سلاح النفط يعزز موقف إيران التفاوضي في معركتها السياسية ضد الضغوط الغربية

سلاح النفط يعزز موقف إيران التفاوضي في معركتها السياسية ضد الضغوط الغربية

سلاح النفط يعزز موقف إيران التفاوضي في معركتها السياسية ضد الضغوط الغربية

المتابع لأزمة البرنامج النووي الإيراني، يجد أن إيران قد استخدمت في واقع الأمر النفط كدرع اقتصادي لدرء المخاطر، حيث لجأت إلى بناء شبكة مصالح قوية في مجال النفط والغاز تربطها ببعض الدول التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، أي روسيا والصين، ودول أخرى تتمتع بوزن مؤثر في العلاقات الدولية مثل: اليابان والهند. فهي لم تكتف بعلاقاتها المميزة مع روسيا، وخاصة في مجال التعاون النووي، وإنما أوجدت مصلحة مشتركة معها في مجال نقل الغاز، حيث اتفقت الدولتان على تأسيس شركة مشتركة لتنفيذ مشروع إنشاء خط أنابيب نقل الغاز من إيران إلى باكستان والهند.
وتقدر التكاليف الأولية لهذا المشروع بنحو أربعة مليارات دولار، حيث سيتم تشييد خط أنابيب بطول 1700 كيلو متر من إيران إلى باكستان والهند، ويتوقع أن ينتهي المشروع عام 2009م. وستحصل الهند وباكستان على 35 مليار متر مكعب من الغاز خلال عام 2010، ثم 70 مليار متر مكعب. ويواجه تنفيذ هذا المشروع بعض العراقيل بسبب عدم الاتفاق على بعض الجوانب المالية، حيث طلبت إيران نحو مثلي السعر الذي أريد الهند دفعه، وفي آب (أغسطس) 2006م، اتفقت كل من الهند وباكستان وإيران على تعيين استشاري خارجي لاقتراح سعر للغاز.
ومن ناحية أخرى، فقد وقعت إيران عام 2004م اتفاقاً مبدئياً ضخماً مع الصين بشأن الطاقة يصل حجمه إلى 70 مليار دولار أمريكي، تزود بموجبه إيران الصين بـ 225 مليون طن من الغاز المسال على 30 عاما، وتقوم الصين بتطوير حقل يدوران النفطي العملاق الذي تقدر احتياطاته بنحو ثلاثة مليارات برميل ويقع في جنوب غربي إيران، وستتولى مجموعة سينوبك الصينية للغاز تطوير حقل يدوران الإيراني. وقد التزمت إيران بأن تبيع لـ "سينوبك" بعد تدشين الحقل 150 ألف برميل يومياً من النفط لمدة 25 عاماً وفق أسعار السوق.
ومن جهة أخرى، فقد أفادت بعض التقارير الإعلامية أن شركة النفط الوطنية الصينية تجري مباحثات مع شركة النفط الوطنية الإيرانية بشأن تطوير حقل كيش للغاز، وهو حقل عملاق يبلغ احتياطيه المؤكد أكثر من 30 تريليون قدم مكعبة. وتتوقع إيران أن يضخ مشروع هذا الحقل 50 مليون متر مكعب 1.76 مليار قدم مكعبه من الغاز يومياً من بدء الإنتاج.
ونظراً لعلاقات المصالح الاستراتيجية والنفطية التي تربط روسيا والصين مع إيران، فقد تعذر حتى الآن على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين استصدار قرار من مجلس الأمن يفترض عقوبات على إيران نظراً لرفض روسيا والصين ذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه المصالح الاستراتيجية والنفطية لم تمنع روسيا والصين من التصويت في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمصالح قرار إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، لكن الموافقة على هذه الإحالة لا تعني الموافقة على استصدار قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات على إيران، إذ ما زالت روسيا والصين ترفضان حتى الآن فرض هذه العقوبات.
كما وقعت إيران عقداً مبدئياً مع الشركة النفطية اليابانية شبه الحكومية "البكس" عام 2004م لاستثمار حقل أزاديجان النفطي الإيراني الذي يقدر احتياطيه بنحو 26 مليار برميل، وأعلنت اليابان بعد توقيع هذا الاتفاق أن البنك الياباني للتعاون الدولي بالإضافة إلى بنوك تجارية يابانية ستقوم بتقديم قرض قيمته 1.2 مليار دولار لإيران مقابل إمدادات نفطية.
وأدهشت هذه الصفقة بعض المراقبين، إذ كيف تتجرأ اليابان على إبرام هذه الصفقة في الوقت الذي ترغب فيه حليفتها الولايات المتحدة في فرض عقوبات على إيران، ولذلك فإن التفسير المنطقي لهذه الصفقة ـ في رأي هؤلاء المراقبين ينحصر في احتمالين، الأول أن اليابان رفضت الضغوط الأمريكية، وفي هذه الحالة فإن الإقدام الياباني على عقد هذه الصفقة يعني أن الموقف الأمريكي أصبح معزولا إلى حد كبير من قبل كل القوى الدولية الفاعلة. والاحتمال الثاني أن اليابان تفاهمت مع الولايات المتحدة، وهو الاحتمال الأرجح لديهم، لأنه لا يمكن تصور أن تلقي اليابان بمليارات الدولارات في وقت تعلم فيه أن هناك سعياً لفرض عقوبات على إيران، فضلاً عن إمكانية توجيه ضربة عسكرية ضدها. وفي هذه الحالة فإن الحديث الأمريكي عن توجيه أي ضربات عسكرية لإيران لا يستهدف سوى التهديد والضغط، وهو أمر غير خاف على إيران.
