منظمة الطاقة الدولية ترسم سيناريوهين لمستقبل الصناعة النفطية
منظمة الطاقة الدولية ترسم سيناريوهين لمستقبل الصناعة النفطية
في توقعاتها لمستقبل الصناعة النفطية حتى عام 2030، قالت الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها السنوي الصادر نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر، إن التوسع الحالي والمطلوب في الصناعة والتقنية الملازمة لها قد لا يستمر ولا يمكن المحافظة عليه، وذلك بسبب تكلفة الاستثمارات العالية وعدم تأمين الإمدادات.
ويقول كلود مانديل، المدير التنفيذي للوكالة، إن الطلب العالمي على النفط يتوقع له أن يزيد بأكثر من النصف بحلول عام 2030 إذا لم يحدث تغيير في السياسات الحكومية، لكن مثل هذا المستقبل لا يمكن ضمان استدامته لأسباب على رأسها النمو في الانبعاث الحراري، الاعتماد على عدد أصغر من المصدرين، مع حقيقة أن الملايين من الناس سيظلون غير قادرين على الوصول إلى مصادر الطاقة.
ووفقا لتقديرات هذا العام وحتى نهاية العقد الثالث، فإن السياسات الحالية الخاصة بالطاقة لا يمكن الحفاظ عليها فقط، وإنما تبدو محكومة بالفشل وذلك بسبب التكلفة العالية للاستثمارات في البنية الأساسية للطاقة، كما أنه توجد قناعة بعدم وجود طاقة حقيقية تماثل الطلب على المدى البعيد.
وأطلق مانديل تحذيرا مصاحبا لنشر التقرير، أنه ما لم تقم الحكومات بمراجعة سريعة وحاسمة لسياساتها الخاصة بالطاقة خاصة فيما يتعلق بميادين البيئة الأساسية، وفعالية استخدام الطاقة، فإن الصناعة ستتناوبها الأزمات المتلاحقة الواحدة تلو الأخرى. ويمكن أن ينتج عن ذلك تصاعد كبير في الأسعار، عمليات انقطاع مستمرة للتيار الكهربائي، تعثر في الإمدادات، كوارث مناخية، والمزيد للفقر للكثير من الناس. وأضاف أن على الحكومات القبول بتغيير سياساتها الراهنة ووضع أيديها على مقود القيادة وذلك حتى يمكن الحصول على طاقة نظيفة ومنافسة مستقبلا. ومستقبل مثل هذا ليس ممكنا وحسب، لكن يحكمه منطق اقتصادي واضح.
والسيناريو البديل يشير إلى الخطوات الأخرى الواجب اتباعها، وعلى رأسها التركيز على الفاعلية في استخدامات الطاقة. وهذه الفاعلية يمكن أن تكون ذات مردود اقتصادي من ناحية التكلفة، حيث يمكن استرجاع الاستثمارات على المدى البعيد من خلال الوفورات التي تتم في السنوات اللاحقة. والأمر يعود في النهاية إلى الحكومات وجديتها في تطبيق هذه السياسات.
من جانبه، يرى الدكتور فاتح بيرول كبير اقتصاديي الوكالة، أن تركيبة الطاقة والإمدادات للسوق ستظل في حالة نمو، وبالتالي ستكون الفرصة متاحة أمام "أوبك" للتأثير في الأسعار، مضيفا في مقابلة مع نشرة "ميس" النفطية المتخصصة الأسبوع الماضي، وفي نقد لقرار "أوبك" خفض إنتاجها بمعدل 1.2 مليون برميل يوميا، أنه قرار سياسي جانبه التوفيق من ناحية التوقيت، إذ تتهيأ الأسواق لدخول فصل الشتاء حيث يزيد الطلب، كما أن حجم الخفض كبير في الوقت الذي تحتاج فيه الأسواق إلى المزيد من الإمدادات. والقرار بهذا يهدف إلى رفع الأسعار، وهي عملية ستكون لها نتائجها على مختلف الاقتصادات الوطنية وبمختلف السبل، وسيكون وقعها أكبر على الدول الإفريقية جنوب الصحراء والهند.
ويفسر بيرول عدم حدوث تأثير على الأوضاع الاقتصادية حتى الآن في شكل كساد بسبب الارتفاع الأخير في الأسعار، وذلك نسبة لأن العالم كان يعيش فترة نمو وازدهار اقتصادي قوي. لكن إذا استمرت الأسعار على هذا المعدل، فسيكون هناك تهديد جدي بحدوث كساد. والجميع يتفقون تقريبا على إمكانية حدوث تباطؤ اقتصادي العام المقبل، والسؤال هو: كم سيكون حجم هذا التباطؤ؟ وفي العجز الذي يشهده الميزان التجاري الأمريكي مؤشر على ذلك.
ويضيف بيرول أنه دون تغيير في السياسات المتبعة، فإن العالم يخاطر بمواجهة مشكلتين في آن واحد: تزايد المخاطر على الصناعة، وتزايد عمليات التغير المناخي. فالطلب على النفط يمكن أن يزيد بنسبة 50 في المائة بسبب النمو في الصين والهند خلال فترة التوقع، وأن أكثر من ثلثي هذا النمو سيأتي من قطاع المواصلات. وفي هذه الحالة سيكون الاعتماد على "أوبك" كبيرا بسبب تدني الاحتياطيات لدى المنتجين خارج "أوبك"، الذين سيصل إنتاجهم إلى قمته في العقد المقبل، وسيكون مطلوبا من "أوبك" تقديم المزيد، وبالتالي ستظل السعودية، إيران، والعراق لاعبين أساسيين لتوفير الإمدادات، كما أن الاعتماد الحالي على نفط "أوبك" لتوفير 40 في المائة من احتياجات السوق مرشح للزيادة إلى 50 في المائة بحلول عام 2030 وبكل ما لذلك من تبعات، وذلك في حال عدم حدوث متغيرات في السياسات المتبعة.
