مع دخول مهاجمين جدد.. هل تقع البنوك الإسلامية ضحية لنجاحاتها؟
تتمتع البنوك الإسلامية بأداء قوي، مبعثه الأساسي عوامل خارجية إيجابية. ولكن القوة الفعلية للبنوك الإسلامية القائمة حالياً ستكون على المحك مع قدوم موجة جديدة تنافسها على حصتها في السوق.
احتفل الكثيرون بأوائل عام 2006 على أنه عام نجاح آخر تشهده المصرفية الإسلامية. ولكن رغم وجود مؤشرات على استمرار النمو، يتعين على البنوك الإسلامية التي طورت الصناعة توخي الحذر وألا تفرح قبل الأوان. ذلك أن نجاحها في حد ذاته يمكن أن يكون مصدراً لعدد من التحديات المستقبلية،التي تزامنت مع دخول مهاجمين جدد إلى الساحة في محاولة منهم لاقتناص حصة من هذه السوق المجزية. ثم إن إجراءات الحماية التي حظيت بها البنوك الإسلامية (في بداية نشأتها) في سبيلها إلى الاختفاء السريع. فإذا أرادت تلك البنوك الصمود في وجه المنافسة والمحافظة على إنجازاتها وتحسين أدائها، فإن عليها إدخال تحسينات لا يستهان بها على أنموذجها في إدارة الأعمال. والواقع أن أداء البنوك الإسلامية في الفترة الأخيرة ربما لا يعطي صورة سليمة عن وضعها الحقيقي.
هناك عوامل مختلفة كان لها وقع لا يستهان به على الأداء المالي للبنوك الإسلامية، بما في ذلك البيئة الخارجية التي تعمل تلك البنوك في محيطها: اقتصاديات السوق الإجمالية، والطلب على الخدمات المصرفية الإسلامية، والمزايا التشجيعية التنظيمية، والأنموذج العملي نفسه الذي اختارت التعامل به.
لاحظ أن الربحية قابلة للتأثر بطلبات العملاء المحددة وطبيعة التعامل السائدة. ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال فإن 75 في المائة من ودائع الأفراد و50 في المائة من إجمالي ودائع البنوك لا تولد فوائد لأصحابها، مما يعطي البنوك السعودية ميزة ربحية لا يستهان بها. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل البنوك الرئيسية في المملكة تحقق أرباحاً أكثر من أرباح البنوك الرئيسية في البحرين والإمارات. وفي حين أن عدداً من البنوك تتمتع بعائد قوي على الموجودات إلى حد ما (يفوق 2 في المائة)، إلا أن بنك الراجحي يتفوق في أدائه على منافسيه التقليديين الرئيسين في سوقه المحلية.
المزايا التشجيعية المقبلة من البنوك المركزية
غالباً ما تتمتع البنوك الإسلامية بالحماية من المنافسة أو بمزايا تشجيعية أخرى، مما يتيح لها تقليص التكاليف أو إمكانية تقديم مزايا أفضل في منتجاتها، أو الإثنين معاً. وفي كثير من تلك الأسواق، تكون المنافسة على تقديم منتجات مصرفية إسلامية أقل من المنافسة على تقديم منتجات بنكية تقليدية، على اعتبار أنه لا يسمح إلا للبنوك الإسلامية فقط بإنتاج أو بيع معظم المنتجات المصرفية الإسلامية أو إنتاجها وبيعها معاً. فضلاً عن ذلك، عملت الجهات التنظيمية حتى فترة قريبة على الحد من عدد البنوك الإسلامية العاملة في أسواقها. وهذا الأمر أعطى البنوك الإسلامية بفعل الأمر الواقع احتكار تقديم المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية من جهة واحدة أو جهتين.
إن العمل في سوق تتميز بسيطرة جهة واحدة أو جهتين على نشاط الأعمال مكن البنوك الإسلامية من حصد الفوائد الكاملة لارتفاع الطلب على منتجات المصرفية الإسلامية، الذي فاق الطلب على المنتجات البنكية بشكل عام. وهذا الأمر أعطى البنوك الإسلامية فرصة تحقيق عوائد فوق المتوسط والنمو بصورة أسرع من اللاعبين التقليديين. وفي بعض البلدان تتمتع البنوك الإسلامية بمزايا تشجيعية تنظيمية مقبلة من بنوكها المركزية، مثل التمتع بحدود إقراض أعلى، والقدرة على هيكلة منتجات غير متوافرة عن طريق البنوك التقليدية. ففي الكويت على سبيل المثال لا تستطيع البنوك التقليدية تقديم قروض لشراء السيارات تكون فيها السيارة هي ضمان القرض نفسه، ولكن بيت التمويل الكويتي يقدم هذه الخدمة باعتبارها منتجاً مصرفياً إسلامياً.