والواقع أن احتمال التفاهم بين اليابان والولايات المتحدة حول هذه الصفقة قد تنقصه التطورات اللاحقة، إذ تعذر توقيع العقد النهائي بين إيران وشركة "البكس" اليابانية لاختلاف الطرفين حول بعض الأمور المالية والفنية، ومنها مدى التقدم في نزع الألغام من منطقة حقل (أزاديجان) التي خلفتها الحرب الإيرانية العراقية. وأرجعت إيران سبب التردد الياباني في توقيع العقد النهائي إلى خضوع اليابان للضغوط الأمريكية، ولذا فقد وجهت حكومة إيران إنذارا للشركة اليابانية للبدء في تنفيذ المشروع في 29/9/2006م وإلا فإنها ستقوم بإسناد المشروع إلى شركات إيرانية، ثم أعلنت إيران فشل المفاوضات وأن اليابان فوتت فرصة الحصول على عقد بقيمة ملياري دولار لتطوير الحقل النفطي المذكور، ولكن رئيس الشركة الوطنية النفطية الإيرانية غلام حسين نزاري أبلغ الشركة اليابانية أن في إمكانها استعادة مشاركتها في المشروع، كما أن شركة "البكس" اليابانية أعربت عن أملها في مواصلة المفاوضات لإبرام العقد النهائي على الرغم من إعلان إيران عن فشل المفاوضات.
والواقع أن اليابان، التي تستورد من إيران 15 في المائة من حاجاتها النفطية، وجدت نفسها في تنازع بين حاجتها إلى الطاقة لإمداد اقتصادها الضخم وضغوط حليفها الأمريكي التي لم تستطع مقاومتها.
ومن ناحية أخرى، فقد لوحت إيران بإغراءات قوية في مجال الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي عن طريق مشروع خط أنابيب الغاز الذي يربط حقول الغاز الإيرانية عبر الأراضي التركية بأوروبا. وفي كانون الثاني (يناير) 2006م، أعلن رئيس مجلس إدارة شركة أبون، إحدى كبريات الشركات الألمانية المحتكرة لإمدادات الطاقة، أن شركته تريد شراء الغاز الإيراني، مشيراً إلى أن حقيقة امتلاك إيران لثاني أكبر احتياطات العالم من الغاز لا يمكن تجاهلها، كما أبدى رغبة شركته في المشاركة في تنفيذ مشروع خط الأنابيب المذكور آنفا. ويضاف إلى ذلك أن الزيادة الضخمة التي طرأت على الدخل القومي الإيراني نتيجة ارتفاع أسعار النفط جعلت من إيران زبوناً مهماً في الأسواق العالمية. فطبقاً لتقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية لعام 2006م الصادر من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة الأهرام المصرية، فقد بلغت قيمة الواردات السلعية الإيرانية نحو 382 مليار دولار عام 2004م، منها 148 مليار دولار واردات قادمة من دول الاتحاد الأوروبي. وتعد ألمانيا هي المورد الأول للسلع لإيران، حيث بلغت قيمة صادراتها لها نحو 4.9 مليار دولار عام 2004. وفي العام نفسه بلغت قيمة صادرات فرنسا لإيران نحو 3.2 مليار دولار وبلغت قيمة صادرات إيطاليا لإيران نحو 3 مليارات دولار وبلغت قيمة صادرات الصين لإيران نحو 2.8 مليارات دولار، وبلغت قيمة الصادرات الكورية الجنوبية لإيران نحو 2.4 مليار دولار وبلغت قيمة صادرات روسيا لإيران نحو 2.1 مليار دولار، وبلغت قيمة صادرات البرازيل لإيران 1.3 مليار دولار، وبلغت قيمة صادرات الهند نحو 1.3 مليار دولار أيضاً، وبلغت قيمة صادرات اليابان لإيران نحو 1.2 مليار دولار.
ويشير التقرير المذكور إلى أن هذه الدول وشركاتها لها مصلحة اقتصادية أكيدة في عدم تعرض إيران لأي حظر على صادرتها النفطية، لأن إيران إذا فقدت إيراداتها النفطية فإنها لن تكون قادرة على تمويل وارداتها، وبالتالي ستتقلص وربما تنهار وارداتها من شركاتها التجاريين الرئيسيين المشار إليهم آنفا.
نخلص من جميع ما سبق إلى أن إيران في معرفتها السياسية الدائرة حول برنامجها النووي استطاعت أن تستخدم النفط كسلاح اقتصادي بطريقة إيجابية عزز إلى حد كبير مركزها التفاوضي وقدرتها على مواجهة الضغوط الغربية.

محام ومستشار قانوني ـ جدة
فاكس: 6557888 02

الأكثر قراءة