المتخلفون يموتون ويدفنون بعضهم سريا وأسواق لبيع المسروقات ومراكز لتزوير الوثائق الرسمية

المتخلفون يموتون ويدفنون بعضهم سريا وأسواق لبيع المسروقات ومراكز لتزوير الوثائق الرسمية

  المتخلفون يموتون ويدفنون بعضهم سريا وأسواق لبيع المسروقات ومراكز لتزوير الوثائق الرسمية

تواجه مكة المكرمة مشكلة مزمنة وصعبة على الحل وهي مشكلة تفاقم العمالة السائبة غير النظامية، مئات الألوف من الرجال والنساء دخلوا إلى المملكة تهريبا عبر الحدود أو بتأشيرات عمرة أو حج، ثم استقروا في أحياء عشوائية في أطراف مكة أو في أحيائها القديمة، وكما أن إقاماتهم غير نظامية وغير منضبطة فإنهم يكسبون عيشهم بأعمال عشوائية بعضها غير قانوني وغير شريف من التسوّل إلى جرائم السرقات وبينهما قائمة مخلة من الجرائم، ورغم الحملات التي تنفذها الشرطة والجوازات من حين لآخر للإطاحة بهؤلاء المتخلفين، إلا أن هؤلاء على كثرتهم لا يتخفون بل يعملون جهاراً نهاراً وليلاً.
فمن حارة الموكشي .. حوش بكر .. حارة المجانين .. أسماء متعددة لمشهد واحد كفيل بتصوير العشوائية المستنفذة، فما إن تطأ قدماك حارة المجانين الواقعة خلف مركز الهلال الأحمر في شارع المنصور، هذا الشارع الذي اقترن اسمه بالجاليات الإفريقية بكافة قبائلها وجنسياتها وعاداتها وتقاليدها في حارة المجانين، فتش عن الجريمة بتصنيفاتها كافة وابحث عن الأمراض بجميع أنواعها، أسواق رائجة لتصدير الوباء وسط إناس يتكاثرون كالنمل خلف ستار التخلف، ليتحولوا إلى أورام سرطانية تُنذر بالخطر من بين شوارع ضيقة لدرجة الإنغلاق، توجد حارة المجانين، هكذا عرفنا اسمها، في وسطها ساحة واسعة أشبه ما تكون بسوق رائجة صورت الحياة الإفريقية بجميع ملامحها وطقوسها.

"الاقتصادية" أجرت تحقيقا ميدانيا كشف عن حقائق وتجاوزات أمنية وصحية في تلك الأحياء.

مطاعم في الشوارع
في الوقت الذي تنتشر فيه فرق الأمانة في الشوارع الرئيسية لمراقبة المحلات التجارية فإنه لا أثر مطلقا لهذه الفرق، إذ أسهم هذا الغياب في بروز المطاعم الإفريقية في الشوارع.. ولا أدل على هذا الغياب من وجود أكثر من مطعم يعمل على تقديم وجبات السارية الإفريقية، التي هي عبارة عن قطع من الدجاج واللحم المشوي على شوّايات متحركة تجاورها طاولات عليها صحون فيما جلس عدد من الإفريقيات على قارعة الطريق لغسل أواني وصحون هذه المطاعم، ولا أدل على عشوائية مطاعم الشوارع الإفريقية من أنها تقدم على جلسات أرضية على مد النظر لحوما وأسماكا فاسدة يتم ترويجها في تلك الأحياء.

اختيار علني لخادمات متخلفات
ومهما لاحظنا من مشاهد في أحياء أخرى يبقى حوش بكر واحدا من أهم المواقع لتصدير خادمات المنازل من الإفريقيات، ففي ذروة ازدحام مكاتب الاستقدام بطلبات استقدام الخادمات الآسيويات، يبقى حوش بكر نقطة التقاء الخادمات الإفريقيات بأفراد من الأسر السعودية التي آثر بعضها هذه الفئة من الخادمات بعيدا عن إجراءات الاستقدام وتكاليفه، وثمة هواتف متداولة أشبه ما تكون مكاتب لتوفير الخادمات يتم من خلالها تهيئة الخادمات للأسر المكية، يحدث ذلك بعيدا عن الكشف الصحي اللازم فيما يراوح أجر الخادمة ما بين 500 و600 ريال شهريا.

سوق المسروقات
في حوش بكر تشاهد أجهزة كهربائية وجوّالات بعلامات معروفة (برخص التراب) في السوق الإفريقية التي تتسع مساحاتها العشوائية بشكل لافت يوم الجمعة. مسروقات منوعة تجيء من كل بقاع وحارات مكة لتباع علنا في زحام السوق، جوّالات ذات تقنيات متطورة أسعارها لا تقل عن ألف ريال وتباع بـ 400 ريال، وأجهزة ستريو وساعات. وإذا كانت المحلات التجارية الواقعة على قارعة طريق المنصور تشكو من غفلة فرق الأمانة معها، فإن دور هذه الفرق يكون موسميا فقط وهو ما كشفه لنا واقع السوق الغارقة في الفوضى.
ويشكل الأفارقة بجميع جنسياتهم 95 في المائة من الباعة والمترددين على هذه السوق التي تستمر لأكثر من 14 ساعة.

