تجارة الرحلات المدرسية .. ربح واستغلال وبرامج خاوية .. أين الرقيب؟
تجارة الرحلات المدرسية .. ربح واستغلال وبرامج خاوية .. أين الرقيب؟
اقتحمت الرحلات المدرسية أجواء التعليم لتضيف للطالب روح المرح وأجواء الفرح، جاءت لتكسر الروتين وتجدد المثابرة والعمل وتوثق الروابط بين التلميذ ومدرسته فيخرج من جو الكتاب والقلم ويعبر عما في وجدانه بلا قيود.
ما يدعو للتساؤل هو أن هذه الفكرة الجميلة التي جاءت مبهجة لأبنائنا ويبدو "ظاهرها فيه الرحمة" بدأت تدر تجارة مربحة لأولئك الذين استغلوا فرحة الطلاب بإقناع الآباء والأمهات بدفع مقابل مادي لا يوازي ما يقدم لهم فتحولت الرحلة المدرسية الجميلة التي ينتظرها الطالب بفارغ الصبر إلى تجارة مربحة لبعض المدارس الأهلية التي لا يهمها سوى أن تجني المال ولا يحق للطالب الدلال.
ولأن الموضوع يغيب عن الأذهان ويحجب عن الآذان، إما لإرغام الآباء أمام رغبة الأبناء فيدفعون وهم يعلمون ولكنهم يستسلمون أو لجهلهم بهذا العبث وتلك الانتهازية.
"الاقتصادية" إيمانا منها بضرورة حماية المجتمع من استغلال الباحثين عن ملء الجيوب دون اعتبارات أخرى، فتحت تحقيقا سلطت فيه الضوء على هذه التجارة التي أضحت عبئا يرهق خزائن الطلاب وأولياء الأمور. إلى المحصلة:
أقر بندر عثمان الصالح رئيس لجنة التعليم الأهلي في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض سابقا الذي شغل المنصب ثماني سنوات، بوجود تجارة رابحة ومدرة تجنيها المدارس الأهلية من الرحلات المدرسية الطلابية.
وأضاف: إنني أطلق عليها اسما آخر وهو أنها في الحقيقة (تمثيلية كبرى) يقنع بها المسؤولون في المدارس الطلاب ويعطون أولياء أمورهم انطباعا بأنهم يقدمون عملا ترفيهيا "وإنما هي في الحقيقة تجارة وضحك على الذقون".
وأكد أن هذه التجاوزات تحدث لأن من أمن العقوبة أساء الأدب مبينا: أنا لا ألوم المدارس الأهلية وإنما اللوم كله على وزارة التربية والتعليم التي لا تراقب هذه المدارس، فأنا لو كنت أملك مدرسة أهلية فسأحذو حذوهم في البحث عن التجارة عن طريق هذه الرحلات المدرسية.
واسترسل: عندما كنت في الغرفة التجارية كانت هناك أكثر من 400 مدرسة أهلية سجلت لدينا في الغرفة 200 مدرسة، وكنا نعلم أن البعض وليس الكل منها يسلك هذه التجارة ولكن ولأننا لسنا جهة رقابية أو تنفيذية لم نعمل شيئا تجاههم رغم أن هذه المتاجرة عيانا بيانا ومع ذلك أنا لا أحمل المدارس الأهلية المسؤولية بقدر ما أحملها وزارة التربية والتعليم.
من جهته، أكد مصطفى بن شحاذة القبيسي مسؤول النشاط الطلابي في إحدى المدارس الأهلية أنه مما لا شك فيه أن المدارس الأهلية في الأصل ينبغي أن تتميز عن المدارس الحكومية بما لديها من آليات التميز كالمقار والصالات والمسارح والمسابح، كذلك المناشط المتنوعة والبرامج المختلفة، وهذا ما يظهر في الإعلانات الإعلامية الكثيرة.
وأبان: إن آليات إقناع ولي الأمر متعددة في بعض المدارس الأهلية إن لم يكن نصيب الأسد فيها يبنى على عزف بعض الأوتار لدى ولي الأمر فمنها وجود مدرسين أكفاء وذوي خبرة عالية. ووجود مسابح ومشرف عليها متميز ولديه دورات في الإنقاذ، ووجود قاعات مصممة ومميزة، ومعامل لغة إنجليزية وحاسب آلي، ووجود برنامج لحفظ القرآن الكريم، ودورات في تحسين الخط وهناك عدد هائل من الزيارات التي لا تحصى ولا تعد وكذلك الرحلات. ولدينا برامج متنوعة ولدينا اليوم الكامل واليوم المفتوح، ثم يبتسم في وجه ولي الأمر ويقول له "سجل ولدك ولا تخاف هذا ولدنا" فما هي إلا لحظات ويكون الأب قد أنهى إجراءات تسجيل ابنه.
وأضاف: هنا نقطة يجب ذكرها وهي أن بعضا من المدارس الأهلية لها سمعتها وجودتها وثقلها في العملية التربوية والتعليمية، ولدى ولي الأمر قناعة تامة إما بسمعتها أو بالتوصية من أولياء أمور آخرين، لكن قد يقع ولي الأمر في حيرة من كثرة العروض التي هي أقرب إلى التجارة منها إلى التعليم والتربية.
