( مَــنْ يْعلـِّــم الأغــا )
<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>
طالما أنَّ الصدق منجِّ، فإنَّ (الفهلوة) لسلوكياته قد يكون ضررها أكثر من نفعها، بينما لا يصح إلاَّ الصحيح، مهما طال الزمن. تجارب الشعوب سجل حافل في أنَّ مسارات التعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخاطئة يتقاسم أوزارها المتعاملون من الدول والمواطنون لمدد طويلة، وتـُحدث تغيرات صغيرة متسلسلة في موازين العلاقات القائمة، لتظهر وتبان، مع غوغائية دولية، يضيع فيها حابل الفرضيات الدولية الاقتصادية الاجتماعية، مع نابل مستجداتها ووقائع مظاهرها التزاحمية في ساحة الاقتصاد الدولي، وعيون الدبوماسيين والسياسيين (مبحلقة)، وساعية (لشلفطة) حقيقة الخزْي بالركض بعيداً عن الحقيقة ووراء استنتاجات لمؤشرات الواقع في معزل عن المؤثرات الصادقة مثل محامي العصر الحديث وهممه العالية في (غمغمة) الدفاع لكسب الجولة بدلاً من إرجاع الحق لأصحابه.
الدولار الأمريكي ليس موضوع خُلف ولا نقاش لدوره من داخل اقتصاد بلاده، ولا معارضة الدول التي تتخذ منه العملة الرسمية لاقتصادها مثل باناما، ولا من تربطه بعملتها الرسمية على سعر مباشر موحد للبيع والشراء دون مقاصة عن طريق البنوك كما هو في لبنان، ولا غبار على المنطقة الاقتصادية التي تربط الدولار الأمريكي، من تحت خمار، بعملة كل بلد، من داخل المنطقة، بسعر محدد للدولة ومتفاوت بين الدول الأعضاء وثابت مع الدولار الأمريكي، دون أن يعوق صيحاتها الآنية، وتطلعاتها المستقبلية لتوحيد عملات المنطقة المحلية، وثبات التزام المنطقة مع الدولار الأمريكي، الصامد في اقتصاد بلاده المتأرجح في اقتصاديات دول العالم قاطبة، التي (تـُدوِّر) تجارتها الدولية حول الاقتصاد الأمريكي وفقاً لوضعها التزاحمي، غير متأثرة (بأرجحة) سعر الدولار الأمريكي. أهم مخرجات الحرب العالمية الثانية القوة الاقتصادية الأمريكية التي اتخذت من الديموقراطية ستار الهيمنة الاقتصادية عالمياً، والرأسمالية (الدينمو) المشغل للمقدرات المادية والدولار الأمريكي (الزيت) المحرك للقدرات الإنتاجية والقوة المنظمة للتشريعات الجديدة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ضمن فكر متطوِّر لتوسيع التجارة العالمية. باطن التنظيمات جميعها سيطرة القوي على الضعيف، لتغلـِّف دعاوى ظاهرة التحول من الفقر والعزة إلى حرية تجارية لفرص متوازية، وفق تنظيم اتفاقيات متعدِّدة: من اتفاقية التجارة العالمية إلى اتفاقيات حرية التجارة إلى بيئية وإقليمية.. إلخ.
التحول التجاري العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، استهدف خدمة القوة الاقتصادية الصناعية الغربية المهيمنة: من تحرير مناطق الإنتاج والتصنيع بما يوفر سهولة حرية الاستثمار الدولي للدول الصناعية الغربية المسيحية عالمياً، وتوسيع مناطق نشاطها وتصيبه بالتنظيمات التي وضعوها في فترة الاستعمار السياسي بين الحربين العالميتين، واستحالة قبولهم تحريرها ومواءمتها، وفقاً للاتفاقيات التي تربط دول الشمال بالجنوب أو صعوبة اختراقها لجني فوائد اقتصادية متوافرة في بلاد مثل الصين والبرازيل والهند، ودول الاتحاد السوفياتي.. إلخ . آلية ركيزة التبادلات التجاري الدولية الثانية نجدها في معادلة نقدية ببعد جغرافي متوسِّع، بعد أن تحولت سيطرة تمويل التجارة الفعلية بعد الحرب العالمية الثانية من إقليمية الاسترليني، والفرنك الفرنسي والليرة الإيطالية.. إلخ، إلى هيمنة مظلـَّة أمريكية (ثقوبها) متفاوتة (الأقطار) القياسية والجغرافية (ليصب) الدولار الأمريكي في مناطق العالم بانهمارات متفاوتة، مقابل العملات المحلية بسعر السوق الحر والرسمي في (خليط بزرميطي) وفقاً لقرارات القوى المهيمنة: لألمانيا الاتحادية، والحكومة العمالية البريطانية وفقاً لنظرية السياسة النقدية الرخيصة، للين الياباني 365 ين للدولار الأمريكي وفقاً لعدد أيام السنة الميلادية.. إلخ.