تزوير الوثائق والمستندات الرسمية
في حارة المجانين تشاهد صورا من تحايل الجاليات الإفريقية التي تسكن هذا الحي على النظام والإجراءات، فثمة أساليب أماطت اللثام عن جملة من الممارسات غير النظامية، فهناك سمعنا حكايات كثيرة عمن يزور المستندات مثل بطاقة العائلة، وبطاقة الأحوال الشخصية (المصورة) لمراجعة المراكز الصحية ومركز الهلال الأحمر مما وسع مساحات التحايل للاستفادة من الخدمات الصحية المجانية.

دفن الموتى المتخلفين في الشوارع الخلفية
فيما كانت المفاجأة التي لا يمكن تصديقها عندما علمنا عن قيام بعض الأفارقة بالتخلص من جثث المتوفين من الأفارقة المتخلفين بغسلهم وتكفينهم، ومن ثم التخلص منهم بوضعهم في شوارع خلفية أو بجوار مسجد ومن ثم الاتصال على أقسام الشرطة، لكن البعض منهم تجاوز هذا ليصل إلى توظيف سماسرة لنقل جثث الموتى في سياراتهم الخاصة من داخل الحارة ومن ثم دفنهم في الفضاءات البعيدة النائية على طريق الليث - والخواجات مقابل مبالغ مالية.

الأمن: نعمل لتكثيف الحملات على تلك الأحياء
مصدر في شرطة العاصمة المقدسة علق قائلاً: تولي الشرطة من خلال مراكزها المختلفة ومن خلال قوات الأمن الوقائي والحملات التفتيشية اهتماما بالغا لكافة الأحياء في مكة، إلا أن لشارع المنصور خاصية خاصة تكمن في تكثيف الحملات التفتيشية ومتابعة تحركات الوافدين فيه، ورصد تحركات بعض أرباب السوابق الذين يتخذون من الحي ملجأ لهم بين ضيق شوارعه وتداخل منازله الشعبية.

جولات مستمرة لكشف المخالفات البلدية
وعن المخالفات البلدية التي ينفذها الوافدون هناك، قال مصدر في أمانة العاصمة المقدسة، إن الأمانة نفذت خلال الأشهر الماضية أكثر من 30 حملة تفتيشية بجانب الحملة الأمنية، وهناك جولات يومية يقوم بها مشرفو الأسواق والمراقبون لعدد من تلك المواقع، وتم ضبط أعداد من الأطعمة الفاسدة والمواد غير الصالحة للاستخدام الآدمي وغيرها مما يدور في الأسواق الخفية هناك، وأكد المصدر أن هناك حملات أخرى مكثفة تسبق دخول موسم الحج ستحد كثيرا من انتشار تلك الأسواق المخالفة للأنظمة.

