مؤسسات ومختصون في التاريخ السعودي يستعرضون مسيرة الملك سعود
يرعى الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس دارة الملك عبد العزيز اليوم، الندوة العلمية لتاريخ الملك سعود، وذلك في مقر قاعة الملك فيصل للمؤتمرات في فندق الإنتركونتيننتال شمالي الرياض.
وفي هذا الصدد أكد الأمير محمد بن سعود بن عبد العزيز أمير الباحة، أن الكثير من الناس حتى بعض المؤرخين لا يدركون أعمال الملك سعود في أخلاقه وجهاده، وذلك من خلال حرصه الشديد على نصرة الإسلام والمسلمين.
وبين أمير الباحة قائلا: "اخترت أن أضرب مثلا بجانب من أعماله يتعلق بالعناية بالمحتاجين، فقد كان أبا لهم، رأيته بعيني وكنت لا أفارقه، يأمر بإحضار سيارة أجرة ويطوف على ضواحي الرياض، حيث يجتمع المحتاجون من البادية فيعطي كلا منهم مائتي ريال، فيدعون له ويحاولون معرفته".
وزاد الأمير محمد: "إنه كان يبعث طبيبه الخاص الدكتور أديب عنبتلي ومعه مساعديوه، ليتفقدوا أحوال الناس الصحية ويمنحوهم العلاج، وكان كذلك يأمر بتوزيع الصدقات اليومية تقريبا"، مبينا "أنه عندما توفي الملك عبد العزيز قدم له ابن شبلان وماجد بن خشيلة وطلبا منه توجيها بخصوص رعايا الإبل، وكانت أكثر من ألف رأس تخص الملك عبد العزيز، أمر أن توزع على فقراء المملكة".
وأشار أمير الباحة إلى أن الملك سعود حينما قرر زيارة مناطق المملكة المختلفة، كانت هناك شاحنات ضخمة تحمل الطحين والتمور والملابس النسائية والرجالية ومتطلبات الأطفال لتوزيعها على المحتاجين، فضلا عن ثلاثة ملايين قطعة من النقود من ذهب وفضة، موضحا أنه يقطع رحلاته بالسيارة حيث واجه أثناء الطريق ممرات وعرة ورمالا يصعب عبورها، لكن تمكن من سلكها بمساعدة رجاله وحاشيته الأشداء من مدنيين وعسكريين.
وأبان الأمير محمد بن سعود أن الملك سعود أمر بتوزيع الوقود وقطع الغيار لعربات المواكب المرافقة له من الأمراء من إخوته وأبناء عمه وشيوخ القبائل، مبينا أنه عطوف كان يتألم إذا رأى طفلا يبكي أو شيخا يدمع، ولا يقف عند ذلك مكتوف اليدين بل يسعى للتخفيف عنهم ويمسح دموعهم.
ولفت إلى أنه ألغى الحمى في المملكة مثل حمى طرش الحكومة، وحمى سجان لإحدى إخوته، موضحا أنها كانت عبارة عن أراض خصبة للمراعي والمياه، والتي تركها للشعب ترعى فيها أغنامهم وجمالهم، لافتا في الوقت ذاته إلى أنه رأى والده يبكي ثلاث مرات، الأولى حينما توفي الملك عبد العزيز، والأخرى عندما بايع إخوته، والأخيرة عندما قابل والدته، في المطار قادمة إلى الرياض.
من جهته، يسرد الدكتور إبراهيم العيسى عضو مجلس الشورى عن ذكرياته في ورقة عمل من إعداده، يتقدم بها للندوة حول ذكرياته ومشاهداته الخاصة عن افتتاح الملك سعود بن عبد العزيز عام 1376هـ، معهد الملك سعود الأول للتربية والصناعة في مدينة الرياض، خلفاً لدار الأيتام في حي المربع، التي كان فيها الدكتور العيسى طالباً في السنة السادسة ابتدائية في ذلك العام، وما صاحب الافتتاح من الابتهاج والجاهزية التي كان عليها مدير الدار ومدرسوها، ووقع هذا المعهد الجديد في اتجاهه التعليمي ومبناه المعماري الحديث على المجتمع، حيث يعد معهد الملك سعود الأول للتربية والصناعة وهو نقلة نوعية وتطويرية في التعليم السعودي استمرت بشكل مطرد حتى اكتمل إنشاء المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، كما كان مبنى المعهد طفرة في البناء العمراني في العاصمة، فكان من الخرسانة الأسمنتية ومجهزا بكل المستلزمات والتأثيث الجيد، ومكتمل التجهيزات الآلية الجديدة لكل قسم وورشة من أقسامه المهنية وورشة التدريبية في مجالات النجارة والحدادة والسباكة والكهرباء وغيرها.