القوة الاقتصادية الأحادية ربما تنطوي هيمنتها ضمن وساطة التعامل المتمثلة في العملة المأمونة عالمياً، لتوفرها وسرعة تداولها واطمئنان حفظ قيمتها وفقاً لاتفاقيات بريتون ردز . التصاق العملات الصناعية بالدولار عالمياً لم يتزعزع مع فك الارتباط السعري بالذهب المتقيِّد بتسليم كمية من الذهب مقابله، لعدم توفر البديل المماثل بالوفرة الكبيرة عالمياً. حقيقة أن للدولار الأمريكي قيمة شرائية ثابتة مقابل الدولار الأمريكي، لاقتناء السلع والخدمات في الولايات المتحدة الأمريكية، ومقابل العملات الأخرى تقرر قوته السوقية موازين المدفوعات ومتانة اقتصاد الدولة التي تصدره وتوفره في سوق العملات العالمية. القبول بملكية الدولار الأمريكي مقيد بالحاجة الاستخدامية للاحتياطيات والتبادلية لقضاء حاجات، مما يجعله وسيطاً لشراء وبيع السلع دولياً، وكلما طالت مدة الانتظار زادت كلفة استخدام آليته بما يوازي فروقات العملة وسعر الفائدة. زيادة قيمة الواردات وكلفة عملات الدول الصناعية بالعملة المحلية أمام (دحورة) الدولار الأمريكي، هي موضوع سياسي بحت قاصر على فكر وأسلوب وطريقة تقيم العملة. لزيادة الإيضاح: القرار المعلن في الستينيات من القرن الماضي من الجهة الرسمية لتثبيت الريال مقابل الدولار الأمريكي، لم يربطه بالدولار الأمريكي، ولكن بسلة عملات الدول الصناعية الرئيسية وبنسب معلنة، ما يعني احتمال تعديل سعر الريال لمتغيرات أسعار عملات السلة وتغير الظروف وفقاً للمصلحة الاقتصادية والقرار الرسمي المنظـِّم له.
الخمسينيات من القرن الماضي وصفت الدولار الأمريكي عالمياً في سوق التعاملات النقدية (بالعملة الصعبة) لحكومات كثيرة، ليس لندرته وقوته، ولكن لأنَّ عيون حكومات كثيرة ودول عديدة (بصيرة ويدهم قصيرة)، بينما شعوبهم ومواطنوهم اعتبروا أنَّ حقيقة الصعوبة تكمن في العملة المحلية الصعبة النادرة، لقلتها وتدهور قيمتها الشرائية، ما يتطلب زيادة اقتنائها لتوفير توازن واتزان بين زيادة الأسعار للسلع والاحتياجات النقدية. حسن الإدارة النقدية مهم لمواجهة الالتزامات المالية والحفاظ على الثروة واستخدامها الاستمتاعي للأفراد والعوائل والشعوب. الشواهد المحلية للوفرة النقدية لربع قرن، رفعت مالية كثيرين، وأضرَّت بقلـَّة فشلت في إدارتها والحفاظ عليها. حكومات الدول تهتم بالتخطيط المالي والإنفاق النقدي على برامج تستهدف ازدهار الاقتصاد في عالم تنخر فيه متطلبات مكلفة ومسؤوليات سيادية جسيمة يصعب مواجهتها ضمن الفكر الاقتصادي السليم لإعمار الأرض وزيادة ثروته من دون تقتير ولا تبذير. السياسات الاقتصادية الاجتماعية السياسية لدول الغرب الصناعي الثمانية أكثر وضوحاً لمعرفة مساراتها النقدية والمالية وتوقع نتائج تقدمها. اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، مساره واضح، وطريقه مُعلن في جرأة ودون اكتراث لحدوث نتائج جانبية، ولا اعتبار لرؤى الغير لنتائج سياساتها الاقتصادية عالمياً. اقتصاديات العالم منذ نهاية الحرب العالمية تدور في (فلك) المركز الدولاري الأمريكي وثقل تعامل دول العالم تـُحدث تغيرات في محاورها وفقاً للاحتياجات القومية والأهمية الجغرافية لأمريكا، ما يفسِّر انتقال عظيم اهتمامهم البترولي الخام من فنزويلا في بداية ثلاثينيات القرن الماضي لمنطقة الشرق الأوسط، ليأخذ التغير طريقه في بداية القرن الواحد والعشرين من الشرق الأوسط جغرافياً، إلى منطقة بحر قزوين في الشمال الشرقي، والبديل المرحلي الثاني، تقنيات منتجات الوقود من المنتجات الزراعية. التحول الاستثماري يظهر تحوله من الاتحاد الأوروبي واليابان إلى روسيا وحليفاتها والصين والهند والبرازيل. الازدهار الاقتصادي الاجتماعي الأمريكي الحقيقي يعيشه المستهلكون المقيمون في داخل أمريكا دون تضخم يذكر ولا ندرة بضائع وأسعار مستقرة واستثمارات منتظمة، ومن دون معرفة واطلاع عن ضخامة الدين الداخلي وتزايد الاستثمارات الأجنبية بمستويات تتسابق من العجز في الميزانيات وميزان المدفوعات، وتحيد حدة تضخمه توفر بضائع صينية لا تقل عن 50 في المائة من السلع الاستهلاكية المعروضة للبيع في المحلات التجارية داخل أسواق الولايات المتحدة الأمريكية.