وتتنوع نماذج النشاط العملي والتركيز على البنوك الإسلامية التي جرى تحليلها. وحتى ضمن البنوك الشاملة، فإن النطاق الشامل ومزيج النشاط العملي الخاص بالتجزئة والشركات على حد سواء، له تأثير على أداء البنك المعني بخصوص كل من النمو والربحية. أما بالنسبة إلى البنوك التقليدية، فإن البنوك الإسلامية التي تركز على زبائن التجزئة تؤدي بصورة أفضل من تلك التي تركز على النشاطات البنكية المتعلقة بالشركات. ونجد على سبيل المثال أن بنك الراجحي يركز بصورة تكاد تكون شاملة على زبائن التجزئة، والنشاطات العملية صغيرة الحجم. وتستطيع البنوك الإسلامية التي تمتعت بأداء قوي خلال الماضي القريب، أن تعزو ذلك جزئياً إلى عوامل السوق المواتية والميزات التنظيمية والتشريعية، وليس بالضرورة إلى سلامة النشاط العملي. ومع تغير البيئة التنافسية، فإنها ستجد أن من الأصعب عليها تكرار النتائج التي حققتها. وإلى أن تنامت المنافسة أخيراً، فإن البنوك الإسلامية تمتعت باحتكارات فردية أو ثنائية مؤثرة في تقديم معظم المنتجات والخدمات البنكية الإسلامية في أسواقها. وترك ذلك الكثير من الزبائن أمام خيار قاس بين التوجه إلى بنك إسلامي في سوقهم لشراء المنتجات البنكية الإسلامية، أو الذهاب إلى البنوك التقليدية ذات الخدمات المتفوقة والمنتجات الأقوى، وإن كانت تلك المنتجات تقليدية. غير أن هذه الأسواق تتغير بسرعة، بينما تزداد منافسة نشاطات البنوك الإسلامية كثافة.
وطور عدد من البنوك التقليدية نشاطات إسلامية إما من خلال مشاريع مشتركة، وإما من خلال إيجاد فروع إسلامية لها للاستفادة من الميزة التنافسية للمصارف الإسلامية الناجمة عن الأموال الأرخص. وطور بنك قطر الوطني قدراته الإسلامية من خلال فروع جديدة خلال النصف الأول من عام 2006، مما أدى إلى زيادة في الدخل الصافي بلغت 118.7 مليون ريال قطري، أو ما نسبته 10.7 في المائة. وأعلن بنك المشرق كذلك خلال الفترة الأخيرة عن افتتاح أول فرع إسلامي له. ونتوقع أن تشتد حرارة المنافسة في هذه الشريحة مما سيولد ضغوطاً على العوائد على المدى المتوسط.
ويجري كذلك افتتاح بنوك إسلامية جديدة ومستقلة في عدد من الأسواق، كما أن عدداً من البنوك الإسلامية القائمة تستكشف فرص الدخول في أسواق أخرى وتعطي كل هذه التطورات التي حدث معظمها خلال العام الماضي، مؤشراً حول سرعة تغيير البيئة التنافسية، ولا بد أن تشكل دعوة تحذير أن حجم النشاط العملي في هذا المجال، كما يتم بالفعل، لن يكون كافياً.
وحتى تتمكن البنوك الإسلامية من تحسين الخدمات التي تقدمها، فإنها في حاجة إلى اتباع المسار ذاته الذي اتبعه كثير من البنوك التقليدية.
وليست هنالك رصاصات فضية سحرية من شأنها تزويد تلك البنوك بحل سريع. وإن ما تحتاج إليه هو فهم دقيق لمحركات الربحية من جانب الشرائح الرئيسية بين زبائنها، وكذلك دراسة شاملة لأدائها مقابل تلك المحركات، إضافة إلى تغيير رئيسي في الثقافة والعقلية السائدة في البنك. وتتضمن العوامل المساعدة لهذه البنوك لكي تنجح في ذلك، أداءً إدارياً قوياً، ونظم معلومات. وعلى هذه البنوك الإسلامية أن توسع عروض منتجاتها الإسلامية، ودعم وتمييز مصداقيتها الإسلامية. ويمثل ذلك تحديات فريدة للنشاطات المصرفية الإسلامية. واتخذت البنوك الإسلامية مناهج مختلفة لمعالجة هذه التحديات، وذلك في إدارة العمليات البالغة التعقيد، وابتكار المنتجات، والحاكمية، والعلاقات التجارية. وتستطيع البنوك الإسلامية التعلم من الاستراتيجيات والإجراءات التي اتخذتها البنوك الأخرى في الأسواق الأخرى في هذه المجالات. ويجب أن تكون البنوك الإسلامية التي مهدت الطريق وساعدت على إيجاد النشاطات المصرفية الإسلامية كصناعة، فخورة بالنجاح الذي حققته. ولكن على هذه البنوك نفسها أن تحسن من أدائها بصورة أساسية في مواجهة المنافسة الناشئة حتى لا تكون ضحية للنجاح الذي حققته بنفسها.