ويتذكر الدكتور إبراهيم العيسى أنه خيِّر حينها عند تحويل تلاميذ الدار إلى المعهد الجديد في العمل اليدوي، الذي يرغب الالتحاق به وتعلمه، ويذكر: "أنه احتار كثيراً .. إلا أنه اختار النجارة، ولكنه بسبب ما ترسخ في الأذهان آنذاك من اتجاهات سلبية عن الصناعات اليدوية التحق بمعهد المعلمين الابتدائي".
كما يذكر عضو مجلس الشورى ضمن مادة ورقته العملية الاستعدادات التي بذلتها دار الأيام ليوم افتتاح المعهد، حيث كان برنامج الحفل حافلاً بالفقرات الشعرية والخطابية والفنية، وكان من ضمنها "مسرحية تاريخية" عن غزو هولاكو وكتيغا للعراق إلا أن إدارة الحفل ألغت تلك المسرحية إذ قد يحضر أحد كبار المسؤولين العراقيين الذي يزور الرياض وقتها الحفل وعُرضت مسرحية أخرى يقوم بأدوارها التمثيلية ثلاثة تلاميذ أحدهم يمثل الملك سعود، والثاني يمثل الشعب، والثالث يمثل التاريخ ليتم الحوار، وكان الدور الذي يمثل الشعب من نصيب الطالب إبراهيم العيسى.
وقال الدكتور العيسى بعد أن اختاره مدرس اللغة العربية لذلك:" ظللت حافظاً لعبارات هذا الدور وجمله طوال السنوات الماضية" في إشارة منه إلى أهمية هذه المناسبة ورسوخها في ذاكرته الشخصية بتفاصيلها الدقيقة.
هذا وقد ولد سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن في الثالث من شهر شوال سنة 1319هـ (12 يناير1902م) وهي السنة التي استرد فيها والده الملك عبد العزيز – رحمه الله – مدينة الرياض وشارك في الأعمال السياسية والحربية، وأسندت إليه إدارة شؤون نجد في عهد والده.
وتمت مبايعته ولياً للعهد في 27 المحرم 1352هـ، (22 مايو 1933م) عندما أصدر الملك عبد العزيز مرسوماً ملكياً بالموافقة على قرار مجلسي الشورى والوكلاء الصادر في 16 المحرم 1352هـ،(11 مايو 1933م) بولايته للعهد، وأسندت إليه قيادة القوات المسلحة في 15 من ذي الحجة 1372هـ (24 أغسطس 1953م).
تولى بعد وفاة والده الملك عبد العزيز – رحمه الله – مقاليد الحكم يوم الإثنين 2 ربيع الأول 1373هـ (9 نوفمبر 1953م) . وظل الملك سعود يتولى دفة الحكم حتى اليوم السابع والعشرون من شهر جمادى الآخرة سنة 1384هـ (2 نوفمبر 1964 م) حيث بويع ولي عهده فيصل بن عبد العزيز ملكاً على البلاد.
وسار الملك سعود على نهج والده الملك عبد العزيز، واهتم بالأمور ذات الصلة بالمسائل الإسلامية والعربية في دعم القضية الفلسطينية، وساند مصر في العدوان الثلاثي الذي تعرضت له في سنة 1376هـ (1956م) وشهد عهده قيامه بزيارات داخلية عديدة في أنحاء المملكة وزيارات خارجية لتوثيق عرى التعاون مع الدول المجاورة والصديقة.
وانشئ في عهده عدد من الوزارات مثل: وزارة المعارف، وزارة الزراعة، وزارة التجارة، ووزارة المواصلات، كما شهدت المملكة في عهدة افتتاح أول جامعة هي جامعة الملك سعود عام 1377هـ (1957م) وأول كلية عسكرية، هي كلية الملك عبد العزيز الحربية في الرياض.
وامتداداً لجهود والده المؤسس - رحمه الله – اهتم الملك سعود بالشؤون الإسلامية، فتوسع في إنشاء المعاهد الدينية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وأمر بطبع العديد من الكتب الإسلامية، ودعم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووفر أسباب الراحة للحجاج، ووسع المسجد النبوي وشرع في توسيع المسجد الحرام، وقوى الجيش، وزوده بالأسلحة الحديثة.
وتوفي الملك سعود في أثينا في اليونان، في يوم 6 من ذي الحجة 1388هـ (فبراير 1969م) ونقل جثمانه إلى مكة المكرمة، وصلي عليه في الحرم المكي يوم الإثنين 7 من ذي الحجة 1388هـ (23 فبراير 1969م)، ثم نقل إلى الرياض ودفن في مقبرة العود رحمه الله.