الدور الوسيط للدولار الأمريكي بين عملات التجارة العالمية ليس (مُغيب)، ولابد أنَّ وراء تحركاته عقولا تتصرف بما يعود في المدد القصيرة بالنفع للاقتصاد الأمريكي على حساب فرقائهم الصناعيين التجاريين. إذا هنالك اختلاف عما إذا التاريخ يعيد نفسه، فإنَّ من المسلـَّم به مصداقية التاريخ المدوَّن في سجلات رسمية، بخصوص القروض والاستلافات الخارجية التي حصلت عليها الشركات الأمريكية والخزانة من مصادر أجنبية خاصة وأهلية وحكومية جميعها أو أغلبها بالدولار الأمريكي الذي قيمة صرفه منذ خمسين عاما (بخمشة) ين ومارك ألماني وليرة طلياني وتسديده أخيرا عند شراء عملات محلية حصيلتها (مسخوطة) العدد، (باستثناء الجنيه البريطاني الذي سعره قبل نصف قرن عكس سياسة إغراق النقد الرخيص، ما يجعل قيمته حالياً بالدولار الأمريكي قريبة التطابق بعد أكثر من نصف قرن). الاقتراض الأمريكي مستمر بالعملة الدولارية لميزات الوساطة، على الرغم من أنَّ التقلبات بين العملات وفروقات الفوائد كبيرة. الفروقات ليست في العملة الوسيطة الدولار بقدر ما هي في أداء الاقتصاد. وساطة التعامل والوصول للعملة مهمة للتجارة الدولية، وكونها لا تؤثر في القوى التنافسية للاقتصاديات الدولية المتاجرة عالمياً، لا ينفي نتائج تغير التأثيرات على التجارة العالمية من المداخلات التي لا علاقة لها بعوامل السوق. القوة السياسية الأحادية تفرض عالمياً احترام التعامل التجاري الدولي وفقاً للاتفاقيات والمواثيق ونادراً ما تطبقها على أعمالها وتعاملاتها. الاستثمارات الأمريكية ليست قاصرة على داخل الاقتصاد الأمريكي، بل تمتد إلى أوروبا واليابان وشرق آسيا والصين والهند والبرازيل.. إلخ. ازدهارها ونموها تتولاه استثمارات شركات عابرة القارات، ومصادر خارجية ممولة الميزانية الأمريكية والاستثمارات داخل أمريكا وفق معدل سوق لوساطة العملة الأمريكية مع العملات الأخرى الأجنبية. الربع الأخير من القرن الماضي سجل تاريخي حافل بصراعات الدولار الأمريكي مع عملات اقتصاديات الدول الصناعية الرئيسية في التجارة الدولية، دون أن يعطل التقدم الصناعي والازدهار الاقتصادي للدول المعنية، ولم يستفد منه المخططون الأمريكان من وساطة الدولار، ولا إدارته النقدية لتقوية تجارتهم عالمياً، وصيانة ميزان المدفوعات إيجاباً وتوازن ميزانياتهم. الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاديات العالم لدرجة أنَّ انهياره تخيف الآخرين ويفرض عليهم حكم القوي على الضعيف.
