أزمة الثقافة العربية المعاصرة.. هل تجسدت في كلية اليمامة؟

أزمة الثقافة العربية المعاصرة.. هل تجسدت في كلية اليمامة؟

(أزمة الثقافة العربية المعاصرة)..عنوان كهذا كفيل بأن يضعنا في مواجهة غير متكافئة مع قضية لها أبعادها الحضارية والفكرية، حيث يصعب استيعاب كل جوانبها في إطار ندوة واحدة غير أن ذلك لا يعفينا من محاولة البحث والاستقراء وفق منهجية نقدية تحكم على الواقع انطلاقا من تصوره الملموس. وأقل ما يمكننا ـ تجاه إشكالية مفتوحة الاحتمالات كتلك ـ أن نضعها في سياقها الصحيح على خلفية قراءات موضوعية متأنية، فالتفكير في المشكلة خطوة أولى نحو معالجتها، وما لا يدرك جله لا يترك كله.
وقد كانت الأسماء الحاضرة تحمل من الخبرة الفكرية والممارسة الثقافية ما يجعلها قادرة على التصدي لموضوع كهذا، حيث تواجد كل من د. عبد الله الغذامي، ود. صلاح فضل، و د. سعيد حارب ود. معجب الزهراني، لمناقشة العنوان الذي اختارته كلية اليمامة ليكون محورا للندوة، قبل أن يخرج عن مسرحها فيما بعد ويحولها إلى مسرح لمعناه العملي الأوسع!!
كانت البداية عبر حديث مقتضب لمدير الندوة د.أحمد العيسى أكد فيه أن طرح القضية جاء إيمانا بكون المؤسسات الجامعية هي المكان الأنسب لذلك، داعيا الجميع إلى التحلي بثقافة الحوار والاختلاف الذي لا يفسد للود قضية وألا يتحول النقاش إلى أسلوب (الاتجاه المعاكس)!!

بدأ د. عبد الله الغذامي حديثه باعتبار القضية موضوعا مزمناً، وأنه كان قد تحدث فيه ضمن ندوة مشابهة تحت عنوان (أزمة العقل العربي) وقال (الأزمة الثقافية موجودة لدينا وواضحة وأول خطوة لمعالجتها هي الاعتراف بها، في الغرب مثلا لديهم أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية لكن ليس لديهم أزمة ثقافية)، وأضاف (إن مفهوم التعدد واقع يحيط بنا على مستوى الفكر والمذاهب والسلوك، واستمرارية هذا النمط تنتهي به دائما إلى صيغة مفردة تحاول إلغاء التعدادات وفرض الهيمنة، البيئة الشعبية مثلا متعددة في سلوكها وتجلياتها الثقافية وفي خطاباتها وأهازيجها، كما أن فيها حساً نقدياً يتناول شتى المواضيع غير أنه ينحسر عند نقطة معينة ولا يصل إلى مفهوم أعلى في نقد الثقافة ونقد الذات. وكلما صعدنا في السلم التعليمي أو الاجتماعي ضاقت دائرة التعدد والنقد الذاتي)، وأضاف الغذامي (هناك حيلتان من حيل النسق أدت إلى جعل الثقافة مفردة وغير نقدية، الأولى ما يسمى بجلد الذات وهي ليست سوى تعبير نسقي لمنع الحس النقدي ولمنع الذات من نقد نفسها ورؤية عيوبها، فهي أشبه بمؤامرة نسقية للثقافة على الثقافة بحيث تتآمر على نفسها بابتكار صيغ تشويهية لتصرفات هي بالضرورة صحيحة، فما من أحد يجلد ذاته ولكن هناك من ينتقد ذاته، أما الأخرى فهي ابتكار ما يسمى بالآخر، والإحساس النفسي إما أن يدخل في منافسة معه أو أن يتخوف منه ويعتبره عدوا. سيكولوجية الثقافة العربية وعت على الآخر كمسعتمر لا بد أن تحاربه ثم وعت به كحالة صراع قومي، وهذا ما جعل مواجهته أمرا إيجابيا لأنه يقوم على واجب تاريخي للأمة). وختم الغذامي "إن هناك شعرة دقيقة بين الوعي بالآخر كقيمة تنافسية أو كقيمة مهددة، وهذا ما جعلنا نبدو كأعداء للحضارة في حين أننا من صانعي هذه الحضارة".

بدوره تناول صلاح فضل أزمة الثقافة العربية وقال إن من مظاهرها توظيف الدين لصالح السياسة واستشهد بتصريحات وزير الثقافة المصري التي يرى أنها تفاقمت بسبب الاستغلال السياسي. وطالب فضل المثقفين العرب بضرورة الاعتراف بالقيم الحضارية ومكتسبات الحرية وأخذ المبادرات العلمية وتساءل قائلا (كيف نشعر بالاطمئنان ونحن في ذيل الأمم لا نضيف شيئا لمسيرة التطور ونحن أبناء حضارة؟؟)

الدكتور معجب الزهراني تحدث بورقة عنوانها (ثقافة ضد المعرفة، ثقافة ضد الإنسان) وقال (ما يميزنا عن الآخرين هو كثرة معضلاتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية، ليس لنا مشاركة علمية ملموسة وهناك أمم أتت بعدنا وسبقتنا حضاريا" وقد لخص القضية في بعض إشكالات السلطة الاجتماعية والأسر التقليدية وبعض النخب التي تؤثر سلبا في آراء الناس. ورأى الدكتور معجب أن دور النخب المثقفة هو التعاون وتنمية المعرفة والتقنية الحديثة، ومحاولة التخفيف من لغة الصراع والعنف، معتبرا أن الإنسان طيب في أصله ولكن الجهل عدوه دائما.

سعيد حارب بدوره تساءل "ما هو الإسهام الذي نقدمه في مسيرة التطور الإنساني حاليا؟؟) وقال (التاريخ وحده لا يكفي للاعتزاز" ثم أضاف "نحن نعيش أزمة في القراءة وأزمة في علاقتنا بالآخر أياً كان، نحتاج إلى أن نتحاور مع الآخر ولكن الأهم أن نتحاور فيما بيننا". وانتقد حارب عدم تدريس المفاهيم الحديثة كالعولمة والحوار وحقوق الإنسان في مؤسساتنا التعليمية، كما أرجع أسباب الأزمة الثقافية إلى المعارك غير المحسومة في ثقافتنا كمسألة الحداثة والغزو الفكري وكذلك موقف المثقف من السلطة ومسألة المرأة.

يذكر أن الدكتور الغذامي قد سجل موقفا مشابها لما حدث أيام معرض الكتاب، حيث تعرض للمقاطعة من الذين يخالفونه الرأي، غير أنه بدا حريصا على الدخول معهم في مواجهات إقناعية والرد عليهم ضمن دائرة حوار حضاري. وأكد رأيه أن الحرية الفكرية لا حدود لها، ووافقهم الرأي في أهمية التعدد في الإعلام. وأبدى سعادته بوجود الاختلاف معتبرا أن الحوار لا يمكن أن يتم بين متفقين، وأن الذين اختلفوا معه قد أثروا الندوة بمداخلاتهم، واستشهد بالحداثة التي لم تجد قيمتها إلا على يد من هاجموها في بداياتها.

الأكثر قراءة