شعار "أحطم منافسي" استراتيجية موجّهة ذات نفس قصير للربح
مرّت علينا لحظات، بدت لنا فيها استراتيجية المنافسة مسألة رائدة وحداثة، ثم إليكم ما حدث: "في صيف عام 2003 عرضنا أمام إحدى المجالس الإدارية لإحدى الشركات المعروفة عالمياً، والمسجّلة في البورصة، استراتيجية واعدة، التي كانت من المفترض أن تضمن طريق النمو المجدي. ومع قليل من الصبر، ترقّب المجلس نهاية العرض، ليبطل عمل ستة أشهر بجملة: "كل ما تقولونه جميل، ولكنني أريد أن أحطّم منافسي".
هذا المقال الذي شارك في كتابته فرانك بيلشتاين، وهيرمان سيمون، إضافة إلى فرانك لوبي، هم المؤلفون المشتركون في الكتاب الجديد "المدير الموجّه على الربح – وداع فكرية حصص السوق". ويعالج هذا المقال أهم نظريات هذا الكتاب.
وبالفعل شكّلت معارضتنا جزءا من تاريخ الشركة، ولكنها فشلت في النهاية. واليوم مضت ثلاثة أعوام، عملت الشركة خلالها على تقليص هوامشها التجارية في الكثير من الأسواق إلى حدٍ دراماتيكي ولطالما كانت بالغة الجاذبية في الماضي. وبرغم الهجوم الضاري الذي قامت به الشركة إلا أنها لم تنجح، حتى في دفع واحد فقط من منافسيها خارج السوق.
إن هذه التجربة تؤدي بأفكار الشركات المؤسسة، التي تملك مراكز رائدة، للتوصّل إلى النقطة التالية: حتى في الأسواق الناضجة ذات حجم متضائل من النمو، والذي لم تعد الشركة تقدّم من خلاله فائدة بالغة للمستخدم، يعتقد الخبراء الرواد، أنه يمكن لهذه الشركة أن تُبقي على منافسيها صغاراً نسبياً عن طريق العدوان، أو الإجهاز عليهم بالكامل. والعدوان يعني في الغالب شن حرب الأسعار. والمشكلة في هذه الاستراتيجية أنها نادراً ما تثمر.
وكما في المثال السابق يمكن للمنافسين البقاء على قيد الحياة على أية حال، ولكنهم يحرزون أرباحاً تقلّ عمّا مضى، وتُعتبر مشاكل الشركة الرائدة المصنّعة للكمبيوترات "ديل – Dell"، مثالاً مناسباً على هذا: عقب أن احتلت "ديل" القمة في حرب الأسعار عام 2001، ردّت كل من المعاديتين الأصليتين "كومباك"، وHP على هذه الحرب بالتعاون. واليوم ترتكز سوق الكمبيوترات المحمولة القوية والتابعة لمجموعة IBM في أيدي الشركة المصنّعة الصينية صاحبة رقم 3 في العالم "لينوفو"، وهي تعمل الآن على إعادة خلق رياديتها عن طريق تقليص التكاليف. ولا عجب، أن البورصة اليوم تسأل نفسها، متى ستحصد "ديل" ثمار عدوانها. وكيف يحدث، أن تتعامل الشركات المؤسسة في الغالب على نحوٍ عدواني جداً، وتقلل من شأن التوجّه نحو الأرباح؟ لذلك حددنا أربعة أسباب: التعليم الإداري، البنية الوراثية، المستثمرون، والقدوة.
التعليم الإداري: يُوعَظ الطلاب الجدد في مدارس التجارة منذ عقود من الزمان، بأن وسيلة الخلاص في الإدارة تكمن في حصص السوق المرتفعة قدر الإمكان. والمبادئ المعروفة عن التخطيط الاستراتيجي تبين الوسائل المناسبة لتحقيق ذلك. ونتائج البحث، التي تدحض شريعة حصص السوق، مثل تلك التي جاءت على سبيل المثال عن "سكوت أرمسترونج"، أستاذ في مدرسة التجارة "وارتون" ، تم تجاهلها منذ فترة بعيدة. والمشكلة الجوهرية التي تكمن في هذا المبدأ: هي أن حصة السوق ليست سبباً، ولكن عاملاً من عوامل النجاح الاقتصادي. ووجهة النظر التقليدية للمنافع الكبيرة بدت في الغالب على أنها أوهام.