من رابع المستحيلات استمرار بقاء الحال كما كان. والصين تمشياً مع (النق) الأمريكي تحولت من اقتصاد اشتراكي بحروف صينية إلى اقتصاديين أحدهما صيني تقليدي الثوابت والمعايير وتغيراته في السنوات الأخيرة تقدمية حثيثة. نمطية بقائه ضمن (العُقد) الصينية أقوى من توجهات خارجية في التحديث والاتفاقيات والمواثيق. الاقتصاد الصيني الآخر يعتبر امتدادا للاقتصاديات الصناعية الغربية. الاستثمارات الأجنبية تنطلق منه وتقام فيه المصانع الحديثة المبتكرة، بالتقنيات العالمية من الإبرة إلى السيارة وقريباً الطائرة البوينج. المنتجات صينية الصنع غربية المواصفات والاستثمار لتصديرها بعلامات عالمية بأسعار مزاحمة. ما (لقطهُ) الصينيون من مهارة صناعة الغربيين جعلهم يصنعون بمفردهم مستويات غربية وأسماء صينية محلية، بضائع جيدة وبأسعار مزاحمة ومخفضة عن البضائع الصينية بالعلامات الدولية. التجارة الدولية بين الصين والعالم بصفة عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة ارتفعت لتمثل خطرا على منتجات الدول الصناعية الغربية واليابان وشرق آسيا. الإغراق للصناعات الغربية لا يمكن مواجهته ومزاحمته بالتقنيات المتوافرة والإنتاجية المحتملة خاصة أمام صعوبة وضع قوانين ونظم مانعة لإجمالي حركة التجارة الدولية. الولايات المتحدة الأمريكية وعت وفهمت، من وقت مبكر للخطر التزاحمي من (شوقهم) فرض أفكار إنسانية أمريكية على الصين دون الاحتراق بتبعيات فتح أسواقهم وإبقاء الصينيين حروف لغتهم على الفلسفات الغربية. التدخل الأمريكي في العمق الصيني الاقتصادي وأحوال البلاد الاجتماعية والسياسية ليست من طبيعة المستعمر الذي يفضل أن (يأخذها من قصيرها)، ومصلحته ليست في الانجراف والانحدار للمشكلة الاقتصادية الصينية، وميله أن (يأكل فطير ويطير)، ويركز جهوده في زيادة أسعار الصادرات الصينية عن طريق تعديل سعر الدولار الأمريكي الوسيط للعملة الصينية، ومطالبتهم الصينيين (فك) ارتباط الين بالدولار الأمريكي وترك تسعيره للسوق أو رفع سعر الين الصيني مقابل الدولار الأمريكي بما لا يقل عن 15 في المائة، إضافة إلى إصلاحات مالية ونقدية تتطابق مع الفكر الغربي الصناعي.
الضغوط الأمريكية والكياسة الصينية دفعت ببعض تعديل في التنظيمات النقدية الصينية، ورفعت سعر العملة المحلية منذ بداية (المناحلة) بنسبة 4 في المائة. المناورة بين القطبين ظاهرها تمثيلي هزلي الوقع، وباطنها دراماتيكي الأطوار، لا يخفي الحذر الصيني والثقة العالية، ويوضح تاريخ تعامل أمريكا مع دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في أنها لا توفر طعاماً لمسكين من دون مقابل، ويد البطش قوية من دون رادع. المناورة الصينية الأمريكية رادعها أنَّ رواج البضائع الصينية في السوق الأمريكية الاستهلاكية كبير وتقديراتها تصل إلى 50 في المائة من إجمالي المبيعات. زيادة أسعارها يزيد من كلفة المعيشة على المواطن الأمريكي، ويرفع معدلات التضخم والاقتصاد على مقربة من الانتخابات. تخفيف الضغط الأمريكي على الصين قد يُهدِّي من استعدادهم زيادة سعر عملتهم أمام الدولار الأمريكي. تعويم العملة الصينية تطالب به الإدارة الأمريكية النقدية، لكن صعب احتساب تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي خاصة والعالم عامة. لاعتبارات سياسية مجازفة تأجيلها أفضل من الاستعجال. تلاقي المصالح الاستثمارية والتجارية بين الصين وأمريكا خاصة والعالم الصناعي عامة واضح. مخاطر قدرة الصين الحديثة للفتك بالاقتصاد العالمي الصناعي واضح، ولكن معادلة تطوير جغرافية باقي الصين سياسياً واجتماعياً، كلفتها غير محسوبة اقتصادياً. الدولار الأمريكي الوسيط ليس المشكلة، بقدر ما هي في تباين تطبيقات الاتفاقيات الاقتصادية واستمرارية الاستعمار الخفي من القوي للضعيف وتخلف الدول النامية في المهارات والعلوم والإنتاجية والعمل. والله أعلم.