دراسة متخصصة تدعو لإعادة تطوير الأحياء العشوائية
نفذ معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج دراسة تفصيلية للجاليات الكبيرة والمقيمة في مكة المكرمة، وقال الدكتور محمد بن علي الشريف الباحث الرئيسي للدراسة، إن الدراسة التي تتم بالتعاون مع شرطة العاصمة المقدسة وعدد من الجهات الأمنية تهدف إلى استطلاع وضع الأقليات غير العربية من النواحي السكانية، الاجتماعية، الأمنية، والبيئية، ومن ثم تحليل هذه الأوضاع باستخدام الأساليب الإحصائية، ومحاولة حل العوائق التي تقف أمام الأقليات والقضاء على المشاكل الأمنية والاجتماعية، وتحسين الوضع الاقتصادي للجاليات مع الإفادة منهم في المشاريع العمرانية والتنموية الكبيرة في العاصمة المقدسة.
وأضاف الدكتور الشريف أن مكة المكرمة تعاني من ظاهرة الأحياء العضوية أو العشوائية التي تفتقر إلى أبسط أنواع التنظيم، سواء من حيث الشوارع أو المساكن الموجودة فيها.. ومثل هذه الأحياء التي يتراوح عمر بعضها ما بين 20 أو 40 عاماً، فهي لا تشكل هاجساً أمنياً للسلطات الأمنية فقط، ولكن المسؤولين عن الوقاية في وزارة الصحة عن تفشي الأمراض بين سكان هذه الأحياء التي أصبحت تسميتها ملتصقة بجالية معينة، لتكدس العمالة الوافدة من جنسية واحدة في بعض هذه الأحياء، وبالطبع فإن جميع الخدمات متوافرة في هذه الأحياء من حيث الكهرباء، المياه، والهاتف، ما عدا الصرف الصحي، ويعتقد أن جزءاً رئيسياً من مساكنها مملوك لمواطنين بوثائق رسمية.
وبيّن الباحث الشريف أن مشكلة الأحياء العشوائية ليست مقتصرة على مدينة مكة المكرمة، ولكن بالطبع فإن السكان الذين يعيشون في داخل هذه الأحياء سواء كانوا من المواطنين أو المقيمين أو متخلفي الحج أو العمرة، فإنهم يعانون العيش في بيئة غير صحية وفي مستوى مادي أقل من الضعيف، وبعضهم يعيش في فقر واحتياج مستمر، خاصة ممن لا يحملون إقامات نظامية، حيث تضطرهم ظروفهم للقبول بالسكن في أبنية مهجورة مليئة بالنفايات والحشرات، أما مستوى التحصيل العلمي للسكان من السعوديين والمقيمين فهو في معدلات مقبولة، خاصة أن الدولة قامت بتوفير المدارس في الشوارع الرئيسية المحيطة بهذه الأحياء العشوائية، كذلك وفرت الدولة مراكز الرعاية الصحية الأولية بالقرب من هذه الأحياء، إلا أن خطر انتشار الأمراض والأوبئة بين السكان يظل في إطار النسب المرتفعة مقارنة بالأحياء الأخرى.
وكشف الدكتور الشريف أن هناك عددا من الأمراض التي قد تستوطن هذه الأحياء وتسبب عوائق صحية وبيئية ناتجة عن البعوض أو الذباب الذي يتكاثر وسط الأحياء الشعبية أو العشوائية وخاصة عند هطول الأمطار أو طفح إحدى بيارات الصرف الصحي.
وأوضح الباحث أنه على الرغم من أن حركة التجارة نشطة في هذه الأحياء إلا أن حركة المرور سيئة للغاية بحيث لا تتوافر مواقف للسيارات، مما يجعل بعض الطرق مغلقة بسبب بعض السيارات المتوقفة في منافذ بعض الشوارع الضيقة جداً.
وأشار الباحث إلى أن الدفاع المدني يجد صعوبة كبيرة عند وقوع حوادث الحريق أو انهيارات المباني القديمة في الوصول إلى مواقع الحدث، بل إن الشوارع الضيقة لا تستوعب مرور سيارات الدفاع المدني للتعامل مع الحوادث في وقت وقوعها وما يحدث مع الدفاع المدني يحدث أيضاً مع شركتي الكهرباء والاتصالات عند الحاجة لإصلاح أي خلل في كابينة التوزيع الكهربائي أو الهاتفي.
ورأت الدراسة أن الأحياء العشوائية ومنها أحياء النكاسة، المسغلة، والزهور في العاصمة المقدسة، التي تسكنها الجالية البرماوية، حيث أخذوا يتمددون في الجبال القريبة من هذه المناطق فيما اتجه بعضهم إلى أحياء جديدة بحثاً عن مواقع. وتشير بعض التقديرات إلى أن الجالية البرماوية في مكة المكرمة تقترب من 500 ألف نسمة، منهم فئة لا يحملون إٍقامات نظامية ويفتقرون إلى التعليم، الصحة، والخدمات الأساسية، فتعليمهم يعتمد على المدارس الخيرية القائمة على الدعم الخيري والتي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم من حيث المناهج، كما يفتقرون إلى الخدمات الصحية فهم يحصلون على العلاج من خلال بعض المستشفيات والمستوصفات الأهلية بمقابل مادي، وتفتقر مساكنهم إلى كل وسائل السلامة إضافة إلى أن الأحياء العشوائية تتسم بغياب التخطيط، فهي عبارة عن مبان متلاصقة مبنية بدون أي تصاميم هندسية، وتعاني من عدم وجود شوارع نافذة، مشيراً إلى أن هذه الأحياء تشهد الكثير من المخالفات الأمنية مثل جرائم السرقات، تمرير المكالمات، وغيرها من الجرائم الأكثر انتشاراً في هذه المناطق التي تتمركز فيها الجالية البرماوية.
وأوصت الدراسة بأن الحل الأنسب لهذه المناطق هو إعادة تخطيط المناطق العشوائية وإيصال الخدمات الضرورية لها وشق الطرق وفتح مسارات بهدف خلخلة هذه الأحياء. وأكدت الدراسة أنه يجب تطبيق نظام البصمة على الداخلين إلى البلاد والمبعدين عنها، وذلك لإحباط أي محاولة عودة للمبعدين عن البلاد، لأن ذلك صمام الأمان ووقاية لها.

الأكثر قراءة