البنية الوراثية: المديرون يريدون تحقيق النصر. إن روح المنافسة توجد ضمن خصائص البنية الوراثية، وهي تؤكّد بقاءنا على قيد الحياة في حوض أسماك القرش للشركة. إن قادة الشركات اليوم يحققون أغراضهم غالباً عن طريق احتلال أسواق جديدة، والنجاح ضد المنافسة. فقد عمل "توماس ميدلهوف"على دفع التوسعة في الإعلام الإلكتروني، كونه مديراً لشركة بيترلزمان التطويرية، قبل أن يتسلّم مجلس الإدارة. ولهذا فإن الأمر لا يدعو للتعجّب، عندما نرى أن القوى الإدارية تمارس الاستراتيجيات التي وضعتها على القمة. وفي مجرى أحد الأعمار المهنية المديدة، تشهد أكبر أسواق النمو ضعفاً في فترة من الفترات، وحتى أفضل المنتجات لديها تفقد حماية ملكيتها الفكرية في لحظة من اللحظات، وتجتذب الكثير من المنافسين. وعندها للأسف لا ينجح سوى بعض المديرين فقط، في تشغيل الموقف الدفاعي في السوق المركزية للهجوم، وتكريس طاقاتها الخلاقة في تطوير منتجات جديدة بدلاً من محاربة المنافسين.
المستثمرون: عندما يدفعنا البحث، والعلم، ومهنتنا الخاصة، على احتلال حصص هائلة من السوق، لا يمكن أن يكون هذا بعيد التأثير على المستثمرين. وإضافة إلى هذا، فإن حصص السوق عبارة عن وسيلة قياس سهلة، وخاصةً في أسواق النمو فهي مؤشر على قوة التحديث واستخدام الزبائن. ولهذا، يتم الإعلام عن خسائر حصص السوق للمستثمرين في العادة عن طريق خسائر أسعار المؤشرات والأسهم، لأنه يصبح من الواضح، أن المنافسة افتحت بصورة نهائية، وأصبح الهواء اللازم للهوامش الجذابة أقل كثافة.
وبالفعل يمكن للبورصة في الوقت الراهن أن تميّز بين الأمور المنطقية واللامنطقية فيما يتعلّق بالفوز بحصص السوق: حيث بررت مجموعة أمازون قبل بضعة أسابيع لدى عرض تقرير الربع هوامش ضعيفة وذكرت أن السبب، أنها تنوي تعزيز مركزها التجاري أكثر. وبرغم ارتفاع حجم المبيعات نحو 22 في المائة، الذي تم تحقيقه عن طريق الأسعار المتدنية، والتزويد المعفى من التكلفة، تراجع سعر السهم حتى فترة مؤقتة ما يزيد على نحو 20 في المائة. وقد كان المستثمرون بصورة عامة غير متحمسين.
القدوة الخاطئة: جاك فيلش، كان أحد المديرين التنفيذيين المسؤولين، في مجموعة جنرال إلكتريك، ونجم الإدارة العالمي، عزز القول الفصل، بأن على المرء أن يجتهد ليكون رقم واحد، أو رقم اثنين في أسواقه. ومن جميع قواعد الإدارة، التي أشاعها فيلش، تلك القاعدة الأكثر شيوعاً، ربما لأنها تبدو سهلة وواضحة. برغم أنها تتبع اليوم أحد أشكال المقاومة. وجاء عنوان المجلة الاقتصادية الأمريكية "فورتشن": "سوري جاك"؛ أي نأسف جاك، وتحدثت عن القواعد الجديدة لما "بعد عهد فيلش"، فبدلاً من أن تجتهد لتصبح رقم واحد، أو رقم اثنين، تقول فورتشن:"جد لك كوّة جديدة، واخترع شيئاً جديداً".
وكأن الأمر حصل على الموافقة، حيث بدأت الشركات تستوعب الأمر، لوثار ماير، مدير رئاسي لثاني أكبر مجموعة تأمين في ألمانيا "إيرجو"، أعلن في المؤتمر الصحافي الأخير للميزان التجاري، عن الخروج بعيداً عن مسار حرب الأسعار في سوق تأمين السيارات و صناعتها: "وسنقبل الانسحاب مرةً أخرى". وتوضّح جنرال موتورز أهمية الأخذ بعين الاعتبار التخلي عن خصومات الأسعار الحادة، وتقبّل انخفاض حصص السوق.
إن هذا المثال عن جنرال موتورز مثير على نحوٍ خاص: لم يمر عام كامل حتى الآن، منذ أن أدخلت فيها جنرال موتورز نفسها في أكبر معارك الخصومات في التاريخ، وعرضت سياراتها بالثمن نفسه، الذي تدفعه لموظفيها. وعلى هذا النحو، دفعت الشركتين المنافستين لها، فورد و كرايزلر، إلى حرب الأسعار، والتي بدت ذات تأثير واهن جداً خارج إطار حرق الأموال: ولم يتم الوصول حتى إلى أصغر الأهداف، حيث انخفضت حصص جنرال موتورز من السوق أكثر. ولهذا اندفعت جنرال موتورز في الخريف الماضي إلى حافة الإفلاس، قبل أن يتم سحب المكابح الطارئة في النهاية. وليس مفاجئاً، أن تشير أكثر الشركات المصنّعة للسيارات تحقيقاً للربح حول العالم "تويوتا" في شهر أيار (مايو) بصورة عامة إلى الحقيقة التالية: "ليس من اهتماماتنا البالغة، عدد السيارات التي تبيعها الشركات المنافسة لنا". والآن كيف تعمل إحدى الشركات المؤسسة على تعديل استراتيجية المنافسة الخاصة بها، بحيث تتجنّب عن طريقها الخطأ المهدد لوجودها، مثل جنرال موتورز؟ لقد أشار عملنا أيضاً إلى ثلاثة قطاعات مهمة في هذا: أسلوب التفكير، والتخطيط، والاتصالات.
