما يريد. ومن ناحية ثانية يبدو من المتوقع أن يسارع المستثمرون, بعد تجارب الربيع الماضي, إلى التحول إلى السيولة عند أول هزة. ولعل من أبرز هذه التجارب أنه في اللحظة التي تتبلور فيها المخاطر يختفي المشترون فجأة وتبدأ أسعار الأسهم في التهاوي نحو حضيض لا قرار له.

هكذا كان الوضع في سوق الأسهم الهندية بشكل خاص, ففي العاشر من أيار ( مايو ) بلغ مؤشر سينسيكس ( Sensex ) لبورصة نيودلهي مستوى قياسيا عند 12512.38 نقطة. وقد كان هذا أعلى مستوى للمؤشر لفترة الازدهار التي استمرت قرابة ثلاث سنوات ونصف والتي ابتدأت عند 2834 نقطة. ولكن ما بين عشية وضحاها هوى مؤشر سينسيكس بصورة حادة حتى استقر بعد أقل من أربعة أسابيع عند 8829.44 نقطة, وبهذا دخلت البورصة في حالة من الركود, ولكن سرعان ما عاد المؤشر للصعود من جديد حتى وصل في 16 تشرين أول (أكتوبر) إلى 12928.18 نقطة وهو رقم قياسي جديد. أما يوم الإثنين فقد وقف المؤشر عند 12623 نقطة.

إن التحفظ الذي غالبا ما يبديه الخبراء الاستراتيجيون إزاء البورصات الصاعدة بشكل عام وإزاء سوق الأسهم الهندية بشكل خاص هو تحفظ ذو طبيعة قصيرة إلى متوسطة الأجل, وهم مجمعون على أن الهند ربما ستتمتع لعشرات السنين القادمة بوتيرة نمو عالية جدا. وكثيرا ما تجري الإشارة إلى أن كثيرا من القضايا خاضع للتوجيه, وإن كان ثمة إدراك في الوقت نفسه بأن مثل هذه القيود ستزول مع مرور الوقت, مما سيتيح للاقتصاد أن ينطلق بكامل قوته. وعلى أية حال فإن الهند تظل البلاد ذات ثاني أكبر عدد من السكان في العالم وذات طبقة متوسطة تحظى بتعليم جيد. وفي الهند أيضا بعض الفروع الصناعية ومن بينها تكنولوجيا المعلومات, والصلب, والصناعات الصيدلانية والزراعة التي أصبحت تلعب دورا بالغ الأهمية على الصعيد الدولي. ويرى الخبراء الاستراتيجيون أن ثمة, في المدى المتوسط على أقل تقدير، فرصا واعدة لأسهم الشركات التي تشارك في بناء مشاريع البنية التحتية للهند.

الأكثر قراءة