التقرير وضع سيناريوهين، يقوم الأول على افتراض عدم حدوث تغيير في السياسات القائمة والسائدة حاليا، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الطلب على النفط بصورة متصلة وبنسبة نمو في حدود 1.3 في المائة، الأمر الذي سيرفع حجم الاستهلاك من 84 مليون برميل يوميا في عام 2005 إلى 116 مليونا عام 2030.
ووفقا لهذا السيناريو، فإن معظم هذا الطلب سيأتي من الدول النامية وكذلك الصين والدول الآسيوية الأخرى التي سيكون نصيبها 15 مليون برميل يوميا، أو ما يعادل 46 في المائة من حجم الزيادة في الاستهلاك.
منطقة الشرق الأوسط ستشهد نموا سريعا في الاستهلاك، وكذلك في العوائد النفطية التي ستوفر موارد إضافية لاقتصادات المنطقة تدفع بها إلى الأمام. إمدادات "أوبك" من النفط الخام والسوائل يتوقع لها أن تزيد من 34 مليون برميل يوميا في العام الماضي إلى 42 مليونا عام 2015 ثم 56 مليون برميل يوميا في 2030. وستظل السعودية أكبر منتج ومصدر للنفط الخام والغاز المسال، إذ سيرتفع إنتاجها من 10.9 مليون برميل يوميا العام الماضي إلى 13.7 مليون عام 2015 و17.6 مليون برميل في العقد الثالث من هذا القرن. كما ستأتي بقية الزيادات من الكويت، الإمارات، ليبيا وفنزويلا. أما سياسات "أوبك" الخاصة بالأسعار والإنتاج والسياسات الوطنية الخاصة بتطوير وإدارة الاحتياطي فستكون غير مستقرة واتجاهاتها يشوبها عدم الوضوح.
أما السيناريو البديل فيقوم على أن تبلغ الزيادة 103 ملايين برميل يوميا في عام 2030، أي بما يقل ب 13 مليون برميل يوميا عن السيناريو الأول. والإجراءات التي ستتخذ في قطاع المواصلات لتحسين فاعلية استخدام الطاقة في المركبات الجديدة ستسهم في توفير 59 في المائة من حجم الوفورات المتوقعة خلال فترة الدراسة.
السيناريو الأول يتوقع استثمارات في حدود 20.2 تريليون دولار بين عامي 2005 و2030، منها 21 في المائة أو 4.3 تريليون تخصص للبنية الأساسية للصناعة، ثم 19 في المائة أو 3.9 تريليون للغاز و56 في المائة، أو 11.3 تريليون للطاقة الكهربائية. وهذه الاستثمارات مطلوبة لمقابلة الاحتياطات المتنامية وإحلال المرافق القديمة بأخرى حديثة. وهذا الحجم من الاستثمارات يزيد بنحو ثلاثة تريليونات دولار عن تقديرات العام الماضي، وذلك بسبب الزيادة في الإنفاق الرأسمالي، علما أن التركيز سيكون في مجال تغيير التقنية المستخدمة والبدائل للطاقة السائدة.
ويحذر التقرير من أن كل الاستثمارات المطلوبة قد لا يتم توفيرها، فالسياسات الحكومية، العوامل الجيوسياسية، والتغيير غير المتوقع في التكلفة الرأسمالية للوحدة وتكلفة التقنية الجديدة ستؤثر كلها على الامتيازات والحوافز للشركات الخاصة والعامة واستثماراتها في مختلف قطاعات الصناعة. كذلك ليس واضحا مقدرة ورغبة منتجي الغاز لزيادة حجم استثماراتهم.
وتحت السيناريو البديل والإجراءات التي ستتخذ، فإن الوفورات التي ستتم ستتجاوز حجم الاستثمار الأولي، وسيقل الحجم الكلي المطلوب للاستثمار بنحو 560 مليار دولار عن حجم الاستثمارات في السيناريو الأول. ومع أن التكلفة ستزيد بالنسبة للسيناريو الثاني بنحو 2.4 تريليون دولار، إلا أن هذه الإضافة يمكن تغطيتها بتجنيب ثلاثة تريليونات في جانب الإمدادات، كما أن حجم العرض في الوقود سيصل إلى 8.1 تريليون دولار بأكثر ما يتطلبه واقع الطلب.
ويشير التقرير إلى زيادة الاستثمار في صناعة النفط والغاز، حيث وصل العام الماضي إلى 340 مليار دولار، أي بزيادة 70 في المائة عما أنفق خلال عام 2000 بالأسعار الاسمية.
ورغم أن خطط المشاريع الإنتاجية الأمامية تسعى إلى إضافة 21 مليون برميل يوميا إلى الإنتاج، إلا أن التراجع في إنتاج الحقول القائمة وتقدم العمر ببعضها سيجعل الإضافة الجديدة فعلا في حدود تسعة ملايين برميل يوميا فقط بين عامي 2006 و2010، علما أن السيناريو الأساسي يقوم على استثمار مبلغ 164 مليار دولار في العام، خاصة في مشاريع العمليات الأمامية، وثلاثة أرباعها سيكون مطلوبا للحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية من الحقول. كما يثير التقرير تساؤلات حول إمكانية توفير كل مبالغ الاستثمارات المطلوبة هذه.