وقال: عندما تدور عجلة الدراسة وتزداد الطلبات ويسجل ولي الأمر زيارة لهذه المدارس يفاجأ بأن كلام الليل يمحوه النهار وأن تلك البرامج وتلك المناشط وتلك الدورات ما هي إلا أماني ووعود، فلا مدرسين أكفاء ولا خبرة، والقاعات ضيقة لأنها ضمن مبان مستأجرة، ولا مسابح، ولا معامل لغة وأجهزة حاسب عفا عليها الزمن، ولا... ولا.. وعندما يناقشهم في تلك الوعود يبررون له بالخبرة.
وأردف: مع ازدياد حرارة الصيف تبدأ بعض المدارس طرح برامجها كالزيارات والرحلات والدورات والسباحة ومن المعلوم أن هذه البرامج والدورات مقابل رسوم مالية لدرجة أن بعض هذه المدارس تضع قيمة الرسم على ورقة "موافقة ولي الأمر" فيقع الأب بين نارين رغبة الابن في مثل هذه البرامج وبين تزايد هذه الرسوم وكثرتها خاصة أن كثيرا من أولياء الأمور لديهم أكثر من ابن في المدرسة الواحدة، ناهيك عن رسوم اليوم الكامل واليوم المفتوح، وهذا مما لا شك فيه يرهق الأسرة ماديا لكنها مضطرة إلى دفعه تحقيقا لقول المثل "مكره أخاك لا بطل".
واقترح مسؤول النشاط الطلابي أن تكون هناك متابعة لهذه المدارس وإلزامها بما وعدت به، وقال: يجب أن تكون هناك شفافية بين هذه المدارس وبين أولياء الأمور أثناء تسجيل أبنائهم من حيث البرامج المجانية والبرامج ذات الرسوم، وأن تلزم هذه المدارس بطرح آليات وأهداف هذه البرامج ومدى فائدتها للطلاب، ومن هم المدربون وفق جداول زمنية توافقية مع المناهج الدراسية. ومعظم هذه البرامج والزيارات والرحلات والدورات يُشرف عليها معلمون لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد وليسوا متخصصين وإنما حتى يأتي وقت انصرافهم فقط (غداء, كرة قدم أو سباحة)، وهنا فالأمر من صالح المدارس من الجانبين: أن هذا البرنامج يرفق ضمن أنشطة المدارس وهي مطالبة به، والناحية المادية، فلماذا الرسوم؟ أما الطالب فلم يستفد سوى اللعب وولي الأمر مزيدا من الأعباء المالية.
على الصعيد ذاته، قال الطالب سلطان آل مساعد إن الرسوم التي تؤخذ على الطلاب للمشاركة في الأنشطة أو الرحلات هي طريقه للكسب لدى بعض المدارس، مبينا أن بعض المدارس الأهلية تجد في المسابح والزيارات والأيام المفتوحة واليوم الكامل مصدرا للدخل.
وأكد: لو كانت هذه المدارس ستقدم شيئا ذا جودة وفائدة تعود على الطالب لكان الأمر سهلا مع يقيني أن مثل هذه الأشياء لا بد أن تكون مجانية لترغيب الطلاب ومن ثم للتمييز وبالتالي تخفف عن كاهل رب الأسرة مثل هذه المصاريف، وأنا من المؤيدين لمجانية الأنشطة في عمومها.
في السياق ذاته، أكد الطالب إبراهيم الصنعاوي أنه ضد فكرة الرسوم على الدورات والبرامج والأنشطة وخاصة في المدارس الأهلية مرجعا ذلك إلى أنها تعتبر ضمن الرسوم الدراسية التي تؤخذ على الطالب، وقال: ربما أن كثيرا من المدارس الحكومية أفضل جودة وأداء من بعض المدارس الأهلية، فلماذا يدفع الطلاب رسوما في عادة انتشرت في الآونة الأخيرة في بعض المدارس الأهلية وخاصة المسابح والزيارات واليوم المفتوح وليس لها أي مبرر حتى أن الطلاب الذين يذهبون في الزيارة يدفعون الرسوم لا تؤمن لهم وجبات فيضطر الطلاب لشراء الوجبات بأنفسهم، وهذا أمر غريب!
من جانبه، قال الطالب فارس بن عبد الله المقاطي إن هناك أشياء غريبة في بعض المدارس الأهلية لم اكتشفها إلا بعد مرور وقت من الزمن من ناحية استغلالها وتجارتها على حساب طلابها، إنها مصروفات ترهق الأسرة خاصة إذا كانوا إخوة في مدارس أهلية وهذه مشكلة وأعتقد أن ولي الأمر سيدفع هذه الرسوم من أجل ابنه حتى لا يكون بمعزل عن زملائه. وبعض المدارس تضع ولي الأمر في أمرٍ حرج جدا فإما أن يدفع الرسوم أو أن ابنه لا يأخذ أبسط حقوقه من الزيارات التي هي في المدارس الحكومية للجميع. إذاً ما الفرق بين المدارس الخاصة وبين المدارس الأهلية؟!