أسلوب التفكير: الخطوة الأهم للوصول إلى استراتيجية منافسة منطقية، وجعل المعرفة التالية أسلوباً فكرياً سائداً: الهدف الأول للشركة، هو تحفيز الوصول للزبائن، وتحقيق الإيرادات، وليس تدمير المنافسين. هذا هو جوهر الإدارة الموجّهة صوب الربح. عندما لا تتمكن الشركة من الحفاظ على حصصها في السوق، إلا إذا شنّت حرب أسعار، تنهار قوة الربح لهذه السوق على مدار الأعوام. وعندما تغيب قوة التحديث، لا بد من التحرّك ما بين نمو حصص السوق، ونمو الإيرادات. وكلاهما لا تسيران معاً تحت هذه الشروط.
وبما أن ثقافة العدوان متمركزة في الشركات غالباً، لابد من معالجة المشكلة من مختلف الجهات: والخطوة الأولى، تنظيم على المستوى الإداري، التفكير بصورة مشتركة فيما يتعلّق باستراتيجيات النمو البديلة في محاولة إدراك ردود فعل المنافسة المتوقعة. وهنا يتضّح الأمر سريعاً، حيث إن العدوان بالطاقة الذرية لا يوجد فيه رابح. والخطوة الثانية "غسيل المخ" واسع النطاق للقوى الإدارية، حول أي الخيارات الاستراتيجية منطقية بصورة جذرية، وأيها غير منطقية. وفي النهاية من المفترض العمل على تحسين أنظمة التحفيز: وغالباً ما تدفع أهداف حصص السوق الضخمة مديري القطاعات التجارية إلى استراتيجيات، لا تسمح بزيادة حجم الإيرادات.
التخطيط: عندما يكتمل التحوّل المنطقي، لابد من توجيه استراتيجية المنافسة في الخطوة اللاحقة على نحوٍ حديث: في أي الأسواق علينا أن نهمل التعامل العدواني ضد المنافسين؟ وأين علينا أن نردّ بقوة، عندما نتلقّى هجوماً من المنافسين؟ إن الخاصية المهمة، هي فيما إذا كانت الشركة تخدم ريادية السوق، وهذه لابد من تحديدها بالفعل من وجهة نظر الزبائن. إن المنطق بسيط: في الأسواق، التي لا تحرز فيها الشركة حصصاً ثابتة من السوق، لأن عروض منتجاتها أسوأ من منتجات أفضل المنافسين، تتخلّى عن عدوان الأسعار. وفي أي مكان تحرز الشركة حصصاً من السوق، عندها يمكن توظيف الأسعار المتدنية بصورة اختيارية فقط للدفاع. وفي حالة الضرورة، لتوضح للشركة المنافسة، أن العدوان لن يجديها.
الاتصال: إن استراتيجية المنافسة الجديدة لا تنجح إلا إذا استوعبت السوق ما تريده الشركة. وإلا فيمكن للموظفين، والزبائن، والمنافسين، والمستثمرين أن يفسّروا التراجع المقصود على أنه علامة على الضعف، أو تفسير الدفاع المستهدف على أنه علامة على الهجوم واسع النطاق، ذي عواقب مصيرية. ويصل المرء إلى هذا الوضوح عن طريق التعامل التجاري الثابت و المتقدّم، والتواصل الإيجابي. فقط عندما يحافظ التشغيل مثلاً على نفسه بثبات ضمن استراتيجية المنافسة الجديدة، عندها يمكن تجنّب، أن تعمل بعض حالات التراجع في العدوان إلى تحفيز المنافس المقابل على القيام بضربة معادية.
وعندما يغيب التحديث، يصبح تحقيق الاستقرار والموازين المتعادلة في الأسواق الناضجة التنظيم الملوكي في استراتيجية المنافسة. ويُعتبر وداع فكرة حصص السوق الخطوة الأولى في الإدارة الموجّهة للربح، ولكن تحتاج إلى التنظيم، والوقت، والموهبة، للتمكّن من فهم السوق من جديد.